فاخر السلطان
سؤال عادة ما يُطرح في الوسط السياسي والفكري: هل تستطيع الحركات الإسلامية التعايش مع الديموقراطية؟
في
اعتقادي أن العديد من الدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة، قد لا تمانع
من وصول الإسلاميين الى سدة الحكم شريطة أن يتعهدوا الإلتزام بتداول
السلطة. لكن، هل الديموقراطية هي تداول للسلطة فقط، أم هو أحد الشروط
الأساسية لتحقيقها؟ وماذا عن الشروط الأخرى، كالتعددية الحزبية واحترام
حقوق الإنسان ونسبية الحقيقة ورفض حشر المطلق والمقدس في الشأن العام، وهي
شروط أثبتت التجربة أنها بعيدة كل البعد عن أدبيات وممارسات الحركات
الإسلامية؟
فالمشكلة الرئيسية التي تواجه الحركات الإسلامية أنها
تصر على إخفاء ما يجب أن يكشف من أفكار وأدبيات وممارسات، وأن ما يجب أن
تظهره لا يمكن أن يعبر عن علاقة تصالحية وتعايشية مع الديموقراطية.
وهناك
من يقول إن التطور الديموقراطي في بعض الدول العربية يؤشر إلى أن الإسلام
السياسي يمكن أن يسلك طريق العمل السلمي عن طريق استخدام الآليات
الديموقراطية للوصول إلى السلطة، وأن هذا الخيار يمكن أن يتطور كلما كانت
مؤسسات الدولة راسخة وكلما كان المجتمع قويا ومنفتحا ثقافيا وسياسيا
وتتنافس فيه تيارات متباينة. إلا أن هناك من يشكك في صحة مثل هذا القول،
ويعتقد بأن المشكلة لا تزال تتمثل في التمييز بين وسائل الديموقراطية وبين
قيم الديموقراطية.
كما أن هناك من يتعجب من حكاية "الرجعية
والإرهاب وعصور الظلام" التي يصور البعض إن الحركات الإسلامية قد تجر
المجتمعات العربية إليها، حيث يعتقد بأن هذه الحركات كشفت في مواقف كثيرة
عن حنكة سياسية واضحة ومقدرة على قراءة الظروف السياسية واللعب بأوراقها.
لكن أدبيات تلك الحركات والمستندة إلى رفض الخوض في تفسير يغربل المطلق في
النص الديني ويحوله إلى فهم نسبي قابل للنقد، ويعترف بالتعددية الحزبية
والتنوع الفكري، ويحترم حقوق الإنسان، هي أدبيات تتعارض مع قيم
الديموقراطية.
فأدبيات الحركات الإسلامية تمثّل أسئلة مزعجة للباحث
في الشأن الديموقراطي مما يفتقد معها لإجابات صريحة ومسؤولة تتعلق
بالمصالحة مع الديموقراطية، وبالتالي لا يمكن الاستناد إليها لكشف أسرار
عدم الرجعية والظلامية فيها.
إن الإسلام السياسي لا يستطيع أن يخفي
وجهه المزدوج. فهو ساهم في دعم واقع ديني متشدد، ورفع شعار "الإسلام هو
الحل" دون أن يحمل في ثنايا ذلك حلولا لمشاكل المجتمع، وأثبت عدم القدرة
على التعايش مع قيم الحداثة، وفشل في معالجة مشكلات الاستبداد الديني
والسياسي، وبالتالي وقف عائقا أمام تطور قضايا الحريات وتطوير الحياة
السياسية والاجتماعية.
إضافة إلى ذلك فإن الغالبية العظمى من حركات
الإسلام السياسي تعتبر حركات طائفية، ومن ثم لا يمكن أن تؤمن
بالديموقراطية. فهي تطلق شعارات تعبّر من خلالها عن نبذها للطائفية، في
ثقافتها وفي عملها، وتؤكد على الالتزام بالديموقراطية كآلية وقيمة، وعلى
الالتزام بمواد وروح الدستور، وكذلك الالتزام بالأسس التي يقوم عليها
المجتمع المدني. لكنها في الواقع العملي لا تستطيع أن تتجرد من ثقافتها
الأصولية المعادية لأغلب ما تم ذكره. لذا هي لا تستطيع إلا أن تكون حركات
مهيمنة إلغائية.
فالفكر والأدبيات التي تتبناها تلك الحركات يعكسان
مرجعها الثقافي المناهض في أغلبه لأسس المدنية الحديثة. وأي حركة تزعم غير
ذلك إنما عليها إثبات ذلك من خلال أفعالها. وما رفعها لشعار الديموقراطية
والتعددية واحترام حقوق الإنسان إلا أحد شيئين: إما جهل بحقيقة تلك
الشعارات، وإما ضحك على الذقون من أجل تمرير مشروعها للسيطرة على الهوية
الوطنية وتحويلها في وقت لاحق إلى هوية أصولية.
فالحركات الإسلامية
تشدد على التزامها بالديموقراطية كآلية لتنظيم عملها السياسي وغير
السياسي، لكنها في المحصلة تتجه لرفض الاعتراف بالديموقراطية كروح ومحتوى
وقيمة ومفهوم، بل تنزع إلى مواجهة مجمل المفاهيم الحداثية التي تتأسس
عليها. فهي تضع نفسها في منطقة تبرز خلالها الآلية لتنفصل عن المحتوى
الحداثي، رغم أن الآلية ليست إلا وسيلة يستحيل أن تنفصل عن محتواها. وإذا
ما انفصلت فستصبح هي الهدف ويتم تجاهل المحتوى، وبالتالي يتم التفريط
بالكثير من القضايا المرتبطة بالمحتوى، كقضايا حقوق الإنسان، على حساب
الزعم بأن آلية الديموقراطية هي التي تعبّر عن قيمة الديموقراطية.
فمواقف
الحركات الإسلامية من قضية حقوق المرأة أوضح مثال على اختيار الوسيلة كأصل
يحل محل المحتوى، حيث أبرزتها على أنها هي الأساس في فهمها الخاطئ
للديموقراطية. فالحركات، المؤيدة والرافضة لحقوق المرأة، لم تتخذ مواقفها
استنادا إلى مفاهيم الحداثة التي تشكل روح الديموقراطية، مثل مفهوم الحرية
واحترام حقوق الإنسان، بل اتخذت مواقفها انطلاقا من الرأي الفقهي الذي
يحدد شرعية أو عدم شرعية إعطاء المرأة حقوقها.
لذا لم تكن وسيلة
الديموقراطية، بالنسبة للحركات الإسلامية، إلا آلية لتثبيت موقف شرعي
فحسب، أي هي آلية تحدّد جواز أو عدم جواز حقوق المرأة، وليست آلية لبحث
موقف حداثي.
فالاعتراف، مثلا، بحرية الاعتقاد لدى الإنسان انطلاقا
من حقه كإنسان، وليس انطلاقا من الرأي الفقهي والجواز الشرعي، هو موقف
يدلل على مركزية الحداثة ومفاهيمها في هذا الإطار. في حين أن الاعتراف
بذلك انطلاقا من الرأي الفقهي يدلل على أن الخطاب الديني، وليس الخطاب
الحداثي، هو الأصل في تأييد أو رفض مفهوم الحرية ومن ضمنه حرية الاعتقاد.
فلو
أن مجموعة من المواطنين طالبت الجهات المختصة بالاعتراف بها وتشريع عملها
كمجموعة لا تعترف بالأديان، والسماح لها بتشكيل جمعية تدعو من خلالها
لأفكارها وأنشطتها، فإن أول صدمة ستواجهها وأول العراقيل ستوضع في طريقها
ستكون من قبل الحركات الإسلامية التي تزعم التزامها بالديموقراطية
والتعددية وحرية التعبير واحترام حقوق الإنسان، والتي إمّا ستنعتها بالكفر
والخروج عن الدين أو ستقمعها وتفرض الاستبداد عليها بحجة المحافظة على
"ثوابت الدين وعادات وتقاليد المجتمع". والمبرر في هذه الموانع والعراقيل
مرتبط بالرأي الفقهي، إذ مهما كانت درجة التأييد الموجودة في نصوص وروح
الدستور لهذا النوع من الأنشطة إلا أن محصلة ذلك ستكون عدم الاعتراف
بالتعددية السياسية والفكرية وعدم الإيمان بحرية الفكر والاعتقاد التي هي
جزء لا يتجزأ من مفاهيم الحداثة التي تشكل روح الديموقراطية.
فالحركات
الإسلامية تلجأ إلى آلية الديموقراطية لإلغاء موقف يتعارض وفهمها للشرع
حتى لو خالف ذلك روح الديموقراطية وروح الدستور. فهي تختار الآلية وتثبتها
في أجندتها الفكرية كهدف بدلا من أن تكون وسيلة. وإن لم يتحقق مطلبها هذا
فإن الديموقراطية ستصبح مهددة لأنها ستساهم، حسب زعمها، في تثبيت قاعدة
مضادة للدين.
لذا لا يمكن هضم وقبول الديموقراطية، كوسيلة وكروح
وقيمة، قبل هضم مفهوم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان ونسبية الحقيقة
وسيادة القانون بمعناها الحديث.
كاتب كويتي
عن موقع الأوان
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/