التحولات السياسية والإجتماعية والإقتصادية بعد الإنقلاب
بقلم الأسير المقدسي: حسام زهدي شاهين
سجن أوهلي كيدار – بئر السبع
8-5-2010
لا شك أن تاريخ 14/6/2007 وما نجم عنه من تطورات محلية وإقليمية شكل منعطفاً خطيراً في مسار القضية الوطنية الفلسطينية، ولحظة قطع وكسر في السياق المجتمعي والسياسي والقيمي بما يمكن إعتباره حدثاُ مؤسساً في تاريخنا الحديث، كما أنه أثقل الكاهل الوطني بعبء ثقيل قاتل لم يكن بالحسبان، وقد أثبتت السنوات الثلاث الماضية أن حركة حماس قد أترعت الجسم الفلسطيني جرعة سُم زوأم تفشت به وأخذت تقتله بشكل بطيئ، وليس كما كان يدعي رئيس مكتبها السياسي بأنها أشبه بـ "حبة دواء أجبرنا على تناولها"، فعلى ما يبدو بأنه أخطأ بإنتقاء العقار وحقن الجسد بالسم المميت بدلاً من البرهم الشافي.
إن الإنهيارات المتوالية التي نتعرض لها على مختلف الصعد والمستويات بسببب العقلية "السيمونية" الحمساوية ستتواصل مادمنا نفكر بنفس الطريقة العاطفية المترددة للخروج من أزمتنا الداخلية، وما الرهان على أن حماس ستتراجع عن إنقلابها بهذه البساطة إلا وهماً يكمن في نوايانا الحسنة ولاعلاقة له بعلم السياسة، لأن شهوة السلطة وبريق النفوذ وإغراءات المال هي التي تسيطر على المشهد السياسي في القطاع، والمن المؤشرات التي تحمل في طياتها مفارقات تدل على أن مصلحة الحركة تُقايض بمصلحة الشعب والوطن، نسوق الومضات التالية:
سياسياً وإجتماعياً:
- في حياة الشهيد الراحل ياسر عرفات وإبان إنتفاضة الأقصى وقبل وأثناء الإجتياح الإسرائيلي للمدن الفلسطينية كانت القيادة هي المحاصرة والشعب هو الطليق، أما اليوم فالشعب في القطاع هو المحاصر وقيادة حماس هي الطليقة.
- ورقة المصالحة المصرية لن توقع عليها حماس إلا بضمانتين، تأجيل الإنتخابات التشريعية إلى أجل غير مسمى أو على الأقل لأربع سنوات قادمة يأخذ فيها نواب حماس الحاليين دورهم في التشريع الذي حرمهم منه الإنقلاب، وعدم عودة السلطة الوطنية إلى القطاع إلا بشروط مذلة وتحت سيطرة حماس وتحديداً في المجال الأمني، وبالتأكيد هناك أشياء أخرى مثل الحكومة والمنظمة ولجنة الإنتخابات وغيرها، إلا أن الأهم هو ما ذكرناه.
- بعد الحرب الإجرامية الأخيرة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، خرج علينا عدد من المتحدثين الإعلاميين باسم حماس في أكثر من مؤتمر صحفي وهم يحمدون الله على إنتصار المقاومة، ودليلهم على ذلك أنها لم تخسر أكثر من 40 مقاتلاً، وكأن الدمار الهائل الذي لحق بالقطاع والخسائر البشرية من آلاف الشهداء والجرحى الذين سقطوا لا تعد خسائر.
إقتصادياً:
- عندما كانت الظروف الإقتصادية صعبة، والمواطن غير قادر على تغطية تكاليف معيشته، كانت تعليمات القيادة السياسية تقضي بإعفاء المواطنين من الضرائب وإعفاء العائلات المستورة من دفع فاتورتي الماء والكهرباء، وتخفيضها وتقسيطها على الميسورين، أما اليوم فهناك ضريبة على مقابلة رؤساء البلديات وأخرى على عيادة المرضى في المستشفيات، وانواع أخرى تفوق الوصف والخيال، إبتدعتها وتقتضي عنها الحكومة المقالة في غزة.
الأيدلوجيا:
- بالنسبة لفصائل العمل الوطني فحدود الدولة التي تسعى إلى إقامتها تعني "الجغرافيا"، أما بالنسبة لحماس فالحدود تعني "العقيدة"، لذلك لا مانع لديها من إقامة دولة حتى على جزء من القطاع إذا ما حصلت على الضمانات الأمنية والسياسية التي تحقق شرعية ذلك دولياً.
إذاً فهذه المعطيات المرتبطة المستمرة بتزايد ملموس مع مرور الزمن، وبفرض حماس لوقائع جديدة على الأرض بشكل متواصل، تنبئنا بأن المسافة بين طموح المصالحة الوطنية وإعادة اللحمة إلى وحدة الشعب، وبين الواقع الحقيقي على الأرض، مسافة كبيرة جداً لايمكن تجاوزها بمجرد التوقيع على بعض الأوراق، خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أهم التحولات السياسية والإجتماعية التي تعرض لها مجتمعنا وقضيتنا بعد الإنقلاب، والتي ساسعى إلى تلخيصها بالنقاط التالية:
1. أصبحت الحريات السياسية والإجتماعية في قطاع غزة مقيدة بضوابط الأيدلوجيا الحمساوية لا بضوابط القانون.
2. تقلصت قاعدة حركة حماس الجماهيرية، وانحسرت شعبيتها التي انحصرت في اعضائها الحزببينن بينما توسعت قاعدة حركة فتح والتيارات والفصائل السياسية الأخرى بما فيها حديثة النشوء.
3. إرتفعت نسبة الهجرة في اوساط الشباب الفلسطيني إلى أرقام غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، وبلغت طلبات الهجرة المقدمة إلى الخارج نسبة 45% في القطاع.
4. إنقسام المجتمع الفلسطيني أفقياً وعمودياً على مختلف المستويات السياسية والإجتماعية وحتى الوجدانية، وتفشت ثقافة ولغة هجينيتين على شعبنا.
5. فقد الشعب الفلسطيني وحدته الوطنية التي طالما تفاخر أمام العالم بوجودها، وضربت قناعاته الوطنية الداخلية ومركبها الأساسي المتمثل بها.
6. الراسمال السياسي الذي كونته م.ت.ف على الصعيدين الإقليمي والدولي على مدار أكثر من أربعين عاماً من النضال والتضحيات أصيب بالنكسة، وتجلى ذلك من خلال ضعف الموقف السياسي الفلسطيني في كافة المحافل الدولية.
7. الركائز الأساسية للبرنامج السياسي والوطني الفلسطيني تضررت كثيراً وفي بعض الجوانب لم تعد قائمة.
8. أنتج الإنقلاب في قطاع غزة طغمه سياسية طفت على السطح كالفطر، تحكم الشعب بفعل القوة وتفتقر إلى الإنفتاح على العالم وتجهل أسس العلاقات الدولية.
9. القمع المتواصل في القطاع أفقد الكثيرين من الشباب والأجيال الجديدة إيمانهم بجدوى الكفاح والمقاومة.
10. تغليب الطرائق الدينية التقليدية في العمل السياسي والإجتماعي في القطاع على حساب الطرائق الثورية الخلاقة مما أفقد المقاومة بشقيها النضالي الكفاحي والبناءي المؤسساتي أهم وسائل الرقي والتقدم.
11. تراجع العمل السياسي الحزبي إلى أدنى مستوى له منذ إنطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، أمام شمولية الحزب الواحد الذي يمارس ابشع وسائل الظلم والإضطهاد في السيطرة على الشارع الغزي.
12. إتساع الفجوة القائمة اصلاً بين الضفة الغربية وقطاع غزة بأبعادها السياسية والثقافية والفكرية...الخ.
13. بدأ العمل الوطني يفقد قيمته في أوساط جماهيرية وشعبية كبيرة، وبدأت المفاهيم التقليدية والعشائرية تتحول إلى روابط شبيهة بالأيدلوجيات.
14. الهوة بين حركة حماس من جهة، وبين حركة فتح وفئات أخرى من الشعب من بينها بعض العائلات من جهة ثانية، آخذه في التوسع المستمر بحيث أوشكت أن تصبح مستحيلة الهدم بما ينذر بنذر حرب أهلية حقيقية وفوضى.
15. تراجع وإنحسار التعاطف والتضامن الشعبي على المستويين العربي والدولي مع القضية الفلسطينية.
16. إستخدام الإحتلال الإسرائيلي ورقة الإنقلاب والإنقسام الناجم عنه ذريعة مستمرة في التنصل من إستحقاقات العملية السلمية والمفاوضات بحجة عدم وجود طرف يمثل الشعب الفلسطيني، وكسب ورقة مناورة مجانية تعفيه من إلتزاماته.
17. إستمرار الحصار المفروض على القطاع وما يترتب عليه من آثار إقتصادية ونفسية تنخر في الجدار الإجتماعي الفلسطينين وسأستعين هنا بنتائج بعض الدراسات التي قدمت خلال مؤتمر "الصحة والسكان في ظل الحصار" الذي انعقد في مخيم البريج في اواسط تموز عام 2008 مع الإنتباه إلى حجم التراكمات التي حدثت منذ ذلك الحين وحتى اليوم:
أ. أشار د. فضل أبوهين "مدير مركز التدريب المهني في غزة" في ورقته إلى إفتقاد الأمن النفسي والغذائي والإجتماعي للأسر الفلسطينية في قطاع غزة، وإلى تزايد العنف والعصبية في أوساط العائلات إلى جانب التلوث النفسي الذي يسود العلاقات الإجتماعية بين الناس حتى داخل الأسره والحدة بسبب التعصب الحزبي والإنقسام الذي أوجد هذه الشروخ في المجتمع.
ب. سامي صباح، الباحث في الأسره الفلسطينية، تحدث عن المؤشرات الإجتماعية التي تؤكد تدهور العلاقات الإجتماعية وإدخال قيم ومفاهيم غريبة عن طبيعة مجتمعنا، فهناك عزوف عن الزواج وإرتفاع في نسبة العنوسة وتفكير في الهجرة، وحياة من الإغتراب الإجتماعي التي يعيشها الشباب بسبب غموض المستقبل وعدم وجود أفق واضح أمامهم، ويعود ذلك إلى عوامل إقتصادية وأخرى سياسية.
ت. آمال صيام، نائبة مركز شؤون المرأة، قالت حول معاناة المرأة في الحصار، بأن الإنقسام السياسي هدد النسيج الإجتماعي وضاعف معاناة النساء.
وبعد مضي ثلاث سنوات على الإنقلاب، وخلافاً لما يعتقده الكثيرون، فإنني لاأعتقد بأن الشعب الفلسطيني قد أخطأ في إنتخابه حركة حماس، أو أنه دعم سياسة متعارضة مع مصالحه، بقدر ما عبر عن غضبه من آداء الحكومات والمجلس التشريعي السابقين، إلى جانب التناحرات الكثيرة التي كانت تدور في أوساط حركة فتح، واستغشاء نظام المحسوبيات في مؤسسات السلطة بشكل عام، وغياب القانون العام الذي من المفترض ان يتساوى أمامه جميع المواطنين، ناهيكم عن ممارسات الأجهزة الأمنية غير المنضبطة في كثير من الأحيان.
بإختصار إن موقف الناخب الفلسطيني يمكن إيجاده في مفهوم "التصويت الإجتماعي" حيث كان يحمل في مضمونه محاسبة واضحة لحركة فتح على أخطاء إرتكبتها وأخرى لم ترتكبها بإعتبار أنها المسؤول الأول عن السلطة الوطنية، هذه الحركة التي تعلمت الدرس وأعتذرت لشعبها عن كل هفوات الماضي وأجرت فحصاً صادقاً مع الذات، ولكن حركة حماس اليوم هي التي تخون الثقة التي منحها إياها الشعب، ورات نتائج صندوق الإنتخابات إنفاذاً لإرادة الله بينما هي تعبيراً وترجمة لإرادة الشعب الحره، مسقطة بذلك مفاهيم أيدلوجية دينية على حدث سياسي ناتج عن إرهاصات إجتماعية وإقتصادية، وذلك لكي تبرر كل ما نأت إليه من تجاوزات كسرت بها الخطوط الحمراء الفلسطينية، وفي مقدمتها إستباحة الدم الفلسطيني، متسترة بعباءة الدين، وموحيه للمراقب، وكأن ماقامت به من جرائم وقبائح يعتبر إجراءات طبيعية تأتي في خدمة أهداف الأمة وتصب في مصلحة الإسلام حسب الغطاء الشرعي الذي حصلت عليه من قبل جماعة الأخوان المسلمين العالمية، بحيث حور مفتوها الدين لينسجم مع نتائج الإنقلاب الدموي.
وبالتالي تكون حركة حماس قد خلقت نوعاً من الإرهاب الجسدي والنفسي الداخلي في أوساط المجتمع الفلسطيني لأنها بالأساس تمثل معارضة منهجية ضيقة تقوم في تربيتها الحزبية على إلغاء الاخر، ومحاطة بكثير من الجهل الذي يلطخ الدين ويشوه صورته، لأن السياسة بالنسبة لهم تعتمد على الديماغوجيا والإفتراء، بدليل ان حركة فتح بالنسبة لهم دائماً متهمة بالتواطؤ مع الإحتلال أو مع حلفائه مثل أمريكا، وما لم تعيد هذه الحركة مراجعة ذاتها في المجال التربوي، وتعود إلى رشدها الذي يجب أن يعتمد السياسة وفق أسس ديمقراطية، فإنها ستبقى تجرنا إلى مربع الإشتباك الداخلي الذي لا تستطيع العيش فكرياً بدونه.
إن إنهاء حدثاً مؤسساً ترتب عليه كل هذه التداعيات والنتائج عميقة الأثر، يجعل من الشكل الذي سينتهي به هذا الإنقلاب مرآه تعكس وجه وصورة النظام والمجتمع الفلسطيني سياسياً وثقافياً وإنسانياً، وهذا يعني أن المطلوب ليس إنهاء هذا الإنقلاب، بل إجتثاثه من جذوره وإستئصال الأسباب الكامنة في المجتمع والفكر السياسي الذي قاد إليه.
سيمونية: هي المتاجرة بالمقدسات بيع أو شراء الأشياء الروحية أو المقدسة بثمن زمني.
Sawsan Zuhdi Shaheen
Political Affairs Specialist
Mobile: 00972 (0) 599 759096
Jerusalem /Palestine
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/