المطارد غولدستون ! بقلم / توفيق أبو شومر
ما أشبه اليوم بالبارحة، مثلٌ عربيٌ قديم ، غير أنه يحدث عند الأصوليين اليهود أيضا .
منذ
أيام أصدر كنيس جوهانسبرغ اليهودي في جنوب إفريقية، قرارا يحظر على القاضي
ريتشارد غولدستون حضور احتفال بلوغ حفيده سن الثانية عشرة من عمره، وهو
احتفال (بار متسبا) الديني ، وهدَّد الأصوليون اليهود، بإلغاء الاحتفال
إذا أصر غولدستون على حضوره، وعلل حاخام الكنيس موشيه كيرستاغ السبب قائلا:
"
لم يشوه غولدستون صورة إسرائيل فقط، عندما أصدر تقريره متهما إسرائيل
بارتكاب جرائم حرب في عملية الرصاص المصبوب في غزة ديسمبر 2009 ، بل إنه
لطَّخ وجه اليهود في كل مكان، مما زاد من موجة اللاسامية ضدهم"
نعم إنه القرار القديم الجديد، القرار الذي يطبقه الحريديم على منتقدي شريعتهم وكاشفي
ألاعيبهم وترهاتهم من المنصفين والمفكرين والفلاسفة ، فقد طور المتعصبون
ووسعوا مجال نشاطهم لتطال السياسة أيضا ،وشرعوا في تطبيق الحرمان الديني
على كل منتقدي سياسة إسرائيل كذلك.
إن
المتزمتين يسيرون على مذهب سلفهم الصالح، في القرن السابع عشر في قصة
قديمة ، وهي طرد الفيلسوف اليهودي( أوريل دي كوستا) من اليهودية كلها،
وكوستا أستاذ الفيلسوف اليهودي التنويري البارز إسبينوزا في القرن السابع
عشر،وإليكم قصته:
كان جبرائيل دي كوستا من طائفة الكنفرسوس اليهودية التي اعتنقت المسيحية قسرا لتنجو من العقاب
في هولندا ، وفي عام 1617 هرب إلى البرتغال ، وهناك نادي بضرورة تنقية
الدين من البدع ، وأصدر كتابا 1624 بعنوان امتحان الفريسين، وأنكر فيه أن
تكون التوراة قد ذكرت الدار الآخرة وأن ما يدعيه الأصوليون اليهود هو كذب
وافتراء ، فأعلنوه خارجا عن الدين وأحرقوا كتبه ، وأصدروا بحقه حرمانا
دينيا، ونبذته الجالية اليهودية، ثم هرب إلى ألمانيا، غير أنه لم ينسجم
هناك ، ثم عاد إلى هولندا مضطرا معلنا استسلامه وخضوعه لمشيئة الحاخامين ،
وقال جملته المشهورة ، التي رددها أيضا روسو من بعده:
" عدتُ قردا من القرود"
وعاقبه
المتزمتون تسعا وثلاثين عقوبة، منها أن يُجلد أمام الكنيس ، ومنها أن
يتعرى من ملابسه وأن يطأ جسده رعاةُ الكنيس والحاضرون ، ومنهم أخوه يوسف،
وكانت الشموع تُطفأ الواحدة تلو الأخرى للدلالة على غيابه من حياة اليهود
وطرده من رحمة الدين.
وكان الفيلسوف سبينوزا حاضرا مراسم العقوبات، مما أثَّر في نفسه ، وجعله يسير على مذهب كوستا.
وكانت نتيجة ذلك أن انتحر أوريل كوستا برصاصتين من مسدسه، إحدهما أخطأت رأسه، أما الأخرى فأصابته ،بعد أن كتب آخر وصاياه 1640 .
اليوم يواجه غولدستون ثمن مهمته القاسية التي حاول فيها أن يؤدي واجبه كقاضٍ عادل، فهو يواجه اليوم ما واجهه بالأمس كثيرون.
وللعلم
فقط، فقد نشرت كل الصحف العبرية يوم 14/4/2010 ، خبر حرمان غولدستون من
حضور احتفال حفيده، وحاولتُ متابعة أصداء الخبر ، فلم أجد كثيرين تابعوه
بعمق، أو جمعية من الجمعيات ، أو مؤسسة من المؤسسات العالمية الحقوقية
ليعلنوا رفضهم لعصر الاضطهاد الديني والعرقي الذي يوشك أن يعود من جديد،
على الرغم من أن بعض الجمعيات اليهودية أنكرت الخبر وكذبته، أو موهته .
وجاء
الردُّ الوحيد على قرار حرمان غولدستون من مجلة (تاكون ) اليهودية التي
تصدر في أمريكا حيث كرَّمت غولدستون وسوف تمنحه جائزة تقديرية في عدد خاص !
أما
مراكز أبحاثنا، فهي مشغولة بنا عن غيرنا، فكان الله في عونها،فأكثرها
مشغول بمتابعة أحداث السياسة ، لخدمة الرؤساء والأمراء وولاة أمر العرب،
وكتابة المشاريع القابلة لدعم الدول المانحة على غرار، مشاريع ختان البنات
عند العرب، ومشاريع كتابة التقارير عن تأثير شيوخ الدجل على العرب، وعن
كيفية تطبيق ديموقراطية اللاديموقراطية.
فقد طُرد كل الذين قالوا كلمة حق في قضايانا العادلة.
فما أخبار صديق العرب روجيه غارودي الذي أسمى نفسه (رجاء) رغبة في ودنا، ولكنه لم يجد منا ريقا طيبة؟
وأين
إسرائيل شاحاك، وكذلك يهودا ماغنس وتوم سيغف وأفيعاد كلنبرغ ويوسي سريد
وشولاميت ألوني، وإبراهام بورغ، ودان ياهف ، وإيلان بابيه، وآفي شلايم
وسمحا فلابان ، وتيدي كاتس وأفيشاي كلنبرغ ومئات ممن أسميناهم أنصار الحق والعدل من فئة المؤرخين الجدد؟
أخشى
أن كثيرين من أبناء العرب يظنون أن الأسماء السابقة، ليسن أسماء، بل هي
جمل عبرية محظورة، من يرددها يكن مُطبعا ... وبئس التطبيع !
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/