المساجد تشكو روائح المصلين ورنات الجوال وسرقة النعال
العرب القطرية
الدوحة – هدى منير العمر
من الوارد أن يدخل المصلي للمسجد بكامل حلته ويخرج منه مفتقداً لنعله الذي
أودعه في أحد الأرفف المخصصة له على المدخل، وكما يتبع كل صلاة دعوة خاشعة
أو سجدة نوافل أو تلاوة عطرة من آيات الله البينات قد يتبع أيضاً صلاة
البعض موقف كهذا يفقده أجر ما عمل من ثواب وما أبلاه من بلاء حسن داخل
المسجد في حال لم يتمالك أعصابه من شدة انفعاله العصبي، والذي يترجمه
أحياناً بالشتم واللعن على ما حل به من أصحاب النفوس الضعيفة، ليس لقيمة
الحذاء لكن لأهميته التي لا يُستغنى عنها ولو بمقدار خطوة.
التعرض لسرقة الأحذية بعد أداء الصلاة في بيوت الله قد تكون مجرد خاتمة
لمسلسلٍ من المعاناة التي تحجب الصلة بين العبد وربه، وبدلاً من أن تكون
المساجد مكانا للتعبد والخشوع تصبح بفضل قلة من مرتاديها مكانا خانقاً
بروائحهم الكريهة وثيابهم المتسخة، فقد يشير الحظ السيئ على بعض المصلين
ليورطه بشخصٍ مجاور عن يمينه أو شماله تفوح منه رائحة العرق أو نفس الفم
النفاث برائحة الثوم أو البصل على سبيل المثال أو إدمان التدخين، وقد ينثر
آخر رذاذ عطساته المتكررة في محيط المسجد المليء بالمصلين، هذا عدا
الأصوات المزعجة الصادرة عن الأجهزة النقالة المفتوحة لدى البعض، ومنها
نغمات لأغان صاخبة.
روائح كهبة الإعصار
شهر رمضان الكريم ذلك الشهر الذي تكتظ به بيوت الله بالمصلين تقربا لله
تعالى، فمن المفترض أن تُذلل كل السبل التي تساعد على أداء الصلاة وقراءة
القرآن بخشوع تام واندماج روحاني لا يعكره لذة من ملذات الدنيا وملهياتها
في تلك الليالي الفضيلة، ومثلها أيام الجمعة وسائر الأيام على العموم، لكن
ما قد يطرأ على المساجد من أجواء يجلبها بعض المصلين تنقل الآخرين إلى
بيئة منافية لما هو متوقع كما يقول أبو أحمد (تاجر) الذي يؤكد أن شهر
رمضان تكثر فيه تلك المنغصات على المصلين في المسجد بحكم ازدحامها، ويشرح
بالقول: «بلا مبالغة يعد شهر رمضان وللأسف أكثر الأشهر التي يكون فيها
المسجد مكانا لارتفاع الضغط بسبب بعض الناس غير المبالين فيدخلون بيوت
الله وكأنهم يدخلون على غرفهم الخاصة كما يبدو من ثيابهم التي أعتبرها غير
لائقة بحجة البساطة أو أنها أكثر عملية من غيرها، فنرى شخصاً بثوب
«متجعلك» أو متسخ أو ببذلة رياضة أشبه بلباس النوم، فلو يحترم هؤلاء وجه
ربهم الذي يتعبدون له ما كانوا ليسمحوا لأنفسهم بالمجيء بهذه الهيئة
المزرية».
أما تلك الروائح التي تنبعث من بعض المصلين فهي كفيلة بأن تخنق من
يستنشقها غصباً على حد تعبير أبو أحمد، ويوضح «العياذ بالله من الروائح
التي تفوح من البعض كهبة الإعصار من قوتها، وكأن الواحد منهم لم يستحم منذ
شهر من شدة رائحة العرق المزعجة والتي يستحيل معها أن تخشع في صلاتك لو
تورطت بمجاورة شخص من هذا النوع، والمشكلة أن تغيير المكان صعب عقب البدء
بصلاة الجماعة خصوصاً مع زحمة المكان، ويستحيل أيضاً أن نوجه لهم ملاحظة
من هذا النوع منعاً للإحراج أو المشاكل، والمكان لا يسمح بهذا من الأساس،
طبعا هذا بخلاف رائحة الأقدام والأفواه، وهو نفس الحال في صلاة الجمعة لكن
ليس بقدر صلاة التراويح والسبب ليس لكثرة الازدحام فحسب، بل لطول الوقت
خصوصاً لو كان الإمام ممن يحب الإطالة في قراءة القرآن أثناء الصلاة».
«تقبل الله» لكنك الآن حافٍ!
أما للبحث عن الأحذية وسط زحمة المكان عقب أداء الصلاة فمشهد آخر يزيده
هماً عند من يفقد حذاءه أو نعله، وما لهذا تفسير سوى السرقة وفقاً ليوسف
الشقدان (أبو غيث) «أذكر أنني تعرضت لسرقة حذائي حوالي مرتين، وهي عموما
لا تعتبر ظاهرة كبيرة مقارنة بالبلدان الأخرى التي زرتها ومنها بلدي الذي
فيه هذا الأمر أكثر من طبيعي، وأصبحنا هناك نحسب حساب حذاء آخر في
السيارة، ونتعمد أن نذهب للمسجد بأحذية رخيصة الثمن، فحتى الحرامي في تلك
البلاد يميز بين الحذاء الماركة والرخيص» قالها ضاحكا وتابع «وكان كل من
يسرق نعله يضطر لأن يرتدي أي حذاء يراه أمامه ليستطيع المشي، فنجد حينها
العشرات يقفون على باب المسجد عاجزين عن التصرف لما فقدوه».
ويشرح أبو غيث عن المساجد المحلية بالقول «في مساجد قطر الأمر أكثر
أماناً، فرغم أني سمعت من البعض تعرضهم لسرقة الأحذية فإن الأمر لا يعد
ظاهرة بارزة إلى ذلك الحد، بل هو نادر والحمد لله، فحدثت معي قبل 12 سنة
والأخرى قبل سنة تقريباً، وأذكر الحادثة الأولى تماما لأنني بالفعل تورطت
حينها واضطررت لأن أمشي حافيا إلى سيارتي والمشكلة التي صادفتني أنني ما
كنت لأتخيل شدة حرارة الأسفلت في الصيف فقد سلخت قاع قدمي من شدة حرارتها
لدرجة أنها حرقتني والمسافة عن السيارة ما كانت بسيطة وطوال سيري كنت أصرخ
وأتوجع، إلى أن انتبه لي أحد أولاد الحلال وحاول رفعي لكن بكل الأحوال كنت
قد وصلت سيارتي».
صفوف السيدات أرحم
«مساجد الدوحة بوجه عام نظيفة ولا ينقصها شيء وإن كانت بعض المناطق تحتاج
لمساجد أوسع فقط، ومسألة النظافة الشخصية مشكلة لا يمكن حلها فهي ترجع
للشخص نفسه، وعموما صفوف النساء ليس كالرجال بحكم قلة الازدحام والضغط،
وبالتالي لا نواجه مثل هذه المنغصات كثيرا، بل بالعكس بعض السيدات يبالغن
في مظهرهن حتى أثناء الصلاة، ورغم ذلك نشتم هذه الروائح المعكرة لصفو
الخشوع في رمضان خصوصا من بعض كبيرات السن، أما الحمامات فبوجه عام ليست
بسيئة لذلك الحد» تقول السيدة أم محمد (ربة بيت) حول حال الجهات المخصصة
للسيدات في المساجد، وتضيف عن تلك الإزعاجات بالقول «بنظري يوجد أمور أخرى
تزعج المصلين أحيانا كأصوات رنات الهواتف المحمولة، فينسى البعض إغلاق
هاتفه أو وضعه على الصامت، هذه من ناحية، أما مسالة سرقة أحذية النساء
فأعتقد أنها نادرة مقارنة بالرجال فلم أسمع أو أر واحدة قد فقدت حذاءها
بعد الصلاة في المسجد لكن عند الرجال سمعنا تعرض البعض للسرقة لكن ليس
لذلك الحد اللافت، وبنظري قد لا تقتصر السرقة فقط على الأحذية، فبعض
السراق يراقبون حركة الأشخاص الداخلين للمسجد، وأثناء الصلاة يسرقون ما
بسياراتهم، وهذه حدثت مع والدي الذي اعتاد ترك هاتفه المحمول بالسيارة
وبالخطأ ترك ذات مرة نافذة سيارته مفتوحة فسُرق جواله، وهذا دليل أن تواجد
السراق وارد حول المسجد وأثناء قيام الناس للصلاة للأسف الشديد».
أطفال مقابل العطس والتجشؤ!
أكثر ما يزعج أبو صلاح (موظف في إحدى الشركات) من بين تلك التصرفات أصوات
الأطفال الذين يحضرون مع أولياء أمورهم، ورغم إيمانه بأهمية تعويد الأبناء
منذ الصغر على الصلاة فإنه يعترض على إحضار الأطفال ما دون الأربع أو
الثلاث سنوات، ويضيف «أحيانا ووسط الصلاة نسمع صراخ الأطفال أو لعبهم في
باحة المسجد، وهذا لا يجوز، فمن يرغب بإحضار ابنه يجب أن يكون في سن
يستوعب أو يقبل الالتزام والوقوف مع المصلين أو يجلس هادئاً».
أما عن عدم التزام بعض المصلين بآداب المسجد يقول أبوصلاح «والله بالفعل
هناك الكثير ممن لا يحترمون بيوت الله المقدسة، وينسون أن لها آدابها،
فبالإضافة إلى هؤلاء الذين لا يستحمون قبل دخول المسجد للتخلص من روائحهم
الكريهة قد تسمع أحدهم يتجشأ بصوت مرتفع وكأنه يجلس وحده في المكان، وأكثر
ما يضايقني أيضا هؤلاء الذين يأتون وهم مرضى، فترى أحدهم يعطس إلى جانبك
وبصوت مرتفع، فكنا نخاف كثيرا من هذا الأمر، خصوصاً فترة انتشار إنفلونزا
الخنازير».
آداب دخول المسجد شرعاً
في محاولة للحصول على الموافقة من قسم العلاقات العامة بالأوقاف للتحدث مع
القسم المختص بنظافة المساجد، لم يجب على اتصال «العرب» من يمكنه إفادتنا
في هذا الشأن، لكن من الناحية الشرعية وتعقيبا على هذا الموضوع يتحدث د.
علي بن حسن جمال إمام وخطيب جامع آل سعد لـ «العرب» عن آداب الدخول إلى
المسجد فيقول: «كما لا يخفى أن المساجد هي بيوت الله تعالى، وهي أحب
البقاع إلى الله لأنها بنيت لعبادة الله تعالى، ومن أحب الله تعالى أحب
بيوته، وأكثر من زيارته لها، فقال الله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ
لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدا} ومن هنا كان لهذه المساجد
حرمة عند الله تعالى ولها آداب يجب على المسلم أن يلتزم بها، ومما يأسف له
الإنسان أن يجد تقصيرا كبيرا عند البعض بحقوق المساجد، وحقوق المصلين فيها
فيشكل البعض مصدرا للإيذاء والإزعاج لكثير من عباد الله القاصدين لهذه
المساجد ولا حول ولا قوة إلا بالله».
ومن وسائل هذا الإيذاء يذكرها جمال «خروج الروائح الكريهة من بعض المصلين
والتي يتأذى منها المصلون بل وتتأذى منها ملائكة الله تعالى كما بين النبي
صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان من الأهمية بمكان أن يجتنب الإنسان تناول
الروائح الكريهة قبل ذهابه إلى المسجد، كالثوم والبصل وما يقوم مقامها
كالدخان مثلا، وما يشابه ذلك من المواد التي يسبب تناولها روائح كريهة،
فقال العلماء: «ويلحق بالثوم والبصل كل ما له رائحة كريهة من المأكولات
وغيرها». والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك فعن جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ الله -رَضي الله عَنْهُمَا عَنِ النَّبي-صَلَّى الله عَلَيْهِ
وَسَلمَ- قالَ: (مَنْ أكَل ثوما أوْ بَصَلا فَلْيَعْتَزِلنا - أوْ
ليعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا- ليْقْعُدْ في بَيتهِ) رواه البخاري ومسلم».
وأما بالنسبة للروائح التي تصدر من أجساد بعض المصلين كالعرق وغيره
فيتابع: «لا شك أن هذا ينافي النظافة والتجمل المأمور بها المسلم عند
ذهابه إلى المساجد لا سيما إذا استشعر أنه ذاهب للقاء ربه سبحانه وتعالى
حيث يقول الله تعالى {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} وكم يحزن
الإنسان عندما يرى أناساً يأتون إلى المساجد للقاء ربهم جل وعلا، والبعض
منهم يلبس قميص نوم أو بدلة رياضية أو ما إلى ذلك –ما لم يكن مضطرا لذلك-
في حين يذهب إلى عمله وعليه أحسن الثياب».
«وأما بالنسبة لرفع الأصوات في المساجد فيجب أن نعلم أنه يحرم رفع الصوت
في المسجد على وجه يشوش على المصلين ولو بقراءة القرآن إن كان في ذلك
إيذاء أو تشويش على الآخرين، ويستثنى من ذلك دروس العلم، فعن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه قال: «اعتكف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في
المسجد فسمعهم يجهرون بالقرآن فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا
يؤذين بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة».
{صحيح أبي داود- للألباني} وهذا النهي وقع عندما رفع المصلون أصواتهم
بالذكر والقرآن فكيف إذا كان بكلام فيه ما فيه من الحرمة والتشويش» يقول
الشيخ جمال حول رفع الصوت داخل المسجد وإن كان في قراءة القرآن.
وفيما يتعلق بمسألة إحضار الأطفال إلى المسجد يفيد «فإن إحضار الأطفال
الصغار إلى المساجد أمر في أصله مشروع ولقد كان وجود الأطفال في المسجد
وإحضارهم معهودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كما دلت على ذلك الأدلة
الصحيحة، فقد كَانَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُصَلِّي وَهُوَ
حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وآله وسلم فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا (متفق عليه).
وعن أبي بكرة قال رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى
الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ
عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ (إِنَّ ابْنِي هَذَا
سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ
عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) رواه البخاري. فهذه الأحاديث وغيرها
تدل على أن الصبيان كان يؤتى بهم إلى المسجد في زمن رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وفي إحضارهم إلى المسجد فوائد كثيرة، منها: تعليمهم الصلاة،
وتعليمهم كتاب الله عز وجل، وحضورهم حلقات العلم، وتأدبهم بالآداب
الإسلامية وغير ذلك من الفوائد. ولكن ينبغي للآباء أن يحُوطُوهم بالعناية
والإرشاد، لكي لا يكونوا سببا في التشويش على المصلين، وأما إذا كانوا
سببا للتشويش على المصلين والعبث بالمسجد وممتلكاته وكانوا مع ذلك لا
يأتمرون بأمر، ولا ينتهون عن نهي، فلا يجوز إحضارهم إلى المسجد حينئذ، لما
يترتب على إحضارهم من هذه المفاسد، ولربما بال أحدهم في المسجد أو مزق
المصاحف أو ما إلى ذلك من هذه الأفعال».
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/