قراءة في المواقف الغربية تجاه الثورات العربية "2"
أحمد أبورتيمة-كاتب فلسطيني
abu-rtema@hotmail.com
مصر لم تكن المثال الأخير الذي يكشف طريقة التعاطي الغربي مع الواقع الجديد، وربما ادخر القدر ليبيا لتكون المثال الأكثر جلاءً لمدى وحشية السياسة الغربية الرسمية ولا إنسانيتها.
فرغم سيل الدماء النازفة في ليبيا ورغم عمليات القتل المروعة التي كان يمارسها القذافي ضد شعبه في أول أيام الثورة إلا أننا لاحظناً تباطؤاً في اتخاذ قرار مهاجمة القذافي، وحين اتخذ هذا القرار بعد أسابيع من المداولات وحسابات المصالح أعلن أكثر من مسئول غربي سياسي وعسكري بأن هدفهم ليس قتل القذافي، مع أننا أمام حالة طارئة تتطلب سرعة المعالجة وكل تلكؤ أمام رجل بالخصائص السيكولوجية للقذافي ستحرضه على مزيد من القتل والوحشية، وقد جاءت الأفعال مصدقةً للأقوال إذ أن سلوك حلف الناتو العسكري في ليبيا يوضح بأن الحلف غير معني بحسم المعركة، ولو كان معنياً بذلك لما استغرقت منه أكثر من ثلاثة أيام، بل إن له حسابات سياسية كثيرة تدفعه للتباطؤ في حسم المعركة، وآخر هذه الحسابات هو إنقاذ الشعب الليبي من المذبحة التي يتعرض لها إن افترضنا وجود هذا الاعتبار.. هذه الحسابات تتعلق بمصالح الغرب من بترول وتخوف من وصول مناهضين له إلى السلطة، واستنزاف ليبيا اقتصادياً وعسكرياً إذ أن كل صاروخ يطلقه الناتو سيقتطع من الأموال الليبية، وكل دبابة أو طائرة ليبية تدمر هي خسارة للشعب الليبي في نهاية المطاف وتستنزف من قدراته العسكرية، وربما يكون هناك هدف سياسي من هذا التباطؤ المتعمد في حسم المعركة في ليبيا وهو بث الإحباط لدى الشعوب الأخرى وإفقادها الأمل في جدوى هذه الثورات، كذلك منع قيام وحدة مستقبلية بين مصر وليبيا وتونس، كما أن هذا التباطؤ ربما يهدف إلى زيادة مستوى ارتهان قرار أي نظام قادم في ليبيا بالدول الغربية فلن يكون سهلاً على من سيحكم ليبيا أن ينعتق من الهيمنة الغربية بعد ذلك..
وما يثبت أن هذا الكلام ليس تخميناً هو أن الثوار الليبيين أنفسهم أعلنوا سريعاً عن تذمرهم من سلوك الناتو وعبروا عن خيبة أملهم وإحباطهم من تقاعسه في نصرتهم كما كانوا يتوهمون..
ولو كان التدخل الغربي في ليبيا ابتغاء تحرير الشعوب من الأنظمة الاستبدادية لكان من باب أولى تدخل التحالف في سوريا التي لا يقل القمع فيها للشعب عن مثيله في ليبيا إن لم يكن يفوقه، لكن اختلاف الحسابات السياسية أنتج اختلافاً في التعاطي مع واقعين متشابهين في حالة القمع والقتل..
واللافت في التعاطي الغربي مع الثورة السورية أنه بالرغم من كل المجازر الوحشية التي يرتكبها النظام السوري بحق المدنيين السلميين من أبناء شعبه إلا أننا لم نسمع حتى هذه اللحظة مطالبةً صريحةً برحيل النظام، وكل ما نراه من كلام مموه ومن إدانات لفظية ومن حديث عن عقوبات للمسئولين لا تمثل رادعاً حقيقياً لهذا النظام عن التمادي في جرائمه، وأغلب الخطاب الغربي تجاه النظام السوري يقوم على مطالبته بالبدء بالإصلاحات مما يعني أن شرعية هذا النظام لا تزال قائمةً في المنظور الغربي.. والمفارقة اللافتة أن النظام السوري كان طوال السنوات الماضية أبعد عن الخط السياسي للدول الغربية من النظام المصري وكان يصنف بأنه ضمن محور الشر، ولو كان الغرب يحترم مبادئه، لكانت مطالبته برحيل النظام السوري أولى من مطالبته للنظام المصري بذلك، وهو النظام الموالي له.
ولا تغرنكم زيارة السفيرين الأمريكي والفرنسي لحماة، فهي زيارة تضر بالثورة أكثر مما تنفعها، وهي لا تعبر إلا عن انتهازية ومحاولة لفرض أنفسهم بشكل فج على الشعوب، ومن استفاد من هذه الزيارة المشئومة كان هو النظام السوري المجرم وليس أحداً غيره.
خلاصة القول في تعاطي الأنظمة الغربية الرسمية تجاه الثورات العربية هو أن هذه الدول لا تزال تعيش بالعقلية الاستعمارية القديمة، وأنها غير جادة في دعم الديمقراطية الحقيقية في العالم العربي، وأنها تفضل إبقاء أنظمة استبدادية معزولة عن شعوبها ليسهل ابتزازها على دعم أنظمة ديمقراطية تعبر عن تطلعات الشعوب ورغباتها، لأنها تعلم جيداً أن هذه الشعوب في حال سمح لها بالتعبير الحقيقي عن ذاتها فلن تكون متوافقةً دائماً مع أطماع هذه الدول.
لكن الشعوب العربية لن تخسر كثيراً بهذا النفاق الغربي لأن انبعاثتها الثورية من التجذر والعمق بحيث يصعب اقتلاعها مهما كانت المؤامرات والمعيقات، بل إن هذه المؤامرات تمنحها قوة ومناعة وفي النهاية ستكمل الشعوب العربية طريقها الطويل نحو الحرية إن شاء الله وستسقط كل مشاريع الاستعمار والهيمنة..وخسر هنالك المبطلون..
"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/