هل انتهى زمن هذه الفصائل الفلسطينية ؟!!
لم تدر حماس، ويبدو، أنها كانت آخر من يعلم، بأنه، بانتهاء، وتشظي، حركة فتح، تكون حماس هي الأخرى تلفظ أنفاسها الأخيرة، بعد أن بدأت قواعد اللعبة في الصراع العربي الإسرائيلي تتغير.
ربما تحدث أناس قليلون، أو، كثيرون، في حقبة كسر الحواجز التاريخية، التي بدأت بزيارة الرئيس السادات إلي القدس في 19 نوفمبر 1977م، وتغير استراتيجيات الحرب، كوسيلة، وحيدة لتحرير فلسطين، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، إلي استراتيجيات السلام كخيار استراتيجي، ووصولاً إلي المبادرة العربية، السلام مقابل الأرض، إن كانت هي حقيقة هو نهاية المطاف، وبعدها هناك استراتيجيات أخري، لا ندري عنها، أو، قد تتولد ذاتياً من العرب في ملحمة الصراع العربي الإسرائيلي.
أقول، ربما، تحدث أناس في نلك الحقبة، حقبة انكسار الحواجز عن توقعاتهم، وتحليلاتهم، من قريب، أو بعيد، إلي ما نستنتجه نحن الآن، وبعد مضي ثلاثة عقود ونيف، في محاولة متأخرة للفهم، وخاصة أن ذاكرتنا العربية لا يدوم فيها، إلا الروايات الرسمية بفعل التراث الإعلامي، والثقافي المجيد القائم علي التزويق، والماكياج الرسمي المتسلط على العقل العربي، والذي يصل في قمة إبداعاته إلي قلب الحقائق، لنكتشف، أننا لا ندرك، بأننا ضللنا كثيراً بالانتصارات، والانجازات، إلا بعد عقود، حين، نري آثار، ومضاعفات الهزائم، التي، كانت، في حينها، نصر، وصمود، وتحدي إرادات كما يشاع، وكذلك حين نكتشف التراجعات المخيفة لكل ما كانت تسجل كإنجازات، ونهوض، في عصور الحكام الميامين، والوزارات الرشيدة، فنغوص في الوحل أكثر.
فمنذ الخروج الأخير في العام 1984م، لياسر عرفات وقوات الثورة الفلسطينية من طرابلس، كانت النهاية المتدرجة لحركة فتح، وبعد أن تشتت قواتها، وقياداتها، في المحيط العربي الذي تغير، دون إدراك الفلسطينيين لذلك، أو لعدم إمكانية منع المقدر، الذي أخطأنا، وتنازقنا، في إدراكه، جملة، وتفصيلاً، وبدا واضحاً، أن الحركة في الطريق إلي الاضمحلال، وما حاوله، ياسر عرفات، من التعلق، بخشبة النجاة، عندما، دخل في اتفاقات أوسلو مضطراً، بعد أن رفع العرب الغطاء، عما، يسمي بالثورة الفلسطينية، وعلي خلفيات متباينة المظهر، لكنها، متوحدة الهدف، في أن حركة فتح التي تشابه كثيراً النظام العربي، أو لنقل هي امتداد لهذا النظام بالشكل والمضمون، وخاصة، عندما تماهت مع النظام العربي، حين، قاد ياسر عرفات منظمة التحرير الفلسطينية، فأصبحت فتح هي المنظمة، والمنظمة هي فتح، ولأن المنظمة ( م.ت.ف )، هي نتاج الأمة العربية، أو، النظام العربي، فكان عليها، أن تتغير مع ما تغيرت إليه هذه الأمة، وعندما حاول ياسر عرفات أو حاولت المنظمة لفترة من الزمن الاستقلال في قرارها،، أعادها العرب الممانعين، إلي المعتدلين، بمصطلحات هذه الأيام، أما بمصطلحات تلك الحقبة، فكانت تلك الدول تسمي نفسها دول الصمود، والتصدي، والمواجهة، وسميت أيامها دول الاعتدال الحالية بدول التطبيع والاستسلام. فما كان إلا أن انتقلت م.ت.ف من الوصاية السورية، إلي الوصاية المصرية.
لقد كانت أهم المظاهر للمطبعين والمتصدين معاً، هي، تخلي الأمة العربية عن القضية الفلسطينية عسكرياً، واقتناعهم، بأن حرب أكتوبر، هي آخر حروب الدول العربية على إسرائيل،تصريحاً أو مواربة، وأن، أي عمل من أعمال المقاومة الفلسطينية العسكرية، أو، السلمية، سيؤول في النهاية الي صفر، لفقدان العرب إمكانية التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل، وانتهاءً بتقدم العرب بمشروعهم الشامل للحل، وهو السلام مقابل الأرض، والذي، قد يكون، هو الآخر تكتيكاً، لحين إكمال حدود الدولة العبرية، وترسيخها بالجدار، وتغيير المعالم على الأرض، واستكمال الاستيطان المطلوب،وكذلك الاتفاقيات القادمة في علم الغيب.
لا أريد التنويه مجدداً لحلقات السلسة المنفرطة التي بدأت حديثي بها عن محطات ذاتية الفتحاوية،كقيادة متنفذة للشعب الفلسطيني، أو موضوعية الحالة العربية، فبعد أوسلو، تم تشكيل سلطة عمودها الفقري عناصر فتح العائدين، وعناصر فتح في الضفة، وغزة، على أمل الوفاء لاتفاقات أوسلو، وتغيير نمط التفكير للمقاتلين، أو، المناضلين، ودمجهم بالعمل المدني، فتولد الصراع على المواقع، والمنافع، مثل، أي نظام عربي، وجرت مياه كثيرة في النهر، لكن فتح كانت بعد أربعين عاماً قد شاخت، وترهلت، لأنها كانت بمثابة مؤسسة، وهنا، لا عيب في ذلك، إلا، أنها لم تغير، ولم تبدل، بطريقة صحيحة في نظامها، وإدارة حزبها، وانهمكت في إدارة البلاد علي حساب التنظيم الحركي، مما عجل في إضعافها، ولم يكن متبقياً في عقلها الباطن إلا مجدها التاريخي، ففشلت في إدارة عقد ونيف من الزمن لما كان يسمي الدولة.
وتركت إدارة التنظيم لتدار بعقلية، ومكاسب، من يديرون الدولة، وهنا، أود التنويه للظلم القاتل الذي وقع علي تنظيم فتح، مما أوصل الحركة الي نوعين من الفشل، فشل في إدارة الدولة، وفشل في تصليب عود التنظيم وارداته، إلي أن اغتيل الشريك الحقيقي لياسر عرفات، وهو اسحق رابين، لأنه، علي ما يبدو، خرج عن الخط المرسوم لمآل الحلول المخبأة في الأدراج الأميركية والعربية، وطبعا الأدراج الصهيونية العليا، وبعده أعيدت عربة ما يسمي بالسلام إلي قطار الزمن المطلوب، للوصول إلي المحطة النهائية من الصراع، الذي نتوقعه في المرحلة القادمة، بعد تهيئة البيئة المطلوبة لذلك، والتي قلنا عنها السلام مقابل الأرض. ولا أعرف، حتى الآن، ما هي هذه الأرض حقيقة، بعد تغيير واقعها، والاستيلاء علي معظمها، ولكني أفهم، ما هو السلام، الذي يتحدثون عنه وهو السلام مقابل السلام.
وللحق الذي يجب أن يقال، فقد حاول أبو عمار مرة أخرى، التقاط طرف الخيط، ولكنه أيضا أدرك صعوبة الحالة التي وقع فيها، فأختار، أن يجازف بانتفاضة الأقصى، التي حضر لها علي أمل فرض الأمر الواقع أمام العرب، والإسرائيليين، والعالم، ولكن، قوة المخطط كانت أقوي بكثير من إمكانيات الشعب الفلسطيني، وأبو عمار، لأن عجلة السلطة سارت بعيداً في نفوس الفلسطينيين، وخاصة الفتحاويين الكبار ، أو الذين وجدوا أنفسهم كباراً، الذين تلهو في مشاريعهم الشخصية، وخلافاتهم، والشروخ الفتحاوية المستحدثة علي خلفيات الحكم والنفوذ، وكأن حالهم كان يقول، بأن الوضع لن يتغير، وتناسوا في عمق خلافاتهم، حركة المجتمع، وحركة السياسة الإقليمية، وكان ديدنهم من يستطيع الظفر بمكانة، فسوف يندفع إلي المقدمة، والمكانة، ورغد العيش،بدل التفكير في الصراع، وكيفية إدارته، وقبل ذلك، فقدان الرؤية لمسيرة السياسة حول قضيتنا، وعندها دمرت إسرائيل الكيان الرسمي لفلسطين، بعد، أن وصلت عناصر، وقيادات، وتنظيم فتح الي الشللية، والمناطقية، والصراع علي المكاسب.
وذاب التنظيم الفتحاوي، وبدا ظاهراً، وواضحاً، للأعيان، ضعف فتح، ومن ثم جاء الدور لتغييب القاسم المشترك في حركة فتح، وهو ياسر عرفات، لتتصادم مدارات فتح الجاهزة للتشظي، والنزاع الدائم إلي وقت طويل، وحتى غير القابل للإصلاح، ومن ثم تم انتخاب الرئيس أبو مازن، رئيسا للجنة التنفيذية، وتعيين أبو اللطف مسئولا لحركة فتح، وما واجهه أبو مازن حتى من قبل انتخابه رئيساً، حين أطلقت عليه النيران في ثالث يوم لعزاء أبو عمار في سرادق العزاء في غزة، وكان واضحا، وجليا الحالة التي وصلتها فتح.
وبعدها كانت الخطوة التالية، التي حيرت العالم، والفلسطينيين، وهي انسحاب إسرائيل الأحادي الجانب من قطاع غزة، الذي كانت قد تهيأت فيه البيئة جيداً، لما حدث بعده، من وصول حماس عبر الانتخابات الي مركز القوة الأول، رغم معرفة، الأمريكان، والإسرائيليين، بنتائجها، ومن تم جاء بعدها الانقلاب، أو، الانقسام، كما يحلو للمجملين، وهروب القيادات، وانتكاسة الجيش، وأجهزة الأمن، وتشتت التنظيم.
إلي يومنا هذا، فقد فشلت حركة فتح، في استنهاض طاقتها، لإمكانية حسم الحوار لمصلحتها، وإعادة سيطرتها على قطاع غزة، بأي طريقة كانت، ولا حتى، النجاح في لملمة صفوفها، لعقد المؤتمر السادس للحركة، كله علي خلفية الصراعات الداخلية، وبرضي، ورغبة عربية، للتخلص من حركة أصبحت تمثل عبئاً علي واقع المنطقة، عندما فشلت في إدارة ذاتها، ومناطق سلطتها، فأنتجت لهم حماس بقوة.
وهكذا تنتهي حركة فتح ودورها، وبانتهاء فتح، يبدأ العد التنازلي لإنهاء حركة حماس ، ولكن هنا علي خلفية الرفض الخارجي من دول الجوار، والعالم الخارجي، بحكم تصنيفها كحركة إسلامية، لا تقبل المنطقة وجودها علي خلفية دينية، وعلى قاعدة استحالة وجود أي تيار ديني، أو، شيوعي، لتقلد سدة الحكم في الدولة العتيدة، وأن البيئة العربية المجاورة هي التي تقرر من يكون في سدة الحكم بجوارها ، وليس العكس كما تتصور حماس بإمكانية تغيير الجوار، ولكن العكس هو الصحيح، ومن هنا نخرج إلي الحقيقة الغائبة عنا كفلسطينيين، بعد أن شطحنا جميعاً بعيداً، بإمكانية أن نكون نبتة مختلفة عن الأنظمة العربية المجاورة، وأن في الجوار دول إقليمية تقرر في المنطقة السياسة، والاقتصاد، وأشكال الحكم.
هذا ما أصفه في تحليلي، بغض النظر، عن موقفي من هذه الحقائق، بالموافقة، أو، الرفض، ولسان حال المنطقة يقول: انتهي دور هذه الفصائل في المرحلة المقبلة، التي لا نعرف ماذا قرر العرب المتنفذين، والأمريكان، والإسرائيليون من خطط،.
وهل صحيح، أن المبادرة العربية التي هددت بسحبها السعودية، إذا لم توافق عليها إسرائيل، والسؤال المنطقي يطرح نفسه، هل لدي العرب خيارات أخري؟ وما هي هذه الخيارات؟ هل ستشن الجيوش العربية الحرب علي إسرائيل؟ أم ستتخلي عن مجمل الصراع بعد أن تكون إسرائيل قد أنهت سيطرتها علي أقصي، وأوسع مساحة من فلسطين كل فلسطين؟
ووضع ما سيتبقي من أهالي الضفة، وغزة، في أضيق منطقة من الأرض، وإدارتهم المستقبلية علي شاكلة كانتونات مغلقة، وتحت السيطرة المحكمة من كل الاتجاهات، كما هو الحال، الذي جربوه في قطاع غزة، بالتوازي مع ضعف متواصل، واضمحلال للفصائل الفلسطينية المتصارعة، وحالة الضعف المتواصلة، حتى، تتم مخططاتهم جميعا، بتصفية القضية إلي أضيق حدود السيطرة.
وهنا، لابد من العودة إلي ما بدأنا به، وهو، أن العرب يريدون توليد حركة، أو، جماعة، حزباً جديداً، وعلي شاكلة فتح، لكنه ليس فتح الحالية بشخوصها، وحالها المنفلش، ولكن بنموذج خالي من الشيوعيين، والإسلاميين، ليتناغم مع الحالة العربية المستقبلية، ويكون مواليا لها، رضينا، أم، لم نرض كفلسطينيين، وسيأخذ إنتاج ذلك المطلوب، فترة أخري، قد تصل مدتها إلي عقدين، أو ثلاث، كما حدث بالضبط بعد عدم فهمنا لتغيير قواعد اللعبة بعد زيارة السادات إلي القدس في العام 1977م،
وهذا ليس دفعا، أو، تبريرا، أو، دعوة للقبول بذلك، بل، هو تمحيص في الحالة الآنية، وتغيير قواعد اللعبة من جديد، فيما بعد الحرب على غزة، وما سبقها، وأثناءها، وما بعدها، من تواصل الحصار، وانتقال مركزية الصراع إلي أيدي العرب، بعد أن وضع الفلسطينيون أنفسهم، وبمحض إرادتهم، وبسلوكهم المشين قضيتهم بأيدي العرب من جديد.
ويبقي السؤال الأهم، كيف يفهم الفلسطينيون ذلك؟ وكيف سيتعاملون مع التغيير الجديد مع قواعد اللعبة من جديد؟ رضوا بذلك، أم لم يرضوا به. وهل سيتعاطون مع الحالة الجديد، بوضوح، أم يدفنوا رؤوسهم في الرمال؟ ويعيدوا تكرار عدم فهم سياسة المنطقة، في عدم إمكانية وجود اليسار، أو، اليمين الديني في سدة الحكم في فلسطين، إن كان هناك سيتبقي ما سيسمونه فلسطين؟ وكيف سيتعاطون مع لزوم حركة وطنية جديدة علي مزاج الأنظمة المقررة في المنطقة، وأن أحزابهم التي أصبحت في طريقها الي الزوال، لم تعد تفيد للحالة العربية الجديدة، ولم تعد مناسبة للقادم من مخططات.
وهذا يعني ما نراه أمام أعيننا بوضوح:
1- انتهت فتح بدوافع عربية ودوافع ذاتية
2- انتهت حماس بدوافع عربية ودولية
3- انتهي اليسار بدوافع دولية وعربية وذاتية
4- العرب يقررون الاتجاه والفصيل الجديد المطلوب
5- العرب والإسرائيليون هم يقررون الخطوات التي تنهي الصراع
6- الفلسطينيون في حالة صراع متواصل علي أشياء مبهمة
7- لا حوار ولا مصالحة وان تمت لن تدوم طويلا
8- لا انتخابات جديدة في العقد القادم لحين استتباب الحالة الجديدة
9- لا نتائج لمفاوضات عبثية تصبيرية بين الفلسطينيين والإسرائيليين
10- تدهور الحالة الفلسطينية في الوقت القريب وخاصة الحالة الاقتصادية لنقل الدور الي خطة نتنياهو لإحكام السيطرة علي الفلسطينيين في مرحلة تغيير قواعد اللعبة.