في الحلقة السابقة من الدراسة التفصيلية لعلاقة حماس بحركة فتح تناولنا
جذور الصراع بين جماعة الاخوان المسلمين والفصائل الوطنية الفلسطينية خاصة
حركة فتح بعد تبنيها الكفاح المسلح للتحرير وصولا لتاسيس حركة حماس في
فلسطين بداية الانتفاضة الأولى,, في هذه الحلقة سنتناول نظرة حماس لمنظمة
التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطينيى والخيمة التي
يجتمع بظلها جميع الفلسطينين في شتى بقاع الأرض, لكن هل حماس تعترف بمنظمة
التحرير كممثل للكل الفلسطيني ؟ وبالمقابل هل حماس خططت لتدمير المنظمة ؟
وما مصلحتها بذلك؟ هذا ما سنبحثه في هذه الحلقة من الدراسة..
لنظرة حماس إلى المنظمة :
تدرجت
نظرة حماس إلى المنظمة على صعيد الاعتراف بشرعيتها ووحدانية تمثيلها، وظهر
ذلك بعد انعقاد مؤتمر مدريد سنة 1991 وانضمام المنظمة إليه حيث اتجهت حماس
في هذا الموقف إلى إعلان مزيد من التحفظ حيال شرعية تمثيل المنظمة وإلى
تجاهل أكثر لموضوع اعترافها بالمنظمة ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني وذلك من
خلال الإعلان المتكرر بشأن عدم شرعية الوفد الفلسطيني المفاوض
ولاحقا
من خلال إعلان عدم شرعية قرارات المجلس الوطني الفلسطيني الصادرة في دوره
الجزائر ( أيلول 5/ سبتمبر 1991 ) التي أقرت المشاركة في مؤتمر مدريد..وقد
تطور عدم الاعتراف بشرعية الوفد المفاوض إلى التحفظ عن شرعية تمثيل
المنظمة وبرز في أهم صورة في كانون الثاني - يناير 1993 خلال اللقاء الذي
عقد بين حماس والمنظمة في الخرطوم برعاية الشيخ حسن الترابي وكان تحفظ
حماس عن الاعتراف بشرعية المنظمة أحد أسباب تفجر اللقاء وفشله.
وبلغت
نظرة حماس إلى المنظمة حد الإعلان الصريح بعدم تمثيلها الكامل للشعب
الفلسطيني وعدم شرعية وأحقية ذلك التمثيل وإتهامها بالتخلي عن الثوابت
الفلسطينية كما تراها حماس..وتعتمد العلاقة مع المنظمة من قبل حماس على
عدة فرضيات:
الفرضية
الأولي : وهى الإحلال الداخلي عبر الانضمام إلى المنظمة وإحداث التغيير من
داخلها – خيار الوراث وتقوم هذه الفرضية على جوهر أساسي هو إمكان تكرار
تجربة دخول فتح إلى منظمة التحرير بعد حرب سنة 1967 وتغيير وجهتها من
منظمة رسمية دبلوماسية إلى جبهة فدائية جماهيرية وذلك لأن برنامج المنظمة
الحالي بحسب هذه الفرضية أستفذ ولم يعد معبرا عن طموحات الجماهير
الفلسطينية والأجيال الجديدة تماما كما أستنفذ برنامج منظمة التحرير في
أواخر الستينيات ولم يعد آنذاك معبرا عن طموحات الشعب الفلسطيني.
والافتراض
أن تقبل حماس بالانخراط في منظمة التحرير من دون الاقتران ببرنامج السلام
وأن تعمل على تغيير هذا البرنامج من داخل المنظمة قد واجه هذا الافتراض في
الواقع عقبات شديدة التعقيد نقلت النقاش إلى دائرة الحديث عن الأسباب
العلمية والتنظيمية الدافعة باتجاه خيار البديل والاستبدال الكلي بدلا من
الانضمام إلى المنظمة وأهم هذه الأسباب حجم التمثيل الذي يتوجب أن تشارك
حماس به في المنظمة وآلية هذا التمثيل وكيفيته.
ولقد
طالبت حماس من جهتها بأن تكون آلية التمثيل في المجلس الوطني الفلسطيني
عبر الانتخابات إذا إنه بالنسبة إليها الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تعكس
الحجوم الحقيقية للتيارات والفصائل في الشارع الفلسطيني وإذا تعذر اعتماد
هذا الأسلوب يتم اللجوء إلى التقدير بالاستناد إلى الوقائع والمؤشرات
الراهنة مثل نتائج الانتخابات في المواقع والمؤسسات المهنية والطلابية أو
مثل حجم المشاركة في الانتفاضة وعدد الشهداء وغير ذلك وقد رفضت المنظمة
آلية التمثيل المقترحة هذه بجزأيها : الانتخابات واعتماد الثقل الجماهيري
بحسب ما اقترحته حماس فإجراء الانتخابات بين الفلسطينيين أمر غير ممكن وفى
غاية الصعوبة سواء داخل الأرض المحتلة حيث الاحتلال الإسرائيلي أو خارجها
حيث الوجود الفلسطيني والعوائق الكثيرة والشديدة التعقيد والتداخل.
أما
اعتماد الثقل الجماهيري بالأسلوب الذي اقترحته حماس فقد رفضته المنظمة
أيضا لأنه لا يتلاءم مع آلية التمثيل المعتمدة في المجلس الوطني الفلسطيني
والتي تقوم على أساس توزيع المقاعد الشعبية والحصص بين ثلاث فئات أساسية
هي التنظيمات والفصائل والهيئات والمنظمات الشعبية القاعدية والمستقلون
وعلى ذلك تأتي حماس ضمن الفئة الأولي وفى تلك الفئة لا يزيد عدد المقاعد
المخصصة لـ فتح وهى كبرى التنظيمات الفلسطينية عن الأربعين مقعدا وتليها
الجبهة بخمسة عشر مقعدا .
وفى
المحصلة النهائية جسد تجمع المعوقات المبدئية والمعوقات العملية التباين
الكبير بين مطالب حماس وشروطها لدخول المجلس الوطني وبين رد المنظمة على
تلك الشروط فالذي عرضته المنظمة على حماس هو عدد من المقاعد يتراوح بين 17
و 25 مقعدا وذلك باعتبارها التنظيم الثاني بعد فتح وهو عرض وصفته حماس
بأنه هزيل ولا يستحق النقاش وبهذه النهاية السريعة للمحاولة الجادة
الوحيدة باتجاه الانضمام إلى منظمة التحرير ضعفت فرضية العمل من داخل
المنظمة ومحاولة إحداث التغيير من داخلها.
الفرضية
الثانية : الاستبدال الكلي بالعمل من خارج المنظمة وتحدي شرعيتها – خيار
البديل وتقوم هذه الفرضية على قناعة مفادها أنه لا مفر لـ حماس من خوض
معركة الشرعية التمثيلية ضد منظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي طرح نفسها
بديلا من منظمة التحرير بكل صراحة ووضوح وبإستعداد مسبق لما سيجره مثل هذه
القناعة من إشكالات ومتاعب على مختلف الصعد
ويمكن
القول إن بروز بعض ملامح فكرة طرح البديل في الأدبيات المتفرقة لحماس أثار
ردود فعل غاضبة من قبل منظمة التحرير / مع أن خطاب حماس على الرغم من
تكراره بأن الحركة لا تطرح نفسها بديلا عن احد ظل يحوم حول ذلك الطرح
بأشكال مختلفة .
وعلى
صعيد الممارسة العملية كان هناك ترجمة مباشرة للاقتراب من صيغة البديل
التي فهم بعض الأطراف من خلالها أن حماس تحاول إيجاد صيغة بديلة من منظمة
التحرير ، حين حاولت حماس إيجاد صيغة بديلة عن المنظمة عبر مشروع الفصائل
العشرة بعد مؤتمر مدريد.
فقد
اقترح المشروع المذكور إنشاء هيئة أو صيغة تنظيمية تحت اسم لجنة التنسيق
الفلسطينية العليا وهى لجنة تنسيق جهود هذه المنظمات وتكامل أدوارها
وإمكاناتها وتوحيد مواقفها في كل الشؤون التي تهم قضية وشعب فلسطين خصوصا
في الأرض المحتلة ولا يأتي مشروع تأليف هذه اللجنة إلى ذكر منظمة التحرير
إلا عند إيراد الانعكاسات الإيجابية لهذه اللجنة على القضية الفلسطينية.
وقد
تحفظ على المشروع بعض الفصائل الفلسطينية ولاسيما الفصائل المنضوية في
إطار منظمة التحرير والجهاد باعتبار ذلك تعديا على الشرعية التمثيلية
للمنظمة وخطوة لإيجاد بديل عنها
الفرضية
الثالثة : خيار عدم الحسم وهى فرضية تقع في منطقة وسطي بين الفرضيتين
السابقتين حيث لا تنخرط حماس في أطر المنظمة ولا تعلن نفسها بديلا عنها
وهذا الوضع ليس جديدا على الساحة الفلسطينية إذ ثمة عدد من التنظيمات يقع
في هذه المنطقة لكن خصوصية وضع حماس تنبع من قوتها ومن ثقلها الكبير في
الداخل الفلسطيني الذي لولاه لما تعددت فرضيات صوغ العلاقة بمنظمة التحرير
ولما اكتسبت هذا الطابع من الأهمية.
صراع
حماس ليس فقط مع فتح و المنظمة بل ايضا مع كل الفصائل الاخرى الممثله في
منظمة التحرير. كما أن صراعها أيضاً هو مع حركة الجهاد الاسلامي التي شكلت
منافسا قويا لحركة الاخوان المسلمين وحركة حماس في مطلع الثمانينات و
بداية التسعينات عندما جرى إتهام حركة الجهاد الاسلامي، بنشر المذهب
الشيعي في فلسطين، هذا الصراع إحتدم بعد انقلاب حماس الدموي في غزة و
منعها من ممارسة المقاومة بعد إلتزام حماس الحديدي الطوعي بأخماد أي شكل
من اشكال المقاومة التي تشكل خطورة على استمرار الانقلاب أو الخروج على
الالتزامات المترتبة عنه .
ان
فهم ما حدث في غزه بشكل موضوعي بعيدا عن السطحية لا يمكن ان يكون دون فهم
الاهداف الحقيقية المركزية لحركة الاخوان المسلمين و التي يمكن تلخيصها
على النحو التالي:
1-
القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية والتحكم في القرار الفلسطيني باضعاف
فصائلها ، وتشويه تاريخها ، والمس بسمعة قادتها ، ومن اجل تحقيق هذا الهدف
عمل الاخوان على التالي :-
·كل
النشرات الداخلية للتنظيم منذ اوائل الثمانينات لم تتطرق للاحتلال
الاسرائيلي بل كانت تتحدث حول ( خطر العلمانيين والشيوعيين ) على القضية
الفلسطينية .
·كانت
تصف حركة فتح في أدبياتها ومراسلاتها الداخلية بمصطلح 'القوم' وهو دلالة
على القوم الكافرين لكي ترسخ في أذهان أعضائها استحالة الإلتقاء مع القوم
الكافرين
·عملت
على تعبئة عناصرها بأن الفتحاوي الملتزم دينيا والمحافظ على الصلاة بأنه
في أفضل الحالات منافق وهذه أفضل صفة يمكن أن يوصف بها أبناء حركة فتح لدي
الاخوان المسلمين
·التشكيك
الدائم في شهداء الثورة الفلسطينية ، والتقليل من انجازات فصائل المنظمة
العسكرية ، ففي الوقت الذي كانت هذه الفصائل تشن هجمات قاسية على دولة
اسرائيل كان الاخوان يهاجمونهم على المنابر ودور العبادة .
·بين
الحين والاخر كان الاخوان يفتعلون المشاكل مع احد التنظيمات الفسطينية
بغرض تقديم مادة مشككة للجمهور الفلسطيني من هذا التنظيم او ذاك اضافة
لقياس موازين القوي .
·استغلال كل اخطاء الفصائل الفلسطينية وتضخيمها وعرضها على الجمهور الفلسطيني وكأنها هي الاساس في تاريخ وسلوك هذه الفصائل .
·داخليا
ايضا ومنذ تأسيس نشاط الاخوان في فلسطين تم تعبئة عناصرهم بولاء فصائل
المنظمة للاتحاد السوفيتي تارة وللامريكان تارة اخرى ولعدد من الانظمة
العربية متناسين المعارك التي خاضتها المنظمة للحفاظ على استقلالية القرار
الفلسطيني .
·تعزيز
نزعة ( البديل ) لهذه المنظمة في المساجد والمناسبات والندوات العامة تحت
شعار ( الاسلام هو الحل ) في الوقت الذي كانت ترفض وتحرم ( الشراكة في
النضال والعمل السياسي )
2-
الحفاظ على تنظيم الاخوان وتعزيز قوته لحين توفر الفرصة المناسبة للانقضاض
على المنظمة والسيطرة عليها كبديل لكل الفصائل ومن اجل تحقيق هذا الهدف تم
التالي :-
·
انشاء تنظيم الاخوان عبر تركيبة تنظيمية متماسكة و مترابطة التفكير
والسلوك من خلال تجنيد مئات الشبان بداية ثم الاتساع بهذه البنية للزج بها
من اجل تحقيق هذا الهدف .
·اسرائيل
سهلت لحركة الاخوان بداية تكوينها ولم تمنع ذلك بل بالعكس في الوقت الذي
كان يستدعى الشباب الفلسطينين لضباط المخابرات الاسرائيلية بتهمة (
التأييد ) لمنظمة التحرير أغمضت اسرائيل عينيها عن تشكيل البنية التنظيمية
للاخوان ولم تحظر أنشطتها ولم يتعرض شباب الاخوان لأي مضايقات من قبل
المخابرات الاسرائيلية حتى اندلاع الانتفاضة الاولى . في حين كانت تحظر
كافة أنشطة فصائل منظمة التحرير.
·استطاعت
المخابرات الاسرائيلية الحصول على كم هائل من المعلومات من خلال اختراقها
للاخوان ، ليس عن الاخوان فحسب بل عن الفصائل الاخري حيث كان الاخوان
يتعاملون مع هذه الفصائل ( كعدو) يجمعون المعلومات ويكدسونها وكانت تصل
ليد اسرائيل بكل تأكيد .
·اغمضت
اسرائيل اعينها كذلك عن وصول ( انبوب التمويل المالي ) للاخوان في فلسطين
التي كانت تأتيها من الخارج وذلك بغرض تقوية الاخوان في وجة فصائل منظمة
التحرير وهذا ما اكده في مناسبات عدة ( شمعون بيرس ، بن الليعيزر ، اسحاق
شامير ، داني روبنشتاين وقادة إسرائيليون آخرون ) .·هذان
الهدفان هما المركزيان لحركة الاخوان ويشكلان مدخلاً طبيعيا وحقيقياً
للتعرف على موقف حماس من السلطة الوطنية الفلسطينية بعد دخولها لغزة
والضفة .
ثانيا: صراع حماس مع فتح منذ قدوم السلطة وحتي إنتفاضة الأقصى
يتبع في الحلقة الثالثة..
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/