خنساوات فلسطين في يوم المرأة العالمي
بقلم: نواف الزرو
إن كنا نفتح عادة في هذا اليوم،
الثامن من مارس/ آذار، اليوم العالمي للمرأة، ملفات العمل النسائي، بما
فيه من إنجازات وتحديات، فإننا نفتح ملفات مسيرة المرأة العربية في
المجتمع والنضال، من أجل التطور والرقي الحضاري والتحرر الاجتماعي
والسياسي..
وإن كان لنا أن نفتح ملفات المرأة
العربية في هذا اليوم على نحو حصري، فإننا بالضرورة نفتح ملف المرأة
الفلسطينية باعتباره أهم وأبرز الملفات، لما للمرأة الفلسطينية من دور
نضالي متميز في مقارعة مشاريع واجتياحات الاحتلال البريطاني والصهيوني،
على مدى القرن الماضي وعلى مدى الانتفاضات الفلسطينية..
فعهد المرأة الفلسطينية في عملية
النضال الوطني الفلسطيني، يعود إلى بدايات الصراع على أرض فلسطين في
مواجهة الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني معاً، وإن كان دور المرأة
قد تميز عملياً بالنشاطات والممارسات غير العنفية، وتميز على نحو أوضح
وأعمق وأوسع خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.
وفق جملة من الشهادات والوقائع
هناك في فلسطين، فقد ارتقى دور المرأة الفلسطينية إلى مستوى استشهادي
وخنساوي لم يشهد التاريخ له مثيلاً.
فبينما عرف التاريخ العربي
الإسلامي خنساء واحدة، هي الشاعرة العربية المشهورة الخنساء، تماضر بنت
عمرو، التي استشهد أبناؤها الأربعة في معركة القادسية سنة 14 هجرية، والتي
قالت حينما بلغها الخبر: «الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن
يجمعني بهم في مستقر رحمته».
فقد عرف التاريخ الفلسطيني
المعاصر عشرات الخنساوات اللواتي فقدن أبناءهن فلذات أكبادهن، في انتفاضات
المواجهة مع الاحتلال دفاعاً عن الأرض والوطن والبقاء والوجود..
فالشاعرة الفلسطينية رحاب كنعان،
كانت فقدت 54 شهيداً من أفراد عائلتها، في جريمة صهيونية تقشعر لها
الأبدان. وحكاية أم نضال الملقبة بخنساء فلسطين، هي الأقرب إلى الذاكرة
الفلسطينية والعربية.
حيث اقتحمت صورتها كل بيت عربي.
ففي الوقت الذي كانت فيه «أم نضال» فرحات، التي يطلق عليها الغزيون اسم
«خنساء فلسطين»، تستعد هي ومجموعة من زوجات وأمهات الشهداء للذهاب إلى
مخيم جباليا.
لتقديم واجب العزاء في شهداء
مجزرة جباليا، جاءها نبأ استشهاد نجلها الأصغر، رواد، وهو الثالث الذي
تفقده من أبنائها شهيداً خلال هذه الانتفاضة.
وكان لأم نضال ستة من الأبناء
الذكور، هم نضال، ووسام، وحسام، ومؤمن، ورواد، استشهد منهم ثلاثة، وبقي
ثلاثة على قيد الحياة، أحدهم معتقل، والآخر مطلوب لقوات الاحتلال.
وقالت «أم نضال» بعد استشهاد
نجلها الثالث: «والله فرحانة من كل قلبي، صحيح فرقة الابن غالية، خاصة
وأنّ رواد هو أصغر أولادي، ولكن والله لا يعزّ ولا يغلى شيء على الله»
(25/9/2005).
وكذلك حكاية فاطمة الجزار الشهيرة
باسم «خنساء رفح»، التي استقبلت نبأ استشهاد ابنها الرابع محمد الشيخ
خليل، لينضم لسبعة من أبناء العائلة استشهدوا بنيران الاحتلال هم أشرف
وشرف ومحمود أبناء الحاجة فاطمة.
واثنان من أحفادها، وزوج ابنتها،
إضافة إلى أخيها، قائلة: «أدركت أن هذا هو قدر الله، فأخذت أزغرد وأصرخ
بصوت عال، ووقفت أوزع الحلوى بفخر على من جاء يواسيني»..
وهناك الحاجة أم إبراهيم الدحدوح،
والدة الشهداء أيمن وخالد ومحمد، وحماة الشهيد القائد أمين الدحدوح، التي
قالت إنها تفتخر بأن قدمت أبناءها فداء للوطن، مضيفة: «شعوري كشعور كافة
أمهات الشهداء..
الحمد لله رب العالمين.. إنني
أفتخر أن قدمت ثلاثة من أبنائي شهداء في سبيل الله وفداءً للدين وللوطن
كما أمرنا الله، ومستعدة أن أضحي بالخمسة الباقين لأجل ذلك؛ فما يهمنا هو
رضى الله».
وهناك الحاجة أم بكر سعيد بلال
(65 عاماً)، شجرة الزيتون الرومية التي قامت قوات الاحتلال باعتقالها، بعد
مداهمة منزلها والعبث بمحتوياته غرب مدينة نابلس في ديسمبر/ كانون أول
2009. وهي والدة خمسة أسرى فلسطينيين أشقاء يقبعون في السجون الإسرائيلية،
وباعتقال وتعتبر أكبر أسيرة فلسطينية على الإطلاق.
وقد تعرضت المرأة الفلسطينية خلال
الانتفاضة الأولى إلى القمع والقتل والاعتقال والتعذيب، مثلها مثل الرجل
تماماً، والإناث شكلن 7% من عدد الشهداء الفلسطينيين الذين سقطوا خلال
الانتفاضة، و9% من عدد الجرحى البالغ نحو 70 ألف جريح.
إضافة إلى اعتقال ما لا يقل عن
500 امرأة خلال الانتفاضة الأولى، وأكثر من 1700 حالة إجهاض جراء استنشاق
الغازات السامة والضرب المبرح.
وخلال انتفاضة الأقصى سنة 2000،
اقتحمت المرأة حقول النضال والحياة الفلسطينية على اختلاف مجالاتها، وفي
الفعاليات الانتفاضية ضد الاحتلال، فقدمت حتى اليوم 440 شهيدة، فيما
اعتقلت قوات الاحتلال 13 ألف امرأة منذ العام 1967 وحتى سبتمبر/ أيلول
2009.
بينهن 860 خلال الانتفاضة. وتوجت
عطاءها النضالي بالمشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية
والتعليمية، في مؤسسات السلطة والمجتمع المدني الفلسطيني، والتي بلغت ذروة
جديدة بمشاركتها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006.
عشرات الخنساوات الفلسطينيات، اللواتي تحكي كل واحدة منهن حكايات وملاحم بطولة وتضحيات وإباء لا مثيل لها في تاريخ المرأة..
وليس هذا من قبيل المبالغة،
فالقصص والوقائع التي تتحدث عن حضور ودور المرأة الفلسطينية، متصلة منذ ما
قبل النكبة، مرورا بعشرات الانتفاضات والهبات الجماهيرية الفلسطينية،
وصولا إلى الراهن في المشهد الفلسطيني، ونحن على أعتاب الذكرى العاشرة
لانتفاضة الأقصى.
فتحية تقدير وإجلال للمرأة
العربية على امتداد الجغرافيا العربية، احتراما لدورها الرائد.. وتحية
تقدير وإجلال للمرأة الفلسطينية؛ أما وزوجة وأختا وبنتا، أسيرة في معتقلات
الاحتلال أو فاعلة في الميادين الاجتماعية والعلمية المختلفة..
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/