نسل فكري مشوَّه بقلم / توفيق أبو شومر
فسّر
أحد الناقدين الأبرياء كرنفالات الندوات والمؤتمرات وورشات العمل ، وعرض
التقارير والأبحاث وما في حكمها التي تدور في مرابعنا، على الرغم من القهر
والفقر والظلم، فسرها بأننا تحولنا إلى أكثر شعوب الأرض استهلاكا للمفردات
والجمل، وعزا ذلك إلى حالة الحصار والسجن في وطننا!
وعلَّل
آخرُ هذه الكثرة إلى التنافس بين الجمعيات والمؤسسات والشركات الربحية
وغير الربحية ، الجي أوز والإن جي أوز، وذلك باستخدام سلاح استقطاب
الكفاءات والمفكرين والكتاب البارزين، لغرض إبراز صورة الجمعية ، أو إبراز
صورة صاحبها على وجه الخصوص .
وقال أحد المحسوبين على الجمعيات:
لماذا
تتهمون الجمعيات تهما جاهزة دائما ، فنشاطاتهم نشاطات بارزة ومطلوبة،
لإنقاذ المجتمع الفلسطيني المقسوم على نفسه، فهي تسدد ثغرات هذا الانقسام،
وتصحح عجز الجهات الرسمية المشغولة بالسياسة والحكم والسلطة.
وأرجع أحد المسكونين بعقدة المؤامرة سبب كثرة الندوات وما
في حكمها إلى حالة أخرى من التنافس ، ليس بين الجمعيات والمؤسسات
الفلسطينية، بل بين الجمعيات والمؤسسات الأجنبية التي تضخ ميزانيات ضخمة
لاكتساب الأتباع والمريدين والأنصار ، وفرز قيادات المستقبل للاستفادة
منهم ، وذلك بدعمهم ماليا، وعزز أقواله بذكر أسماء بعض الفقراء من مالكي(
إقطاعيات) الجمعيات ممن تحولوا إلى أثرياء وأصحاب ثروات بواسطة (السمسرة
الندواتية).
ومن
خلال متابعتي لما تيسر من الندوات والمؤتمرات وما في حكمها لاحظتُ ملاحظات
سبق أن عرضتها مجزَّأة في مقالات سابقة ، غير أنني أجملها في هذا المقال،
وأهمها؛ أنني لاحظت أن معظم جماهير الندوات هم هم لا يتغيرون، فالمدعوون
إلى ندوة اقتصادية، هم أنفسهم الذين يحضرون ندوات الأدب والسياسة والإعلام
ومعارض الفنون والمسرحيات وحفلات التكريم وكل ما على شاكلتها.
كما
أن هناك ندوات تقيمها بعضُ الأحزاب والجمعيات شبه الحزبية، ويكون قادة
الأحزاب ورؤساء الجمعيات هم نجومها، وهذه الندوات في الغالب تمتلئ بربع
الحزب وزبائن الجمعيات، لأن هناك من يسجل الحضور والغياب في تلك الندوات،
ويترتب على الغياب عقوبات مختلفة الأشكال والألوان، لذلك فيمكن للمراقب أن
يرى النساء وهن يدخلن قاعة الندوة وهن يحملن على أيديهن أطفالهن الرُّضع،
خوفا من أن يفقدن الحق في الحصول على كوبون غذائي إن هن لم يحضرن!
وجماهير
أكثر الندوات ليسوا جمهورا بالمعنى الدقيق، فهم من مالكي الجمعيات
والمراكز الأخرى وأتباعهم، فهم يتبادلون الأدوار ليكتسبوا الخبرة ولينقدوا
ندوات الآخرين، فهم تارة ضيوفٌ عند الآخرين، وأهلُ بيتٍ في مضارب جمعياتهم
.
كما
أن معظم نجوم الندوات أيضا هم هم لا يتغيرون، إلا في ترتيب الكلمات،
وترتيب الأدوار في الندوة الواحدة ، وهم قادرون على الحديث في كل
الموضوعات ، مهما كان نوعها، أو بعبارة أكثر وضوحا" كل واحدٍ فيهم له
أغنيته الخاصة التي يغنيها أينما حل وارتحل في مضارب (أهل الندوة)، حتى لو
كانت أغنياتهم تعود للقرن التاسع عشر!
فإذا
كانت الندوة عن الانقسام الفلسطيني، ، فيشرع نجوم الندوة وضيوفها في نتف
ريش المنقسمين التعساء، منتقدين زارعي الشقاق والخصام وينسون بأنهم وعدد من الحاضرين ، هم من مسببي النزاعات والانقسام وهم من ينبغي توجيه النقد لهم أولا!
وإذا
كانت الندوة عن قهر النساء ، فيتحول الحاضرون جميعهم إلى أسودٍ ونمور
وصقور وعقبان يطاردون الضباع وآبناء أوى ممن يعيشون في جزائر الواق واق !
ممن يمتهنون حقوق النساء، ويفرضون عليهن الخضوع والخنوع للمجتمع الرجولي،
فيغيرون نبرات حديثهم الخشنة بأصوات ناعمة رخيمة ، بشرط أن يكون هناك عدد
كبير من النساء ليثبتوا بأنهم من أنصار منح النساء كل حقوقهن، على الرغم
من أن أكثرهم لا يسمح (لحريمهم) بحضور الندوة نفسها.
دائما أرددُ قولا ، عندما أحضر ندوة وأرى الوجوه ذاتها:
" لقد اعتدنا أن نتزاوج فكريا زواج قُربى، لدرجة أننا صرنا ننجبُ نسلا فكريا مشوها" !
فصار
سهلا أن يُخمِّن كلُّ مراقبٍ مُدققٍ أفكار الضيوف وطريقة حديثهم، ويمكنه
أيضا أن يُحدد الراغبين في التعقيب والحوار والنقاش والمعارضة منهم ، فقد
صار هؤلاء المعقبون والمعلقون طائفة جديدة لا يمكنها أن تغادر المكان إلا
بعد أن تُنشد أنشودتها المعهودة، مع التأكيد بأن لأكثر الضيوف والمعازيم
أغنياتٍ ونغماتٍ عتيقة انتهت صلاحيتها منذ قرنٍ على الأقل، واظبوا على
(عزفها) في كل ندوة يحضرونها بالنغمة نفسها وبالإيقاع ذاته
.
أمنيات
كنتُ أتمنى أن أرى جماهير الندوات تختلف باختلاف الموضوعات التي تُطرح في كل ندوة.
وكنتُ أتمنى أن أرى وجوها جديدة كفؤة، وما أكثرها تحل محل (مقاولي الندوات) أو مطربيها!
وكنت أدعو من كل قلبي أن أرى ندوات متسلسلة ، بحيث يكون الناتج عن الندوة رحيقا مفيدا، وليس ندوة لغرض(فش الغل) فقط لا غير !
كنتُ
أتمنى أن يستقيل كثيرون ممن انتهت صلاحياتهم الفكرية والعقلية بمحض
إرادتهم وبقرارهم، وهم الذين تم استنزافهم فكريا، ولم يعد في آبارهم من
الماء سوى رواسب فكرية مُعدية.
كنتُ
أتمنى أن يقوم (مقاولو الندوات) وما في حكمها بغربلة الحاضرين في كل ندوة
لاختيار جمهور جديد لغرض إفادتهم، ثم ليستطلعوا الحاضرين لمعرفة جدوى هذه
الندوات.
كنتُ
أتمنى أن تقوم الجامعات والباحثون المُدققون بدراسة جدوى هذه الندوات
والمؤتمرات، وأثرها على المجتمع الفلسطيني، وهل غايتها المعلنة في أنظمة
الجمعيات والمؤسسات، تُطابق الواقع ، أم أنها مؤسسات وطنية في التسمية
المقدمة للترخيص ليس إلا؟
وكنتُ أتمنى ألا يدخل العمل التطوعي ونشر الثقافة والتنوير في باب التغرير والتضليل والحزبية بمفهومها القاصر الضيق.
ولا يجب أن نغفل في النهاية جهود بعض المخلصين ممن يؤدون دورا ثقافيا وطنيا واعيا مخلصين لمبادئهم ورسالتهم الثقافية التنويرية.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/