إنهاء الحصار والـمصالحة الوطنية: من يسبق من ؟
هاني الـمصري
بعد مجزرة "أسطول الحرية" سقط الحصار الخانق على قطاع غزة، فبداية نهاية الحصار قد بدأت، إلاّ أنه بحاجة لوقت لكي يسقط عملياً.
الحصار لـم يحقق معظم أهدافه، فسلطة حماس لـم تسقط، ولـم يتم احتواء حركة حماس من خلال قبولها شروط اللجنة الرباعية الدولية، وفرضت نفسها كلاعب فلسطيني رئيسي، ولـم يتم إطلاق سراح جلعاد شاليت، ولـم تتوقف الفصائل الفلسطينية عن التزود بالسلاح والاستعداد للـمقاومة، رغم التزامها بوقف إطلاق النار دون اتفاق رسمي ومباشر، وعلى الرغم من إضعاف الحصار لحركة حماس وتراجع شعبيتها والحد من حرية حركتها في الضفة الغربية، فإن حركة التضامن الدولية الـمتعاظمة كسرت الحصار وجعلت إسرائيل تدفع ثمناً باهظاً جراء استمرار الحصار.
في ظل الواقع الجديد، انحنت إسرائيل أمام عاصفة الانتقادات الدولية، وتحاول بدعم من الولايات الـمتحدة الأميركية تخفيف الحصار وليس إنهاءه، من خلال وضع قائمة بالبضائع الـممنوع دخولها إلى قطاع غزة، بدلا من القائمة الـمسموح بدخولها والـمعمول بها حتى الآن، فإسرائيل تحاول مقايضة تخفيف الحصار بعدم تشكيل لجنة تحقيق دولية في مجزرة "أسطول الحرية"، وذلك عبر معادلة "الأمن مقابل الغذاء"، وتشكيل لجنة فحص إسرائيلية بمشاركة دولية منتقاة إسرائيلياً.
كما تحاول إسرائيل ــ وهذا هو الأخطر ــ أن تجعل مسألة إنهاء الحصار أو تخفيفه مقدمة لتكريس الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني، من خلال السعي إلى تحويله من انقسام مؤقت إلى انفصال دائم، فإسرائيل تحاول أن تفصل قطاع غزة نهائياً عن الضفة الغربية، من خلال عدم فتح الـمعابر بين القطاع وإسرائيل، والتركيز على فتح معبر رفح، وإيجاد ترتيبات جديدة تسمح بوصول السفن إلى ميناء غزة تحت إشراف ورقابة تشارك بها إسرائيل؛ بحجة منع تهريب السلاح أو كل ما يشكل تهديداً لإسرائيل.
إن الـممعن في الـمقترحات الإسرائيلية يرى أن الهدف منها هو تحسين شروط الحصار، ودفع قطاع غزة في حضن مصر بعيداً عن مسؤولية إسرائيل بوصفها الدولة الـمحتلة والـمسؤولة عنه أمام القانون الدولي، وبعيداً عن بقية الأراضي الفلسطينية الـمحتلة؛ لدفن خيار الدولة الفلسطينية وجعله مستحيل التحقيق.
وبالتالي يجب على جميع الأطراف الفلسطينية أن ترتقي إلى مستوى التحديات؛ لقطع الطريق على الأهداف الإسرائيلية، وتقديم كل ما يلزم من تنازلات لصالح الـمصلحة الوطنية، بما يسهل الاتفاق على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أساس برنامج القواسم الوطنية الـمشتركة.
إن الرد الناجع على مجزرة أسطول الحرية ومحاولات تعميق الانقسام الفلسطيني يتمثل بإنهاء الانقسام فوراً، وباستعادة الوحدة وإنهاء الحصار لا بتخفيفه، ويجب أن تسبق جهود الـمصالحة الوطنية الجهود الدولية الرامية لإنهاء الحصار، حتى لا يصبح ثمن إنهاء الحصار أغلى من بقائه، وحتى لا نجد أنفسنا أمام حصار آخر بصيغ جديدة.
يجب أن تتوفر النوايا الصادقة والإرادة اللازمة لإنهاء الانقسام وإنجاز الـمصالحة الوطنية، فمهما بلغت الخلافات الفلسطينية الفلسطينية التي تحول دون تحقيق الـمصالحة الوطنية، بما فيها ملاحظات حركة حماس وغيرها من الفصائل على ورقة الـمصالحة الـمصرية، فإن الأمر سهل
جداً إذا توفرت النوايا والإرادة الصادقة لإتمام الـمصالحة، فكل شيء صغيرا أكان أم كبيرا، وكل كلـمة أو جملة أو عائق تبقى شيئاً لا قيمة له اذا وضعت في كفة، ووضعت الـمصالحة الوطنية في الكفة الأخرى.
إن ما سبق يجب ألا يقود، كما يتصور البعض، إلى ضرورة أن يبقى الحصار، أو أن يزال بالتدريج لحين تحقيق الـمصالحة، وذلك للأسباب الآتية:
أولاــ إن الحصار عقوبة جماعية وجريمة حرب يحاسب عليها القانون الدولي، ويجب ملاحقة إسرائيل ومعاقبتها على هذه الجريمة مهما طال الزمن.
ثانياً ــ يعد التصور الذي يربط إزالة الحصار بإنجاز الـمصالحة الوطنية خشية تعميق الانقسام خطراً مضاعفاً؛ لأن استمرار الحصار بموافقة أو شبه موافقة أو بعدم معارضة أطراف فلسطينية وعربية، أو عدم قيامها ببذل كل جهد ممكن لإنهاء الحصار، فإن ذلك يساهم في تعميق الانقسام، ويضر بالـمصلحة الوطنية بصورة أخطر من إزالة الحصار دون تحقيق الـمصالحة الوطنية.
إن ما تريده إسرائيل ليس قدراً لا راد له، فالـمجتمع الدولي إن وجد موقفاً فلسطينياً وعربياً بالـمستوى الـمطلوب، لا يمكن له أن يدعم أو يتغاضى عن الـمخطط الإسرائيلي الرامي لفصل قطاع غزة عن باقي الأراضي الفلسطينية ورميه في حضن مصر، لقطع الطريق أمام قيام الدولة الفلسطينية الـمستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس على حدود 1967م.
إذا نجح الـمخطط الإسرائيلي فعلاً في فصل مصير قطاع غزة عن مصير بقية الاراضي الفلسطينية الـمحتلة، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الصراع وعدم الاستقرار، وفتح الـمجال أمام موجة جديدة من الحروب والدمار والـموت.
فلنعمل جميعاً على إزالة الحصار وإنهاء الانقسام؛ لأن هذين الهدفين يحققان الـمصلحة الوطنية، وإذا كانت الجهود جدية لإنهاء الانقسام فلا يفرق كثيراً من يسبق الـمصالحة أم إنهاء الحصار؟.
_________________
الحياة تمتلك ابتسامة رائعة ولكنها تبتسم بصعوبة فادعوها انت للابتسامة بابتسامتك