الظروف أجبرتني على التسول..أم محمد:أبحث على لقمة عيش لي ولأطفالي الثالثة
ام محمد: الظروف القاسية والصعبة تجبر على التسول.. |
بعيناها السوداوان والتي أبرقتهما أشعة الشمس الساطعة في وضح النهار ،
تترقب أم محمد بحذر ودقة شديدين المكان الذي تفترشه منذ ساعات الصباح
الباكر لمتابعة حركة الأشخاص الداخلين والخارجين من المحال التجارية وذلك
لاستجداء عطف وكرم المارة من خلال كلمات منتقية ذات عبارات مشفقة تبثها
بنفس مكسورة معنونة بالفقر وقلة الحال .
تقول ام محمد التي تبرر عملية استجدائها للمارة وقد بدى الارباك واضحا على
قسمات وجهها لمراسلتنا همسه التايه بالقول لقد أجبرتني ظروف حياتي القاسية
على مثل هذا الوضع وخاصة في مثل الظروف الحالية التي نعيشها فأنا لا
أستطيع تأمين مصروف أبنائي الثلاثة خاصة وأن لي طفل رضيع بحاجة الى الحليب
والملبس بالاضافة الى مصروف المنزل من ماء وكهرباء ومتطلبات الحياة الاخرى
.
أم محمد حاولت كثيرا أثناء تبادلنا أطراف الحديث اقناعي بأنها ستحاول
الحديث معي وسرد المزيد عن وضعها في وقت لاحق حيث ظهرت عليها علامات
التململ جلية أثناء جلوسها مبررة ذلك بأن اليوم هو يوم جاد تستطيع من
خلاله كسب المزيد من المال على خلاف بقية أيام الأسبوع وأن هذه الساعة هي
ساعغة الذروة خاصة وأننا على أعتاب عيد الاضحى المبارك .
وتؤكد أم محمد القادمة من غزة والتي عملت لأكثر من أربعة سنوات كمتسولة في
الضفة الغربية أنها تواصل عملها بشكل مكثف خاصة في المناسبات والأعياد
وذلك لاكتظاظ المارة والمتسوقين . مشيرة الى أنها تستعطفهم بكلماتها في
سبيل تأمين ما ترده .
وكانت ام محمد تمارس تسولها على الحواجز العسكرية وبخاصة حاجز قلنديا أنها
لم تعد تمارس عملها هناك كون الحياة على الحاجز لم تعد كما كانت منذ بدء
الانتفاضة حيث كان المكان يعج بالحركة وظروف الحياة كانت أفضل للناس فقد
كانت اليومية هناك لا تقل عن ال 200 شيكل ولكن اليوم ونتيجة الظروف الصعبة
التي يعيشها شعبنا في ظل الاحتلال وسطوة ممارساته .
وتضيف ام محمد التي تدفع 110 دينارا اجرة المنزل التي تقطنه "أنها تخدم في
المنازل بشكل اسبوعي باستثناء يوم الخميس الذي تقضيه في التسول مشيرة الى
انها في موسم عيد الاضحى تقوم بمباشرة التسول ".
ولم تكن الفتاة ريما والذي لم يتجاوز عمرها 12 عاما وذات الجسد النحيل
والهزيل بأفضل حالا حيث بدت تردد عبارات تحمل في مدلولاتها الشفقة والعطف
قائلة " الله يحن عليك حن علي " " من مال الله اعطيني " .
ولم تكن منيرة التي قابلتني بابتسامة عريضة تنم عن موافقتها لمجالستي
لتختلف عن نظيرتها فهي تفترش الارض منذ ساعات الصباح في مكان اعتادت
الجلوس فيه كونه أكثر حيوية لاكتظاظ المارة فيه حسب رأيها لتقول أنها رأت
في مهنة التسول سبيلا للحصول على متطلبات حياتها الاساسية .
ومنيرة التي تركت وراءها خمسة اطفال في دون معيل في مدينة خان يونس نتيجة
لطلاقها من زوجها لم تعتد بسهولة الجلوس على قارعة الطريق كونها كانت تشعر
بالخجل والاذلال في بدايات عملها فيما اكدت ان مهنة التسول مهنة مربحة
وسهلة وليست متعبة على الرغم من طول الفترة التي تقضيها .
وتقول " أنها تستطيع خلال اربعة ايام جمع 400 شيكل دون عناء وانها اعتادت
على التسول وتجد صعوبة في ترك هذه المهنة التي اصبحت جزء من حياتها بعيدا
عن أطفالها وأهلها التي لا تكاد تعلم مصيرهم .
هذا وأكدت مصادر في الشؤون الاجتماعية على أن من أهم العوامل التي تزيد من
انتشار التسول ، الوضع الاقتصادي المتردي وانتشار البطالة والتفكك الاسرى
وعامل الجهل والمعتقدات البالية والخاطئة التي يؤمن بها البعض . ناهيك عن
رغبة الطلاب في التسول من المدارس .
ومن الجدير بالذكر أن العلاج الأمثل من أجل الحد من ظاهرة التسول هو اعادة
دمج الاطفال في المدارس وعمل زيارات ميدانية للأهالي من أجل توعيتهم
بمستقبل أبنائهم ودمجهم في مراكز التأهيل وتوفير مصدر دخل وعمل شريف لهم
وتأمين الحماية لهم داخل أماكن عملهم .
وعلى الرغم أن التسول ليس بالموضوع الجديد الا أنه لا بد من اتخاذ اجراءات
اكثر صرامة بحق المتسولين ليتم ردعهم بالاضافة الى ضرورة بلورة خطط
ميدانية لمواجهة ومكافحة ظاهرة التسول للحد من انتشارها من أجل تتبع
الأماكن التي يكثر فيها تواجدهم .