"يا أبو ثورة، هاي البنت بنت عمي، وأنا أبدى فيها، وإبن العم بنزل بنت عمه عن ظهر الفرس"، بهذه الكلمات بدء نضال إبن عم ثورة يطالب بابنة عمه خلال طلبتها في العرس الشعبي في جامعة القدس بأبوديس.
مظاهر زفاف متميزة، وعرس شعبي فلسطيني كامل، نظمته مؤسسة وطننا للشباب والتنمية، ومنتديات طلاب جامعة القدس، ليزفا عروسي القدس، عائد وثورة، وسط حضور جماهيري حاشد، اتسم بالبساطة والعفوية.
مئات الطلبة احتشدوا حول العروس المرتدية للباس الفلسطيني التقليدي، والتي كانت تبكي في بيت الشعر، على أنغام موال ينتقد تزويج البنت لإبن عمها غصبا، وضاجوا فرحا عندما وقفت ثورة قائلةً :"نضال شب منيح، وألف بنت بتتمناه، بس هو مثل أخوي"، ورد عليها أبوها معربا عن موافقته على تزويجها للعريس عائد التي أرتدى "قمبازا وحطة وعقالا"، وسط تصفيق عارم اخترق صمت المكان.
شربت الجاهة القهوة، وسرعان ما بدأت إشكاليات المهر وتكاليف الزفاف، تطفوا على السطح، ولكن الكرم الفلسطيني المعهود، والذي تجسد في شخصية والد ثورة، حسم الموقف، لصالح العروسين، مع قراءة الفاتحة إعلانا للإرتباط.
رويدا رويدا بدأت مجموعة من النسوة الكبيرات في السن، يرتدين أزياء فلسطينية متنوعة من مختلف المناطق، يرددن ترويدات الحناء، مع كل خط ترسمه "الحناية" على يد ثورة، التي لم تستطع أن تخفي ابتسامتها، وسط تصفيق من الحضور.
وبعد دقائق معدودة، تحول الجمهور إلى ساحة أخرى، حيث جرت مراسم حلاقة العريس، والتي نفذت بجدية كاملة، حيث تساقط شعر العريس أرضا، وسط أهازيج وهتافات تميزة بها هذه المناسبة، وشدى صوت الجمهور مرددا "إحلق يا حلاق بالموس الذهب".
وسرعان ما ابتل العريس، عندما كان أصدقائه يرشونه بالماء، منفذين مشهد حمام العريس، الذي لم يخلوا من بعض المزاح والنكات، التي تتخلل حمام العريس عادةً، على يد أصدقائه ومحبيه، وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي اصطف على شكل دائرة حول المكان.
شباب في العشرين يرتدون اللباس التقليدي الفلسطيني، وفتيات يرتدين أثوابهن المزركشة بأجمل التطاريز الفلسطينية، رافقوا العروسين في جاهة رسمية إلى بيت الشعر مجددا، ليصطحب عروسته في زفة انطلقت من المكان
مئات الطلبة ساروا ببساطة وعفوية، وصفقوا فرحين ومندمجين في الزفة، أصوات الرجال التي كانت تررد الدلعونا وزريف الطول، وتتعالى مع "تلولحي يا دالية"، كانت تخترقها أصوات زغاريد النسوة القادمة من الخلف.
وسرعان ما كان يقف موكب الزفة، على أصوات أهزوجة رددوها من أجل الوقوف" نخ يا جملنا يا أبو كف محنا، نخ ووأوقف باب الدار، تتطلع بنت المختار"، لتتلوها دبكة شعبية على أنغام الشبابة التي كانت تصدح عبر مكبر صوت يدوي.
غادر الموكب البوابة الرئيسية لجامعة القدس، وأعتلى العريس فرسا خصصت للزفة، وسط صراخ محبية واصدقائه، وأتجهوا معا نحو جدار الفصل العنصري، الملاصق لحرم الجامعة الرئيس، وهناك تجمع الحضور معا، في تحد واضح، لهذا الجدار الذي حول أفراحنا أتراحا دوما.
ومن جوار جدار الفصل، استمرت الزفة وسط زغاريد النسوة وأهازيج الشباب، وسارت بجوار الجدار، إلى أن دخلت إلى مدرج الحقوق، الذي كان يمثل بيت العريس، وسط حضور جماهيري حاشد.
امتلأ المدرج كله، واصطف الطلبة والمشاركين على أطراف المكان، كي لا يفوتوا فرصة مشاهدة هذا الحدث، طلاب وطالبات احتشدوا على الميمنة، فيما أتخذ أخرون الميسرة، فيما أكتظ وسط المدرج، في مشهد عبر بشكل واضح عن اهتمام الشباب الفلسطيني بتراثه وعاداته وتقاليده، ودعمه لكل النشاطات التي تؤكد على عروبة مدينته المقدسة.
دخل العروسان المدرج، وسط تصفيق كبير من الحضور، على أنغام أهازيج النسوة اللواتي رافقن الزفة، واعتليا المسرح، ليجلسا أرضا، على فراش عربي، زين بالمطرزات والمنسوجات الفلسطينية، والأدوات التراثية.
تراقص الجمهور وتفاعل على أنغام فلسطينية تراثية، تقدمتها أغنية يا هلا حي الضيوفي، وتبعتها العديد من الأغاني التريثية التي تجسد حب الوطن وعشق التراث، وقدمت فرق جمعية العودة للفنون الشعبية، لوحات دبكة شعبية، شملت الجنوبية والشمالية والطيارة، أشعلت المدرج.
وما أن دخل الأطفال، اللذين قدموا دبكة شعبية رائعة، حتى وقف كل من في المدرج، وشرعوا في تصفيق حار، لهؤلاء الأشبال والزهرات، اللذين مثلوا الدبكة الفلسطينية، بشكل رائع ومثير، لقي إعجابا كبيرا من الجمهور.
"وبكوفية وعباءة وعقال، بأهزوجة وأغنية وموال، إلى القدس سنسير وسنكمل النضال"، هكذا أكدت "وطننا" في كلمة ألقاها علي عبيدات، على أن العرس الفلسطيني "عرس القدس" نظم ليوصل رسالة للجميع بأن القدس عربية، كانت وستبقى، بجهود أبنائها وشبابها.
وأضاف ، أن "وطننا" أرادت من خلال هذا العرس أن تؤكد على تمسك الشباب الفلسطيني بعاداته وتقاليده، وأن جدار الفصل وحملات التهويد لن تثني هذا الشباب على إكمال المسيرة حتى تحقيق الثوابت الوطنية الفلسطينية.
وأشار أن هذا النشاط يحمل أهدافا إجتماعية إلى جانب السياسية المتمثلة في إحياء ذكرى النكبة بعيدا عن المسيرات والخطابات، تتمثل في الحث على عدم تزويج الفتيات غصبا، وعلى ضرورة تقليل المهور، لمساعدة الشباب على الاستقرار.
وما أن أنهى عبيدات كلماته، حتى ضج المدرج، بالتصفيق تفاعلا مع أغنية "علي الكوفية"، والتي لم تبق أحدا من الجمهور في مكانه، تبعه تفاعل كبير مع دخول رئيس جامعة القدس، الدكتور سري نسيبة، وقيامه بالتسليم على العروسين، ومشاركتهما الفرحة وسط المدرج.
وأعتلت الطفلة ألاء عيسى من بيت الطفل الفلسطيني المسرح، وشدت بصوت طفولي أغنية "طلوا أحبابنا طلوا، نسم يا هوى بلادي"، فيما كان زملائها يقدمون لوحة فنية رائعة، بلباسهم الفلسطيني، وبكوفياتهم التي تراقصت على رؤوسهم.
وقدم بعض الطلبة اللذين تفاعلوا مع العرس، لوحات فنية متنوعة، ودبكات فلسطينية مثلت كل المناطق، وسط تفاعل الجمهور على المدرج مع أهازيج الدلعونا وظريف الطول.
من جانبها أشارت عروس القدس، لارا زعرور، التي جسدت دور ثورة، أن اختيار الأسماء لم يكن عبثا، بل جاء تأكيدا على استمرار الثورة حتى العودة، وتحقيق كامل الأهداف الوطنية، وبانها شاركت لتثبت للجميع بأن الشباب الفلسطيني متمسك بتراثه ومعتز ومفتخر به أيضا.
وهذا ما أكده عريسها، عمار أبو زياد، الذي جسد دور عائد، قائلا " إن هذا العرس هو تاكيد على ضرورة تعزيز صمود الشباب الفلسطيني، وتنمية ثقافته وتراثه، من أجل أن يأخذ دوره في المجتمع وبالتالي في خدمة قضيته".
وفي السياق ذاته، أشار رامي مشارقة، رئيس مؤسسة وطننا، أن هذا العرس الذي نظم بجوار جدار الفصل، تأكيد على عروبة المدينة المقدسة، رغم الجدار والتهويد، ورغم كل الحملات الإسرائيلية التي تستهدف الشباب الفلسطيني.
وأضاف أن هذا اليوم الشعبي التراثي بعيد أيام من ذكرى النكبة، رسالة من شباب فلسطين والقدس خاصةً، إلى العالم بأنهم هنا باقون، رغم كل الالام، ليدافعوا عن تراثهم وقدسهم ومقدساتهم.
وفي السياق ذاته، أفادت رنا زعرور، الناشطة في مؤسسة وطننا، والتي أرتدت ثوبا فلسطينيا تزين بالتطريزات الفلسطينية الجميلة، بأن هذا العرس الذي وصفته بالناجح جدا، جاء ليعبر عن اعتزاز الفلسطينين في القدس بتراثهم الوطني، وإرث ابائهم وأجدادهم، مدافعين عنه وعن حقوقهم الوطنية، ووجودهم وبقائهم في مدينة القدس.
ومن الجدير بالذكر أن عرس القدس، عرس عائد وثورة، نظم بدعم من اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم الفلسطينية، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الايسيسكو"، في إطار أحياء ذكرى نكبة شعبنا الستين.