في ذكرى الاغتيال ... كيف استطاع جهاز الموساد الإسرائيلي الوصول للدكتور فتحي الشقاقي ؟
اسم الكاتب : د . سمير محمود قديح لم يكن الشقاقي مجرد قائد محنك، بل تعدى حدود القيادة ليكون أخًا وزميلاً
لكل أبناء المقاومة الفلسطينية فقد عُرف عنه نزاهة النفس، وصدق القيادة..
أحب فلسطين كما لم يحبها أحد، عشق أطفاله الثلاثة: خولة، أسامة، إبراهيم
حتى إنه بالرغم من انشغاله بأمته كان يخصص لهم الوقت ليلهو ويمرح معهم،
تعلق كثيرًا بابنته خولة؛ لما تميزت به من ذكاء حاد؛ إذ كان يزهو بها
حينما تنشد أمام أصدقائه: 'إني أحب الورد، لكني أحب القمح أكثر…'.
لم يكن جبانًا قط، بل إن من شجاعته ورغبته في الشهادة
رفض أن يكون له حارس خاص، وهو على دراية تامة بأنه يتصدر قائمة الاغتيالات
الصهيونية، فضَّل أن يكون كالطير حرًّا طليقًا لا تقيده قيود ولا تحده
حواجز.
- مالطا.. مسرح الاغتيال .
بعد عملية بيت ليد والتي ارهبت العدو الاسرائيلي ، لم
تنم اعين القيادات العسكرية والسياسية والامنية في اسرائيل ، وقد تم اخذ
قرار بتصفية الدكتور فتحي الشقاقي في منزله بسوريا ، واتفقا ان يتم قصف
المنزل بالطيران ، ولكن تراجعت القيادة السياسية لاسرائيل في اللحظات
الاخيرة بعد ان قام جهاز الموساد بتجنيد احد العملاء ' ..... ' حيث وضع
جهاز تنصت في كبينة الهاتف الموجود بها هاتف الشقاقي ، وحصلوا على معلومات
ان الشقاقي سوف يغادر سوريا متوجها الى ليبيا للحصول على مبلغ من المال من
معمر القذافي وبعدها يغادر الى مالطا ومن ثم الى سوريا ، وصل الشقاقي إلى
ليبيا حاملاً جواز سفر ليبيا باسم 'إبراهيم الشاويش'؛ لمناقشة أوضاع
اللاجئين الفلسطينيين على الحدود الليبية المصرية مع الرئيس القذافي، ومن
ليبيا رحل على متن سفينة إلى مالطا باعتبارها محطة اضطرارية للسفر إلى
دمشق (نظرًا للحصار الجوي المفروض على ليبيا)، وفي مدينة 'سليما' بمالطا
وفي يوم الخميس 26-10-1995م اغتيل الشقاقي وهو عائد إلى فندقه بعد أن أطلق
عليه أحد عناصر الموساد طلقتين في رأسه من جهة اليمين؛ لتخترقا الجانب
الأيسر منه، بل وتابع القاتل إطلاق ثلاث رصاصات أخرى في مؤخرة رأسه ليخرَّ
'أبو إبراهيم' ساجدًا شهيدًا مضرجًا بدمائه. فرَّ القاتل على دراجة نارية
كانت تنتظره مع عنصر آخر للموساد، ثم تركا الدراجة بعد 10 دقائق قرب مرفأ
للقوارب، حيث كان في انتظارهما قارب مُعدّ للهروب.
رحل الشقاقي إلى رفيقه الأعلى، وهو في الثالثة
والأربعين من عمره مخلفًا وراءه ثمرة زواج دام خمسة عشر عامًا، وهم ثلاثة
أطفال وزوجته السيدة 'فتحية الشقاقي' وجنينها.
رفضت السلطات المالطية السماح بنقل جثة الشهيد، بل
ورفضت العواصم العربية استقباله أيضًا، وبعد اتصالات مضنية وصلت جثة
الشقاقي إلى ليبيا 'طرابلس'؛ لتعبر الحدود العربية؛ لتستقر في 'دمشق' بعد
أن وافقت الحكومات العربية بعد اتصالات صعبة على أن تمر جثة الشهيد
بأراضيها ليتم دفنها هناك. - الجثة في الأرض.. والروح في السماء .
في فجر 31-10-1995 استقبل السوريون مع حشد كبير من
الشعب الفلسطيني والحركات الإسلامية بكل فصائلها واتجاهاتها في كل الوطن
العربي جثة الشهيد التي وصلت أخيرًا على متن طائرة انطلقت من مطار 'جربا'
في تونس، على أن يتم التشييع في اليوم التالي 1-11-1995، وبالفعل تم دفن
الجثة في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك بعد أن تحول التشييع من مسيرة
جنائزية إلى عرس يحمل طابع الاحتفال بجريمة الاغتيال، حيث استقبله أكثر من
ثلاثة ملايين مشيع في وسط الهتافات التي تتوعد بالانتقام والزغاريد التي
تبارك الاستشهاد. توعدت حركة الجهاد الإسلامي بالانتقام للأب الروحي 'فتحي
الشقاقي'، فنفَّذت عمليتين استشهاديتين قام بهما تلاميذ الشقاقي لا تقل
خسائر إحداها عن 150 يهوديًّا ما بين قتيل ومصاب.
في نفس الوقت أعلن 'إسحاق رابين' سعادته باغتيال
الشقاقي بقوله: 'إن القتلة قد نقصوا واحدا'، ولم تمهله عدالة السماء ليفرح
كثيرًا، فبعد عشرة أيام تقريبًا من اغتيال الشقاقي أُطلقت النار على رابين
بيد يهودي من بني جلدته هو 'إيجال عمير'، وكأن الأرض لم تطق فراق الشقاقي
عنها بالرغم من ضمها له، فانتقمت له السماء بمقتل قاتله.