في غزة:
"المُغَربِلون"، إبداع لكسر الحصار أم اهانة للإنسان
إذاعة هولندا
العالمية
غزة، من سامي
ابو سالم- وسط سُحب من الغبار وضجيج ماكينات تكسير الحجارة ينهمك الطفل علي
جبر في تفريغ كومة من قطع الباطون من عربة يجرها حمار لصاحب مصنع مواد
بناء في بلدة بيت حانون شمال قطاع.
علي جبر (13
عاماً) هو واحد من مئات، الفلسطينيين الذين يعملون على جمع ركام المباني
التي دُمرت في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة لبيعها لأصحاب
المصانع التي بدورها تطحن هذه الحجارة وتعيد استخدامها في صناعة الباطون
وحجارة البناء.
وقال الطفل على
جبر من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، انه يباشر عمله في جمع الركام ويبيعه
لأحد المصانع ليساهم في إعالة أسرته.
"أجمع حوالي 6
عربات في اليوم وأبيع كل واحدة منها بخمسة أو سبعة شواقل (1.5 يورو)...
العمل متعب جداً وأنا أساعد في إعالة أسرتي المكونة من 10 أفراد وجميعهن
فتيات".
وكانت إسرائيل
شنت عملية عسكرية أواخر كانون أول 2008 أطلقت عليها اسم "الرصاص المصبوب"
قتـل فيها 1500 فلسطيني على الأقل ودُمر زهاء 5000 مبنى بين منازل سكنية
ومؤسسات وفقاً للإحصاءات الفلسطينية.
نوع آخر من
العمل وهو ما بات يُعرف في قطاع غزة بـ"المُغربلون"، حيث يتوجه العاملون
لغربلة (تنخيل) الرمل في المناطق التي تعرضت فيها طُرق مُعبدة للقصف، ثم
يلتقطون قطع الصخر التي كانت أسفل طبقة الإسفلت ويبيعونها للمصانع.
في الطريق، شبه
الخالية، التي تربط معبر بيت حانون (ايرز) بقطاع غزة، لم يؤنس وحدة الشاب
يوسف عويضة سوى صدى حدوة فرسه وهي تعدو على الإسفلت. ويعمل عويضة (20 عاما)
على لملمة قطع الصخر من أسفل الطرق المُدمرة ليبيعها للكسارات.
وقال عويضة
لإذاعة هولندا العالمية: "نبدأ العمل الساعة الثالثة فجراً، لو أن هناك
فرصة عمل أخرى لما اضطررنا لهذا العمل، إنه موت أحمر، وكل هذا التعب مقابل
40 شيكل فقط (حوالي 7 يورو)."
ويؤكد عويضة
أنه للحصول على المواد التي يبيعونها للمصانع يبذل العاملون جهداً شاقاً
أشبه بالتنقيب: "نحفر تحت الأرض وعندما نجد مناطق بها بعض الحجارة الصخرية
اللازمة للمصانع نُغربلها ونضعها في أكياس ثم نبيعها."
وتتم عملية
الغربلة بتجميع أكوام من الرمل وبعض قطع الصخر الصغيرة والحجارة ثم يتم
غربلتها (تنخيلها) بقطعة شبك معدنية ذات ثقوب صغيرة للتخلص من الرمل
والحصول على قطع الصخر والحجارة.
وينتشر مجموعات
من الفتيان والأطفال وبعض الشباب في المناطق التي تعرضت للقصف الإسرائيلي
في مختلف أنحاء القطاع سيما في محافظة شمال غزة التي كان لها نصيب الأسد من
الاستهداف في الحرب.
ولفت عويضة أن
هناك مخاطر أخرى تواجههم تتمثل في اطلاق النار باتجاههم أو احتجازهم من
الجيش الاسرائيلي المتموضع على الحدود مع غزة، اضافة إلى منع شرطة حماس لهم
من الاقتراب ومصادرة ما يغربلون ويلملمون من ركام.
وقال أيمن
البطنيجي، الناطق باسم شرطة الحكومة المقالة في غزة، إن الشرطة تمنع هؤلاء
الفتية من التوجه للمناطق الحدودية حفاظاً على حياتهم لأن الجيش الاسرائيلي
يطلق النار باتجاههم ويعرضهم للخطر. وأضاف أيضاً أن الشرطة تصادر ما
يجمعون لاجبارهم على عدم العودة إلى المناطق الحدودية.
وكانت طائرات
اسرايلية ألقت بآلاف المنشورات على القطاع تحذرهم من الاقتراب من الحدود
وأن من يقترب من مسافة 300 متر من الحدود فانه يعرض حياته للخطر.
الطفل وائل
حلاوة (13 عاماً) الذي بدت على سحنته علامات الجد والتعب، قال انه يعمل في
الغربلة يوماً كاملاً ليتمكن من الحصول على 30-40 شيكل (حوالي
6 يورو) ليساهم مع أخيه في إعالة أسرة من سبعة افراد.
واضاف حلاوة
بعد أن أزاح شعره الأصفر المُغبَر المدلى على عينيه، إن دقائق من العمل
وتفريغ حمولة عربته أفضل له "من لقاء مع الصحافة التي تتاجر بتعبهم".
وقال خليل أبو
شمالة، مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان في غزة، إن الفقر والحصار هو السبب
الذي يدفع سكان القطاع لممارسة هذا العمل "الأسود".
ويلجأ بعض
الغزيين إلى هذا العمل بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة وتمنع دخول المواد الأساسية لقطاع غزة بما في ذلك مواد
البناء وعلى رأسها الأسمنت والحديد والحصمة.
وحسب تقرير
للصليب الأحمر الدولي عن غزة نُشر في حزيران/يونيو2009، (أي
بعد 3 سنوات بعد سيطرة حماس على غزة) انخفضت نسبة دخول المواد الأساسية
إلى قطاع غزة من اسرائيل بقرابة 80 بالمائة إذا ما
قورن بحزيران/يونيو 2007.
وتفرض اسرائيل
الحصار على غزة في بعد أن أسر مسلحون فلسطينيون جندياً
اسرائيليا أواخر حزيران/يونيو 2006، واشتد الحصار بعد أن سيطرت حماس على
القطاع في اعقاب مواجهات مسلحة مع السلطة الفلسطينية في تموز 2007.
وقال رجل
الأعمال سلمان محمد سلمان، صاحب مصنع لمواد البناء، إن
مصانع مواد البناء تعتمد في هذه الآونة بشكل كلى على هؤلاء الفتيان الذين
يجمعون الركام من المباني المدمرة وهم المصدر الوحيد لتشغيل المصانع.
"هؤلاء الأطفال
والفتيان هم المصدر الوحيد لتشغل مصنعي، ولو توقفوا عن تزويد المصنع بقطع
الركام المصنع برمته سيتوقف."
ولفت سلمان إلى
أن مصنعه الذي يُنتج بلاط الشوارع والأرصفة يعمل بقوة 20% من قوته
التشغيلية العادية، ويضطر للجوء لهؤلاء الأطفال والشبان بسبب الحصار ومنع
اسرائيل دخول مواد البناء للقطاع.
ولم تتوفر أي
احصائية رسمية تشير إلى عدد العاملين في جمع الركام، لكن بات هذا العمل
يشكل ظاهرة جديدة في غزة برزت ما بعد الحرب الاسرائيلية على القطاع وانقطاع
الآمال في اعادة الاعمار.
وفي مارس 2009
عُقد مؤتمر في شرم الشيخ رصد مشاركون دوليون 4.5 مليار دولار لاعادة اعمار
غزة لكن منظمة الصليب الأحمر قالت في تقريرها إن المبلغ الذي تعهدت البلدان
المانحة بتخصيصه لعملية إعادة الإعمار لن يجدي نفعا ما دامت مواد البناء
وغيرها من المواد الأساسية لا تدخل إلى قطاع غزة.
وأكد خليل أبو
شمالة أن هناك أعداد هائلة من الأطفال والرجال والنساء ينخرطون في هذا
العمل الذي يشكل اهانة لحياة المواطنين ولا يحفظ كرامتهم والذي، وفقاً لعدد
من الأطباء، له مخاطر صحية على رأسها الربو.
وشدد على أن
الحكومة (التي تقودها حماس) في غزة تقع على مسؤوليتها توفير حياة كريمة
للمواطنين، ويجب عليها أن توقف هذا العمل الأسود أو على الأقل تنظمه إذا ما
اعتبرنا أنه ابداع لكسر الحصار.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/