حيل بريئة في ظل الحصار :: أدباء قطاع
يستمر حصار قطاع غزة ولا شيء يثنيه عن سعيه ، او يرده الى خارج حدود القطاع ، بل الوقت سلاحه الذي يستخدمه لإتعاب المعافى ممن نجا منه طيلة الفترة السابقة ، وكان على كل شيء له أثر ، حتى الابداع والثقافة ، وحتى البراءة والفن ، الحصار الذي جفف الاسواق من الأوراق البيضاء ، وسل الحبر من أقلام المبدعين والمطابع ، وعلق الوقت على جدار صلب لا عقارب تتحرك ولا رمل يعبّر عن التغيير .
كتّاب قطاع غزة من شعراء وروائيين وقاصة ومسرحيين وخلافهم ، تأثروا سلبا من الحصار المفروض على منطقتهم الجغرافية ، حتى ألقى ظلاله على مناطق الابداع عند الكثيرين منهم ، و(أمد) العين التي تتجول في القطاع لترصد ما يحدث وما يجري ، وقف اليوم على هموم المبدعين الذين ضجروا مخطوطاتهم فدفعوا بها الى دور الطباعة والنشر في البلاد المجاورة :
الشاعرة دنيا الأمل اسماعيل وهي ناشطة إجتماعية ورئيسة جمعية المرأة المبدعة في قطاع غزة ، قالت لــ(أمد) :' أنا شخصيا ضد أن ينشر الكاتب نتاجه الأول خارج منطقته الجغرافية ، لأن نشر الكتاب خارج بيئة الكاتب يمنع عنه الكثير من الحراك الثقافي ، والتفاعلات الابداعية ، والثقافية التي من الممكن أن ينتجها ، ولكن للأسف الشديد نحن في قطاع غزة محاصرين ونعيش حالة من الافتقار للمكونات الاساسية للعمل الثقافي ، وما هو مؤسف حقا أن شطري الوطن في حالة انقسام ولا يلتقيان ، وهذا له أثره السلبي على الانتاج الابداعي ، لأن الحسابات الشخصية تدخل فيمن يصدر له ومن يؤجل النشر له وأخرون لا ينظر الى اعمالهم ، وهذا يسبب اعاقة حقيقية للنشر السلس للابداع المحلي '.
وتضيف اسماعيل :' لاحظنا بالفترة الماضية أن معظم الكتاب والكاتبات يلجئون للنشر خارج قطاع غزة ، وخارج فلسطين بشكل عام ، وهذا يعبر عن أزمتين ، أزمة تتعلق بالنشر في قطاع غزة ، وأزمة تتعلق بالمبدع نفسه ، وأن هناك غياب كامل للمؤسسات الثقافية ، وهنا أنا أحمل وزارة الثقافة الفلسطينية ، مسئولية تعطيل الحراك الثقافي ووأد نتاجه الابداعي في قطاع غزة ، بسبب تجاهل الوزارة والجهات الثقافية في رام الله ، لواقع المبدع اليوم في القطاع ، وصرف النظر عنه ، وعدم مساعدته للوقوف بوجه التحديات التي تواجهه ، سواء من الاحتلال والاعتداءات او من حالة الانقسام ، وللأسف الشديد الوزيرة تهاني ابو دقة كانت سلبية لأبعد الحدود في التعامل معنا كمثقفين في قطاع غزة ، رغم أنها قادمة من حزب تنويري ، إلا انها ليس لها أي علاقة بالثقافة والابداع ، وكانت سببا في تسطيح هموم المثقفين ، ولم تتناول قضاياهم كما يحتم عليها منصبها ، رغم أنها من غزة ومن منطقة مهمشة فيها هي منطقة خانيونس إلا انها عملت على تهميش المثقف في القطاع ، وحصرت اهتمامها في رام الله فقط '.
وأضافت الشاعرة دنيا الأمل اسماعيل لــ(أمد) :' نعترف أن جميع وزارات الثقافة السابقة كانت مقصرة بحق المثقفين والمبدعين إلا أنها حاولت مساندتهم وابراز دورهم ، واصدرت لهم بعض ابداعاتهم ، ولم تكن سلبية الى الدرجة التي عليها الآن وزارة الثقافة ، وعلى حد معلوماتي أن وزارة الثقافة منذ خمس او ست سنوات سابقة لم تنشر كتابا ابداعيا واحدا لأي مبدع في قطاع غزة ، مما اضطر المبدعين القادرين ماليا على طباعة كتبهم على حسابهم الخاص ، ومنهم من يزاحم في المسابقات الثقافية التي تنظمها جهات خارجية مثل مؤسسة القطان وتامر وغيرهما ، وهذه لها شروطها الضيقة ايضا وغير متوفرة عند الاغلب ' .
وختمت اسماعيل بقولها :' أن المبدع صاحب الانتاج الادبي والذي يرغب بطباعة ونشر ما كتبه ، ضحية وفريسة ثمينة عند تجار الثقافة الذين يوكلهم بطباعة كتبه في الخارج ، وغالبا ما يكون كتابه غير مطابق لذوقه والمواصفات التي وضعها قبل الطباعة ، وكنا نتمنى أن يكون الكاتب قادرا على طباعة كتبه في قطاع غزة ، إلا أن غلاء الاسعار وقلة المواد الاساسية للطباعة ، كانت مانعة قوية ومصرفة لوجهته بالطباعة المحلية ، وموجهة له لخارج الحدود التي لا يستطيع بالغالب تجاوزها ، فيخرج كتابه بعيدا عنه وهو لا يدري أكان مطابقا لما أراد ام غير مطابق وكثر من تفاجئوا بأن اشياء كثيرة منقوصة وأخطاء املائية ونحوية وتصنيفية محشوة في كتابه مما يرده الى منطقة الحسرة والندم '.
القاصة والشاعرة يسرا الخطيب والتي أصدرت مجموعتها القصصية الأولى في جمهورية مصر العربية ،عن دار شمس للنشر والتوزيع ، وهي تحت عنوان :' والبحر يعطش أحياناً' تقول لــ(أمد) :' لجأت الى الطباعة والنشر في مصر لانه المنفذ الوحيد لنا نحن مثقفو قطاع غزة ، ولأن الحصار فرض علينا واقع جديد كان لابد أن نكسر أهدافه بكسر أساليبه واستمرار الحياة وبأي جهد يطلب منا ، وجدت في مصر نافذة عريضة ، كي أصدر فيها صرختي الأولى وهي مجموعة قصصية ، نقلت في طياتها المعاناة والأماني واعطت رسما واقعيا لما يحدث في قطاع غزة ، وأظن أن قرار طباعتي في مصر كان ضرورة حتمية لي ، حتى لا أهمش ثقافيا وافقد الطريق من أوله ، رغم أن كثيرا من الملاحظات سجلتها على الطباعة ، بسبب بعدي عن دار النشر ، وكنت ملزمة أحيانا بقبول شروط الدار ، وحتى تعديلات ما قبل الطباعة لم اجدها بعد الصدور ، فكثيرة هي عيوب الطباعة عن بعد ، فعدم المتابعة والملاحظة بحضور الكاتب عند دار الطباعة لا تخرج المطبوع بالمواصفات المرجوة '.
وتضيف الخطيب :' غياب الرقابة على المطابع في قطاع غزة سببا لتهجير الكتّاب كتبهم الى مطابع الدول المجاورة ، كما أن ارتفاع الاسعارالتي وصلت الى حدود الخيال ، دفعت باتجاه الطباعة بالخارج ، وهناك الكثير من الاسباب التي تدفعتنا كمثقفين الى تهجير ابداعاتنا خارج حدودنا الجغرافية '.
وأضافت الخطيب لــ(أمد) :' لا اعذر اتحاد الكتاب من عدم حماية ابداعاتنا ، بل هو مقصر حتى في متابعة ابداعنا ، وكثيرا ما تقدمت بطلب العضوية للاتحاد وكان مصير طلبي التجاهل ، وكان عليهم من خلال خبرتهم على اقل تقديم توجيه من يريد أن يصدر كتابه الأول وتقديم النصح له ، قبل أن يجد نفسه ضحية دور نشر غريبة وبعيدة عن بيئته وواقعه '.
وقالت القاصة الخطيب :' هي المرة الأولى التي اصدر فيها مجموعة قصصية ، وكانت خارج قطاع غزة ، في المرة القادمة سأفكر كثيرا قبل أن اصدر كتابا لي ولن يكون في الخارج حتى ولو فرطت في صدوره ، فأنا لست راضية عن مجموعتي الاولى التي صدرت في مصر من حيث الطباعة ، فكثيرة هي الاخطاء التي تم تعديلها من قبلي والتي ارسلت للدار ولكنها لم تؤخذ بعين الاعتبار وصدرت المجموعة بعيوبها '.
ويبقى للحصار أنياب وظلال .. والوقت المصلوب على خط الانتظار لا ينتهي ، في قطاع غزة الكل ضحايا ...
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/