مطلوب من الأحزاب عند العودة مجدداً للحوار!!
د. طلال الشريف
بداية أقول، إن مواصلة الحوار أفضل من القطيعة، رغم ضغط الحالة الفلسطينية، التي بانقسامها قد قسمت الحالة العربية، أو، أنها قد كشفت الحالة العربية المنقسمة بفجاجة، وقد تجعل انقسامها غير مرتجع في المدى المنظور، وما سيترتب علي هذا الانقسام من تحولات في المنطقة العربية، إذا لم تتوصل الأحزاب الفلسطينية إلي مصالحة حقيقية قبل مؤتمر الدوحة المزمع عقده في غضون أيام.
وبعيداً عن توصيف الحالة العربية، والإقليمية، وكذلك الدولية، وتفاعلاتها، تظل صيانة وتماسك العامل الذاتي الفلسطيني هي النواة الصلبة لإدارة الصراع مع إسرائيل، وهذا العامل الذاتي الفلسطيني، يحتاج باستمرار إلي مراجعة، لاستنباط عناصر قوة إضافية، أو استخلاص العبر من كل ما تقدم من حيثيات. وعليه نقول:
هذه الفرصة التي نحن بصددها، وهي موضوع الحوار الفلسطيني للمصالحة، والتي هي بالنتيجة فرصة لإضافة عنصر قوة إلي الذات الفلسطينية، رغم، مبرراتها السيئة، وهو الانقسام الفلسطيني المؤلم، والاشتباك المتواصل علي قضايا تفوح منها رائحة المصالح الفئوية والحزبية، بعيداً عن القضايا الأكثر علاقة بصيانة المصالح العامة، وتصور البعض اليوم بإزاحة قرص النار إلي رغيفه، لما قد يمكنه من الاستمرار في الهيمنة والسيطرة علي مقدرات الأمور في بلانا، كما تصور البعض السابق (في فتح) بأن يرفض إقرار قانون الانتخابات النسبية في المجلس التشريعي السابق، لتخيله بأن يبقي حزبه مسيطراً علي الحالة الفلسطينية، فإذا به يفاجأ بصعود حزب مناوئ ( حماس ) إلي الأغلبية المطلقة في المجلس التشريعي الحالي، والذي بدأت معه، إرهاصات الانقسام، وكادت أن تحدث حرب أهلية بكل معانيها، واستمرت الحالة كما نري في تخبط، وإضعاف للشعب، والقضية، علي كل المستويات، وبات الشعب الفلسطيني ملطشة لكل من هب ودب، من داخله ومن خارجه، ولذلك ننبه، وقد نبهنا سابقاً إلي خطورة المس بمرتكزات أساسية لتطور وتماسك الحالة الفلسطينية، ومادمنا جميعا قد انخرطنا في نظام سياسي فلسطيني، وأصبح لنا وزارات، وأجهزة للأمن، وقوانين نقرها ونعمل بها، فإن هذا يتطلب الوضوح، والتوضيح، والمصارحة، بكل الود، والمسئولية. فنقول:
لكل من يتواطأ علي تغييب قانون الأحزاب، إن مقولة العقد الماضي بأننا " نستطيع الموائمة بين الثورة والدولة قد ثبت فشلها، أو، بالأحرى قد فشلنا كأحزاب في هذه الموائمة بامتياز".فإما ثورة، ومعها الابتعاد عن كل ما يمت إلي الدولة بشيء، ونلغي تلك الوزارات والمصالح المختلف عليها، وننطلق من جديد نحو تحرير الوطن بكل أشكال، وأدوات، ووسائل الثورة، أو الانخراط في صناعة الدولة بكل المعايير، ولنتحاكم إلي الديمقراطية الحقيقية، لحين إمكانية التحرر بالوسائل السلمية، أما أن نعيد الاختبار الذي فشلنا فيه، فهذه فهلوة غير مسئولة. ولا يجوز المزايدة برفع الشعارات، دون إمكانية لإدارة البلد، أو إمكانية للتحرر.
إن التغافل، أو، التواطؤ، بعدم طرح موضوع إقرار قانون الأحزاب، وبالذات في مرحلة المصالحة، هو أمر غريب من كل الأحزاب، إن إقرار قانون أحزاب، وقانون الانتخابات النسبية، هو أهم النقاط المطلوب تحقيقها وإقرارها من المجلس التشريعي، بعد تشكيل الحكومة مباشرة،وقبل الدخول في تطبيق بنود، وتفاصيل اتفاق المصالحة، لكي ننهض بالنظام السياسي الفلسطيني، ونمنع الفوضى، والانقسام، الذي قد يحدث من آن لآخر.
فقانون الأحزاب، ينظم تشكيل الأحزاب بطريقة صحيحة، إذا اتفقنا، علي أننا، بصدد تنظيم دولة، وليس فوضي ثورة، وكما قلنا، من يريد الثورة، وغياب القوانين، فليكن، ولكن باتفاق الجميع علي الوجهة القادمة، لكي، لا نعيد الفشل، والتنازع من جديد.
قانون الأحزاب يتضمن في بنوده، تنظيم الأجهزة الأمنية، التي يمنع منتسبوها من العمل السياسي، وهو، ما أحدث، بالفعل، كل الإشكاليات، التي نعاني منها.
وقانون الأحزاب ينظم، وضبط الأموال التي تستجلبها الأحزاب دون رقابة، أو، معرفة مصادرها، وهذا قد يؤدي إلي امتدادات للخارج، وتأثيراته علي الصف الفلسطيني، وكفانا التسيب الحادث في كل مناحي الحياة الفلسطينية، وعلي الأحزاب البداية بنفسها بالشفافية لكي يعلموا الجمهور الطريق الصواب، بدل أن يعلموه الالتفاف علي القوانين، وكذلك يرفع من وعي الجمهور بماهية، وقانونية، ومالية الأحزاب. فكيف لحزب يعمل بدون ترخيص، وبدون نظام داخلي، وبدون انتخابات بداخله، وعدم ممارسة الديمقراطية بين أعضائه، سوف يمارس الديمقراطية علي الجمهور؟ وكذلك كيف سينتخبه الجمهور بدون معرفة مصدر التمويل لديه، وبدون معرفة أوجه الصرف، وكيف يتصرف بالمال العام في نشاطه وبين أعضائه، وللعلم أن مالية الأحزاب، هي مال عام أيضاً، فكيف تدعي الأحزاب، وتتشدق بالنقد، لمن ينهب المال العام، وماليتها لا يعرف أحد أوجه الصرف فيها، فكفانا، مؤسسات، وجمعيات، وتجمعات، ومشاريع هنا وهناك لا يعرف أحد مصادر تمويلها، وأوجه الصرف فيها، وكلنا يعرف ماذا يدور في كل التجمعات الفلسطينية من غياب للشفافية، بل أقول إن هناك تواطؤ من الجميع لتمرير كل ذي مصلحة، لأنه يمارس نفس التقاليد، وذلك، لأن الفوضى، والفساد، والتزوير، والهيمنة لمراكز استجلاب المال، تضرب بأطنابها كل المجتمع الفلسطيني.
علي الأحزاب، أن تثبت، بأنها، نموذج نزيه، وشفاف، ويتحمل مسئولية، للنهوض بالمجتمع الفلسطيني، وليس العكس،وهو من يدرب أعضاءه علي التهرب من القوانين، ويقدم للناس نموذج التحايل،والفساد، والإفساد.
أقولها بصراحة، إذا لم يكن لدينا قانون للأحزاب، فابشروا بفساد متواصل، وبفوضى مستدامة، وصراعات دامية، وتوالد لأحزاب، ومؤسسات، وشلل، وجماعات الاسترزاق، التي أطاحت بقيم الحضارة، ومنظومة الأخلاق الفلسطينية، وكذلك أخرت التحول الديمقراطي الحقيقي، في ظل غياب النظام، والقوانين، وكذلك، في ظل غياب المحاسبة، والرقابة، والشفافية، من قبل الداعين لها شفاهة، وللاستعراض فقط، والضحك علي الذقون.
لن يصلح مجتمع به أحزاب، هي أقرب للمزيفين، والفاسدين، من الثوريين، والديمقراطيين، الذين يدعون القيامة علي أقدس قضية في التاريخ، ويتآمرون علي شعب، هو الأكثر معاناة، وغلباً، وبؤساً علي مر الأيام ، إن لم يقر قانون الأحزاب، فإنكم جميعكم متواطئون علي حساب القضية، ولا تريدون بناء مجتمع قوي، يستطيع المقاومة عند لزوم المقاومة، ويستطيع التفاوض عند لزوم التفاوض.
غياب قانون الأحزاب، يعني استمراركم أيتها الأحزاب في تضليل الشعب الفلسطيني، وأخذه رهائن لمصالحكم، واشكالياتكم التي مللناها.