الروائي الفلسطيني موسى عليان يوثق التاريخ الفلسطيني الحديث بثلاثية "إلى الغرب من نهر الأردن"
انهى الكاتب والروائي الفلسطيني الدكتور موسى عليان ثلاثيته الروائية " إلى الغرب من نهر الأردن" حيث يتناول فيها الأحداث الواقعة في الاراضي الفلسطينية ما بين عام 1987 وحتى يومنا هذا. وفي مشاهد درامية متصاعدة وبإيقاع سريع يشبه الحبكة والسرد السينمائي، يجسد عليان جميع تلك الأحداث بواقعية وصدق.
ففي الجزء الأول والذي جاء بعنوان "كفر عويناس" يستعرض أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى عبر تصوير الواقع الاجتماعي الفلسطيني خاصة في الريف كما هو دون رتوش أو "مجاملات" واضعة القارئ في قلب الأحداث وذلك من خلال شخصياته التي تضج بالحياة وبالفعل "اكشن". بينما تعكس رواية "لهيب خان التجار" أحداث الإنتفاضة الثانية، التي إنطلقت شرارتها عام 2000، لتنتهي بوفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وتدور معظم احداثها في مدينة نابلس، خاصة في الحي القديم منه الذي كان مركز للمقاومة فتصف حرب الإغتيالات والحواجز وما تخللها من أحداث عنيفة في الصراع الدائر بين الفلسطينيين. اما الجزء الثالث "الرقص في الظلام" فتتناول الحقبة التي تلتها، لتعكس وبنفس الأسلوب الدرامي الروائي المفاوضات الفلسطينية _ الإسرائيلية
* المصالحة الفلسطينية .. الحدث الابرز
وفي الجزء الثاني "لهيب خان التجار" حرص الكاتب على الاحتفاظ بشخصيات أبطال روايته "كفرعويناس". فهناك قيس الذي أصبح مسؤولا عن لجنة المصالحة الوطنية، ولكن يعجز عن القيام بالمهام الصعبة الملقاة على عاتقة وهي رأب الصدع بين "التنظيم" و"الحركة" بسبب الإنشقاق الحاد في الصف الفلسطيني. أما أكرم،المسؤول الحركي، والذي أصبح أسير مقعده المتحرك بسبب الإصابة التي شلته نصفيا، فإنه يخوض غمار معركة صعبة جدا بسبب التناقض بين سلوكه ومعتقداته.
في حين يعود فارس للبلاد مثخنا بالجراح بعد اكثر من خمسة عشر عاما عاشها في إسبانيا أنهى فيها دراساته العليا، ليعود عاد وهو يحلم بخلق جيل إعلامي جديد، فيصطدم بالكثير من العقبات. أما نورا فإنها تنتقل إلى رام الله مكان عملها الجديد، لتجد عالما مختلفا عن قريتها الضيقة، وبفضل ذلك تتحول إلى "رجل" العائلة فتنقذ أسرتها من الغرق.
* نساء يبحثن عن التغيير ..
اما الجزء الثالث "الرقص في الظلام" فتتناول الحقبة التي تلت وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ولكنها ركزت على المفاوضات الفلسطينية _ الإسرائيلية، ودائما بنفس الأسلوب الدرامي الروائي. وأكثر ما يميز هذا الجزء الاخير من الثلاثية، هو حالة التيه والضياع التي تمر بها شحصيات "الرقص في الظلام" وذلك بسبب التغيير في المواقف والطرح السياسي الجديد نسبيا، فلأول مرة في تاريخ القضية الفلسطينية يتم طرح وبكل وضوح وصراحة أفكارا تتبنى التنازل عن مطالب كانت تعتبر حتى وقت قصير عصب القضية الفلسطينية.
ولم يغفل الكاتب تجسيد الدور الذي تقوم به النساء الفلسطينيات حيث أدخل شخصيات جديدة ومعظمها من الجيل الشاب الجامعي، وبالذات نسوية، ومعظمهن كن يناضلن على حبهتين: التحرر من الأفكار والعادات التي تعيق مسيرتهم من جهة، وضد الإحتلال من جهة أخرى.
وتبرز في الاحداث صفية القادمة من دمشق والتي "تخنقها" عادات القرية بنفس الدرجة التي تقمعها فيها قوات الإحتلال، ولكنها لا تستسلم فتناضل بقوة وذكاء على الجبهتين. ولحسن الحظ ليست هي الشخصية الأنثوية الوحيدة التي تدرك أهمية دورها كأنثى، فمريم تحمل السلاح وتقوم بمهام عسكرية تقريبا متحدية هي الأخرى العادات والتقاليد التي تقف عائقا امام حرية المرأة. أما الدكتورة إيمان زوجة قيس، فتضظر احيانا إلى معالجة جرحى الإنتفاضة في ظروف صعبة وأماكن نائية. إلا أن هم هدى الوحيد، هو إنهاء دراستها الجامعية لتساعد اسرتها، متناسية الى حد ما دورها الوطني.
وما يلاحظ ان شخصيات الرواية تنتمي إلى مختلف الشرائح الإجتماعية والفكرية، إبتداء من السياسي وأستاذ الجامعة والطالب والفلاح والعامل وغيره، موزعة على الجغرافية الفلسطينية.
ويرى عليان ان أكثر ما حاولت"الثلاثية تحقيقه هو تجسيد الواقعية، من خلال سلوك وأفكار شخصياتها وتصورهم في بيئاتهم الإجتماعية التي يعيشون فيها. كما انه لم يكتفي بممارسة النقد الإجتماعي ووضع الإصبع على مكامن الجرح، وإنما أيضا حاول وضع حلول للمشاكل الإجتماعية والفكرية
أما إيقاع الرواية فانه سريع يشابه الحبكة والسرد السينمائي، بل حتى تقوم بتصوير الأحداث من خلال الكلمة الوصفية، فيجعل القاريء يتخيل الأحداث والشخصيات والأماكن وكأنه يشاهدها. أما اللغة فهي سهلة وبسيطة، تقع وسطا ما بين الأسلوب الصحفي والأدبي، إلا أنها في الوقت ذاته عميقة في إفكارها ومعانيها.
يذكر أن الدكتور موسى عليان من موالد قرية بيتا ـ نابلس درس البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من جامعة مدريد المركزية ومارس الكتابة منذ عام 1976 وعمل مراسلا متجولا في الشرق الأوسط خلال حقبة الثمانينيات وبداية التسعينيات حيث غطى حرب الخليج الأولى وعمل رئيسا تحرير القسم العربي في وكالة الأنباء الإسبانية، كما عمل محاضرا في كلية الإعلام بجامعة النجاح الوطنية في نابلس.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/