إذا نسيتك أيتها القدس- بقلم الكاتب التقدمي الاسرائيلي ميرون رابوبورت
- لا تملك القدس علاقات عامة جيدة جرى توجيه الاهتمام، خلال الشهور
القليلة الماضية منذ مطالبة الرئيس أوباما تجميد المستوطنات، نحو الضفة
الغربية والإنشاءات في البؤر الاستيطانية المتقدمة وتوسيع المستوطنات
وتفكيك الحواجز ونقاط التفتيش، نادراً ما تظهر القدس على شاشة الرادار، لا
في إسرائيل ولا في أي مكان آخر في العالم.
تظهر أحياناً أحداث مثل
إخلاء أسر فلسطينية من منازلهما في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية ولفترة
قصيرة في الأخبار، إلا أن وضع المدينة العام نادراً ما يجد طريقه إلى
الحوار العام. لا تسعى إسرائيل بالتأكيد لدخول حوار كهذا، مثلها مثل إدارة
الرئيس أوباما، التي تفضل التركيز على موضوع المستوطنات "الأسهل".
ليس
إبعاد الأنظار عن ما يحدث في القدس ظاهرة جديدة، وهذا أمر مفهوم. يعتبر
موضوع القدس، من بين كافة القضايا على طاولة المفاوضات الفلسطينية
الإسرائيلية أكثر المواضيع تعقيداً على الأرجح.
فمن ناحية، من
الواضح لدى الجميع أن الفلسطينيين (إضافة إلى كل العالم العربي والإسلامي)
لن يوافقوا إلا على معاهدة سلام تحتوي على حل شامل وعادل (من وجهة نظرهم)
لقضية القدس والمواقع المقدسة.
من ناحية أخرى، يجعل الواقع على
الأرض، بدءا من توسيع الأحياء اليهودية في مناطق القدس الشرقية التي جرى
ضمها إلى إسرائيل بعد حرب عام 1967وانتهاءاً بتحصّن المستوطنات
الإسرائيلية داخل الأحياء الفلسطينية، يجعل من كل اقتراح لتقسيم القدس بين
إسرائيل وفلسطين أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيل التحقيق.
يبدو أن
المستوطنين وأحزاب اليمين وأجزاء كبيرة من المؤسسة الإسرائيلية قد وصلت
إلى تفاهم جيد حول وضع القدس المعقّد، لهذا السبب يحاولون جعل الوضع أكثر
تعقيداً من خلال "خلط" المدينة أكثر، حتى يتسنى منع حل على نسق "أطر
الرئيس كلينتون"، التي تحدثت عن تقسيم القدس حسب معادلة بسيطة هي أن تؤول
الأحياء اليهودية لإسرائيل والأحياء الفلسطينية لفلسطين.
فقط عبر
هذا المفهوم يمكن فهم الأحداث الأخيرة التي شهدناها خلال الشهور القليلة
الأخيرة، بدءاً من قرار بناء حي يهودي جديد في موقع فندق شبرد في حي الشيخ
جراح وإسكان أسر يهودية في منازل جرى إخلاء سكانها الفلسطينيين منها في
نفس ذلك الحي، وانتهاءاً باقتراح قُدم مؤخراً لبلدية القدس عن طريق عطاء
لإنشاء 110 وحدات سكنية في ضاحية راس العامود بالقدس الشرقية.
ليس
الموقع الجغرافي لهذه المستوطنات الجديدة مجرد مصادفة. يقع حي الشيخ جراح
شمال المدينة القديمة والحرم الشريف، ويحاذي حي راس العمود المدينة
القديمة من الشرق. سوف تخلق المستوطنات اليهودية في هذه الأحياء طوقاً
يهودياً حول المدينة القديمة تفصلها عن الأحياء اليهودية الأخرى شرقي
القدس. في غياب الاتصال الجغرافي وسهولة الوصول إلى الحرم الشريف، لن
يتمكن الفلسطينيون من إنشاء عاصمتهم في القدس الشرقية.
هذه العملية
آخذة في أن تصبح حقيقة في أحد أحياء القدس الشرقية. تعيش ستون أسرة يهودية
في سلوان، التي تقع إلى جنوب المدينة القديمة، على مقربة من المسجد
الأقصى. حصلت "إيلاد"، منظمة المستوطنين غير الربحية، التي تنشط في ذلك
الحي على تصريح من الدولة لإدارة المتنزه القومي والمواقع الأثرية في
المنطقة. بوجود هذا الدعم الحكومي، أصبح للمستوطنين الذي يشكلون أقلية
صغيرة في وادي حلوة (وهو وسط سلوان حسبما يسميه الفلسطينيون) أو "إر
ديفيد" (مدينة داود، حسبما يشار إليها بالعبرية) سيطرة بحكم الأمر الواقع
على جزء كبير من المساحة العامة. لا يخفي ديفيد بئيري، رئيس منظمة إيلاد
نيته احتلال الحي بأكلمه "وتهويده" حسب قوله.
قمت قبل أسبوعين
بزيارة إر ديفيد/وادي الحلوة، بعد دقائق قليلة من الوقوف في الشارع
الرئيسي وبيدي كاميرا مرّت مجموعة من الفتيات اليهوديات من سكان المستعمرة
في الحي. شرحت لي إحداهن، حتى قبل أن أطرح أي سؤال، أن "القدس مدينتنا نحن
اليهود. من سوء الحظ أن هناك عرب فيها. لن يأتي المخلّص حتى يترك آخر عربي
المدينة". قيلت أشياء مماثلة لي من قبل أسرة يهودية محافظة مرت من هناك.
يُشكل
الاستيطان في إر ديفيد/وادي حلوة جزءاً من إيجاد طوق يهودي حول المدينة
القديمة. ولكن باستثناء حقيقة أن هذه المستوطنة اليهودية وغيرها في القدس
الشرقية يُقصد بها استباق حل سياسي في القدس، هناك خطر آخر، أكبر على
الأرجح. يمكن للشعور بالحقد، الذي شهدته في سلوان أن يؤدي إلى انفجار
وانتشار رهيب للعنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
تعمل زيادة
وجود المستوطنين في أحياء مثل سلون على تحويل القدس الشرقية إلى مدينة
خليل أخرى: واقع من الاحتكاك اليومي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أدى
هذا الاحتكاك في الخليل إلى سلسلة من أعمال العنف المتبادلة، بدءاً بمجزرة
الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها يهودي من ناحية والهجمات الفلسطينية ضد
المستوطنين من ناحية أخرى. لا يتشارك العرب واليهود في الخليل بحياة
مشتركة معاً. وينطبق الأمر نفسه على تلك الأحياء الفلسطينية في القدس التي
تضم مستوطنة يهودية.
لا شك هناك أن قضية القدس معقدة وحساسة جداً.
ولكن هذا بالضبط هو سبب ضرورة عدم تجاهلها. إذا أرادت إدارة الرئيس أوباما
تحقيق الحل المرغوب بين الإسرائيليون والفلسطينيين، يتوجب عليها ألا تؤجل
قضية القدس إلى نهاية العملية. وإذا نجح أوباما بتفكيك القنبلة الموقوتة
التي هي القدس فلديه فرصة جيدة في حل بقية النزاع. قد لا تكون القدس هي
المشكلة فقط، قد تكون الحل كذلك.
* ميرون رابوبورت صحفي وكاتب
إسرائيلي مستقل وفائز بجائزة نابولي الدولية في الصحافة ورئيس سابق لدائرة
الأخبار في صحيفة هآرتس. كُتب هذا المقال لخدمة Common Ground الإخبارية
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/