هل آن الأوان أن نفيق؟ بقلم الاسير المحرر علي القطاوي ا
مقدمة: أعترف أن هذا المقال جاء متأخراً وأعترف أن
الفضل في تحفيزي على كتابته يعود لما لمسته ووقفت عليه أثناء رحلتي
الأخيرة لجمهورية مصر العربية التي أتيح لي خلالها أن أرى وأسمع من الواقع
العربي المصري الشعبي أي العامة من الناس وأطراف الحركة الوطنية المصرية
على إختلاف مشاربها السياسية والفكرية وبعض المقربين من النظام.. وأعترف
أكثر، أن كل ما رأيته وسمعته قد عزز من قناعاتي التي لم تكن مجرد
استنتاجات لوطني غيور لا يدعي ولا يزعم الغيرة الوطنية أكثر من غيره من
آلاف آلاف الشرفاء في شعبنا، ولا يزعم أن أكثر من عقدين من الزمن أمضاهما
في سجون ومعتقلات الصهيونية قضاهما في مواقع الاحتكاك المباشر بسلطات سجون
ومعتقلات الاحتلال، ونال سوط السجان من جسده، مثلما نال من جسد آلاف
الآلاف من اخوته ورفاقه الأسرى، لا يدعي أن هذه المعانيات قد ميزته بغيره
وطنية أو حساً وطنياً متميزاً كما لا يجيز لنفسه أن يزعم أن المواقع
القيادية التي شغلها داخل مواقع الأسر وخارجها قد صنعت منه وطنياً فوق
العادة، فمثل هذه المزاعم والغرور المقيت لها اصحابها الذين اتخذوها وسيلة
للاعتياش وتسلق مواقع النفوذ الوهمية، خاصة وأن التربة والمناخ على
الصعيدين الوطني العام، والتنظيمي الخاص، كان ولا يزال مهيئاً لمثل هذه
العناصر، التي لا أستطيع وصفها بالفاسدة وإن كنت أجزم أنها افسدت واستحالت
لجزء من الفساد الوطني العام.
وبالاستطراد لهذه المقدمة، فإن الفساد الوطني العام، في واقعنا الفلسطيني
ليس حالة خاصة، تسم قطاعاً دون غيره أو فصيلاً دون غيره، أو رقعة جغرافية
دون غيرها، بل يمكن الجزم، أنه مرض قد استشرى في الجسد الوطني الفلسطيني
خارج وداخل الوطن، منذ عقود.. وأعترف أن زميلاً لي، يدعى عدنان حافظ جابر،
كان قد حذر في كتاب له، صدر في بداية عام 1988 بعنوان " النقد قبل الكارثة
" ، قد حذر في حينه من خطورة استشراء أمراض الفساد والمحسوبية والرشوة
والبيروقراطية ومظاهر الزعامات الوهمية والديمقراطية الشكلية والاستخفاف
بالنقد الذي يفترض التعامل معه كسلاح بتار، لمحاربة وتقويم السلبيات..
وأعترف أن الكثيرين ممن يدعون " اليسارية " والتلمذة اللينية، لم يأخذوا
على محمل الجد، ما كان قد أشار إليه الثوريان العظيمان، لينين حين أشار
إلى أن " أن الأخطاء الصغيرة، إذا ما جرى اهمالها وعدم الوقوف أمامها،
ومعالجتها، تستحيل لخطايا كبيرة، يصعب، إن لم يكن يستحيل معالجتها" ، وكذا
الثوري اليساري " رجيس دوبريه " في كتابه " الزمن والسياسة " عندما أشار
إلى أنه " عندما تتسارع الأحداث يتكثف الزمن والعكس بالعكس صحيح" مطالباً
في كتابه الآخر " أثورة في الثورة؟! " الذي جاء انتقادا للثورة الجزائرية
بعيد انتصارها، ورؤيته لأخطاء وخطايا تجربة حكم جبهة التحرير الجزائرية،
بضرورة إحداث ثورة داخلية، تعيد الجبهة لرشد منطلقاتها السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والثقافية..
وأعترف أن الساحة الوطنية الفلسطينية، والعربية، شهدت، ولا تزال.. وإن يكن
على نحو أقل حمية ونشاطاً- مفكرين وساسة، خلّصا، حاولو تقديم العون الفكري
لحركتي التحرر الفلسطينية والعربية، لمساعدتهما عدم الوقوع وحتى الخروج من
المستنقع الذي ارتسمت معالمه بعيد حرب تشرين عام 1973 ، ولكن للأسف، " ما
ظلمناهم، ولكن أنفسهم يظلمون " ..
فجاءت الأحداث متسارعه، وتكثف الزمن المهزوم، وكشف الواقع عن حقيقة أن ما
أفسده الدهر، يعجز العطار عن اصلاحه، وأخذت عوامل اليأس والتيئيس والاحباط
تحدث فعلها في كل شيء، في حياة الحركة الوطنية الفلسطينية، وأخذ الانفضاض
عنها متساوقاً وانفضاض الحركة نفسها عن منطلقاتها وقيمها وأخلاقها وبدأت
تدور الحركة في حلقة مفرغة لإنقاذ ما تبقى منها دون أن يجديها نفعاً تدوير
الزوايا أو حتى دعوات إعادة الاعتبار لدورها وهيبتها، هذه الدعوات التي
استحالت بفعل غياب الوقفات الجدية للمراجعة النقدية والمحاسبة المبدئية،
لمرض جديد، أشبه بالسرطان الذي تأكل فيه الخلايا المتوحشة الخلايا الحية،
دون أن يدرك البعض أن الجسم بكلتيه سيندثر..
ونحن على أبواب تشييع جسم الحركة الوطنية الفلسطينية، التقليدية، هل
سيرثها ويرث تراثها الأصيل، الوليد الذي يعرف اليوم " بالحركة الوطنية
الاسلامية؟! " أم أنه سيولد من رحمها جسماً وطنياً ديمقراطياً، يعيد
للتاريخ مجده، ولواقع الحال أمله وللمستقبل وعده؟
تلك أسئلة كبيرة، والإجابة عليها تحتاج لجهد يفوق بكثير أية محاولات
فردية، وإن كنت مصمماً على المحاولة، آخذ على نفسي عهداً أن أكون صريحاً
ومباشراَ متمنياً أن يشاطرني الجهد كل الوطنيين الغيورين، فلسطين وعرب،
دون أن تنال منا الحسرة على العقود التي ذهبت هباءً، فالنضال الوطني
التحرري العربي والفلسطيني، لا يزال في بداياته وكل ما تقدم ما هو إلا
إرهاصات يمكننا استخلاص العبر والدروس المفيدة ، حتى لو كانت مؤلمة، لقابل
الأيام..
وللحديث بقية.
علي القطاوي.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/