يترك بصماته على أهل هذا البلد، وكأنه القدر المحتوم بما جاء به من انقلبوا على كل شيئ حتى الفضيلة ، الفقر في كل يوم يكشف عورة أسرة تحت ضغط الحاجة وإلحاح الضروري للحياة ، فلا تجد لها مخرجا بغير شارع يمره العامة ، لتندب منها طفلا او شيخا كبيرا او امرأة تتوشح السواد والنقاب للسترة وليس للعفة ، وتبدأ بما حفظت من الادعية لجلب ما تستطيع جلبه من رأفة وعاطفة تخزنت في صدور العابرة.
في قطاع غزة أرصفة ألفت تلك الوجوه البائسة القادمة من مختلف المناطق ، ففي شارع الرمال حيث تكثر البنوك ومحلات الصرافة وبجوار شارع فهمي بيك تجدهم هناك يتوسدون الطرقات.
فالتسول أصبح سمة تلك الشوارع، ولم يقتصر علي هذا الشارع أو ذاك بل اخذت الحالات تتحول الى ظاهرة تنتشر في الطرقات العامة و علي أبواب بيوت المنازل، فالتشبث بالحياة يحتاج إلى إصرار والإصرار ينقلب مع الفاقة إلى إلحاح واضح يراه كل العابرين في أرض الحصار.
فالمتجول في الشوارع والأسواق يرى التحول المأساوي للبعض والانزلاق تحت وطأة لقمة العيش الى التسول ولم يعف الأطفال والنسوة من هذه الظاهرة في غزة بل هم يتجولون ويسألون المارة أو أصحاب المحلات التجارية العون بأوراق و بدون أوراق تثبت أوضاعهم الصعبة ، منهم من استطاع ابراز تقارير طبية تشير إلى أن لديه أمراضا تحتاج الى العلاج ، أو أن لديه أيتاما يعولهم وهم بحاجة إلى المساعدة ،وقد كان البعض يستجيبون فيقدمون ما تجود به أنفسهم ، خاصة وأن مجتمعنا الغزي تعرض لنكبات ومصائب أضرت بأسر كثيرة ، فقد فقدت بعض الأسر من يعيلها بسبب الموت أو الاعتقال أو بأي سبب آخر
وتقول ' فاطمة الزهراء' أتأثر كثيرا عندما أشاهد هؤلاء الأطفال وهم يقفون عند الإشارات وفى الطرقات يمارسون مهنه التسول وأيضا بجانبهم بعض النسوة يحملن أطفالهن، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة التي أصبحت واضحة للعيان، فما نراه من مناظر غير مريحة من جلوس النساء على أبواب المحلات وخاصة الصرافة والمطاعم والمساجد لفترات طويلة تفوق فترات أي وظيفة عاديه.
المتسولة 'أم إيمان' تجلس بالقرب من بنك الأردن في شارع فهمي بيك بمدينة غزة تستجدي عطف المارة بالكلمات الجميلة تارة، والدعاء لهم بالنجاح والتوفيق وراحة البال تارة أخري تقول ' لأمد' كل يوم آتي من خان يونس لأجلس هنا واطلب الحاجة والمساعدة من أهل الخير، هناك من يعطف عليّ ويرزقني بما ارزقه الله من نعمة، وهناك من ينظر إليّ نظرة استحقار ويتفوهون بكلمات نابية لا أخلاقية، تجعلني اكره الحياة واتمني الموت في أي لحظة فلولا الحاجة الشديدة لما عرضت نفسي لتلك المواقف.
وتتابع في حديثها' لأمد' اضطر للتسول رغما عن إراداتي،زوجي تركني وبناتي السبعة تحت حجة أنني لم اجلب له ولد، هاجر فلسطين وترك لي سبعة أرواح تحتاج إلي مأكل ومشرب وملبس ولا معيل لهن غيري،جميعهن قاصرات في العمر أكبرهن في الثاني الثانوي، فوجدت نفسي عاجزة عن تلبية جميع طلباتهم اليومية، لهذا لجأت الى التسول لأسد جوع بناتي،مشيرة إلي انها غير منقبة في حياتها الطبيعية ولكنها ترتدي النقاب كي لا يتعرف عليها احد ويقوم بمعايرة بناتها بأن والدتهن امرأة متسولة.
واعتبر الشاب' ماجد' أن هذه الظاهرة ناتجة عن الفقر والبطالة والحصار المفروض علي غزة منذ ما يقارب العامين، وتدني مستوى المعيشة إلي اقل من مستوياته الطبيعة، مطالباً بضرورة حل هذا الموضوع وتلك الظاهرة وإيجاد حلول جذرية لهولاء المتسولين، متسائلا أين دور الجمعيات الأهلية التي تحمي هؤلاء وخصوصاً الأطفال!!!
'سها' طالبة جامعية تقول 'لأمد' ظاهرة التسول أصبحت في غزة مقيتة، فأصبحت موضة من شدة كثرتها ونلاحظ أنها كثرت في الأيام الأخيرة،فلا أكاد أصل شارع الجامعة حيث ادرس يعترضك الأطفال المتسولين والنساء، وبطبيعة الحال أجد هناك أنواع مختلفة من التسول كبيع الحلوى، ورجل مسن كبير يحمل ورقة بيضاء يدعي انها تقرير طبي وملزم بمبلغ مالي وقدره،ويقوموا بالدعاء لك، موضحة انها لا تكترث لأي احد منهم لأنه سيكون بمثابة تشجيع علي التسول لا سيما الأطفال المشردين في الشوارع..
من جهته قال المواطن 'محمود' لأمد' الشوارع أصبحت مليئة بالمتسولات وهي ظاهرة لم تكن في السابق موجودة في شوارع قطاع غزة إذ من العيب الكبير أن تخرج النساء والفتيات للشوارع للتسول والجري وراء المواطنين لإثارة الشفقة والعطف، مشيرا إلي انه ' أصبح في حيرة من أمره هل هذه المتسولة أو المتسول بحق يحتاجون أم أنها تمثل الفقر والحاجة وهل العطف عليها يدعم هذه الظاهرة السلبية أم انه يقلصها' ..
ويري المواطن 'كريم' التسول في حد ذاته سلاح ذو حدين فتارة نجده يعبر عن معاناة هؤلاء المواطنين الذين دفعهم الجوع الى تحمل إهانات الآخرين ونظراتهم المعبرة عن الاحتقار وذلك ظناً منهم بأنها الطريقة الأمثل لسد حاجتهم وجوعهم ومتطلبات الحياة التي لا تكاد تنتهي ، وقسوة القدر وعوامل أخرى أولها الحصار هي التي دفعتهم الى هذه الحالة.
ويعتبر بعض المواطنين أن معظم الذين نراهم يجوبون الشوارع ويمدون يدهم ويتباكون محتالون ومعهم ما يكفي ليجعلهم يعيشون بشكل مقبول لكنهم اعتادوا الطلب واعتادوا الجلوس واستجداء الناس ويرونها أحسن من أي مهنة أخرى لأن نصيبهم خلال اليوم أكثر مما يتقاضاه الموظف خلال ثلاثة أيام.
ويقول محمود 'لأمد' مهما كان المتسول كاذباً حين يطلب أو يمد يده لا استطيع أن أخذله لكنه عاد للقول أرى أن الكثيرين منهم لا يستحقون الصدقة أبداً ، ونساء قويات البنية يستطعن العمل في أي شيء والكف عن وجوه الناس لكن التسول أصبح جزءاً من حياتهن وعلمن أطفالهن الصغار على مد أيديهم للتسول...
فيما ابدي المواطن يوسف انزعاجه من انتشار تلك الظاهرة ' الشحاذة ويقول لأمد 'إذا كنت تمشي في السوق يصادفك عشرات المتسولين ، وتسمع الدعاء منهم كأنهم بدون مأكل أو مشرب من أيام، فهذه الظاهرة أصبحت تمارسها فتيات بعمر الزهور يسيئون للدين من خلال النقاب الذين يلبسنه، متسائلا أين الرقابة للحد من هذه الظاهرة؟؟؟.
ومع الحصار وحكام المصلحة في قطاع غزة ، باتت الظواهر السلبية تتحول الى مرض عضال ، فكثيرة هي مراكز الشرطة التي تلقي القبض على 'الحرمية' اللصوص تحت ضغط الحاجة ، ولكن نادرة هي الجهات الحكومية التي تضع هذه الظواهر قيد البحث والدراسة وايجاد الحلول المناسبة لها حافظة بذلك المجتمع المناضل من الانحدار الكلي، الانقسام وسيادة القوة والتجارة بمعاناة الناس وعذباتهم لن تحمي سكان قطاع غزة لا من الفقر ولا التسول ولا البغاء ولا .....
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/