-فاطمة الزهراء العويني
"كلب
شرس" إذا ربطه الإنسان بالسلسلة أمن شره، هكذا يصف الأطباء، مرض السكري،
الذي يكاد يصبح كالوباء في عالمنا العربي، فلا تكاد تخلو أسرة منه.
صحيفة "فلسطين" تناولت هذا المرض، في تقارير سابقة، كما أفردت له عدة
صفحات عبر خدمة " استشارات"، لكنها اليوم تناقش مشكلة "مضاعفات المرض"
الخطيرة، والتي تفتك بالكثيرين ممن يهملون المرض، ولا يلتزمون بتعليمات
الطبيب، حيث تحول حياتهم إلى جحيم، بعد أن تسلب منهم أعز ما يملكون
"البصر، والقلب، والأطراف، والكلى و(..) وأشياء أخرى كثيرة.
بتر الأطرافلم تتوقف معاناة السيدة الستينية "أم على المدهون " المصابة بمرض
السكري منذ سنوات عديدة، عند قيام الأطباء ببتر أربعة من أصابع قدمها، بل
واصل المرض تمدده وأصابها بالفشل الكلوي .
المدهون، التي لم تستطع التعايش مع "الضيف المقيم داخلها"، -والذي
أغضبه إهمالها لتعليمات الطبيب، وعدم التزامها بالحمية-لا تزال تعاني من
مضاعفات المرض، حيث دفعها الألم الشديد الذي أصابها إلى أن تطلب من
الأطباء بتر قدمها أيضا لإراحتها من الألم، ليتطور الأمر في النهاية إلى
فقدانها الإحساس في أطرافها الأربعة .
وفي ذات السياق يقول أبو أحمد الحيلة "45عاما "،:"أصبت بمرض السكر منذ
عدة سنوات، فلم ألتزم بتعليمات الطبيب ولا بالحمية الغذائية التي وصفها
لي، ويا ليتني لم أفعل !".
وأضاف :" أصبت ب"الغرغرينا " في ساقي مما اضطر الأطباء إلى بترها ،
مما جعلني مقعداً لا أستطيع الحركة ، ولم يتوقف الأمر عند ذلك ، فأصبت
بالتهاب في الكبد ، واليوم أعض أصابعي ندماً على عدم التزامي بالتعليمات
الطبية ولكن بعد فوات الأوان !".
تلف الشبكيةأما أم محمد بارود أصيبت بالسكري منذ 19 عاما، حدثتنا عن معاناتها مع
مرض السكري بالقول :" حدثت عندي مضاعفات للمرض أدت إلى تلف شبكية العين
لدي وأصبح بصري ضعيفا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد أصبت بانسداد في
شرايين القلب، اضطررت إثرها لإجراء عملية قسطرة للقلب واستبدال للشرايين،
وما زلت أعاني من هذه الآثار حتى اللحظة ".
يتسبب
مرض السكري بمضاعفات صحية قد تصيب أكثر من جهاز في الجسم وأهم هذه
المضاعفات تلف الشبكية والجلطات الدماغية والقلبية واعتلال الأعصاب
الطرفية و الفشل الكلوي والقدم السكرية ويؤكد الأطباء أن ممارسة التمارين
الرياضية والحمية الغذائية والالتزام بالعلاج من أفضل سبل الوقاية
ربما ما زال أصحاب الحالات السابقة يتذوقون مرارة مضاعفات السكري،
والخشية من أن يكون مصيرهم كآخرين كانت مضاعفات " السكري " سبباً في
وفاتهم، التقينا بسمر التي توفيت جدتها "أم حسين نصر " بعد معاناة مع مرض
السكري لمدة خمسة عشر عاما ، فتطور المرض لتصاب بتلف في شبكية العين ، ثم
بجرح بسيط في قدمها أهملته ، مما أدى إلى بتر ساقها بداية من تحت الركبة
ثم لاحقا من فوق الركبة ، وعاشت بعدها تصارع الخوف من احتمال بتر ساقها
الثانية إلى أن توفيت .
جلطةأما علا فتحدثنا عن خالها أبو ماجد الشوبكي الذي ظل يصارع مرض السكري
لمدة ثلاث سنوات ، لم يكن خلالها يلتزم بالحمية الغذائية وكان يأكل كل شئ
دون مراعاة للممنوعات ، فأصيب بجلطة في القلب جراء ارتفاع مفاجئ للسكر في
دمه ، مما أدى إلى وفاته فورا دون أن ينقل حتى للمستشفى .
أما أحمد فروى لنا معاناة جده "أبو بشير عليان " الذي توفي بعد إصابته
بالسكري لمدة عشر سنوات ، فكانت بداية النهاية عنده عندما أصيب بجرح بسيط
في أًصبع قدمه لينقل بعدها إلى المستشفى مصاباً بالغرغرينة مما اضطر
الأطباء إلى بتر إصبع قدمه ، ثم فقد البصر في عينه اليسرى ، ليرتفع عليه
السكر ويموت جراء جلطة دماغية أصابته .
حادة ثم مزمنةرئيس قسم الغدد الصماء والسكري بمستشفى الشفاء د.سامي العيسوي أشار
إلى أن هناك نوعين من المضاعفات لمرض السكري (حادة ومزمنة) ، مشيراً إلى
أن المضاعفات الحادة تتمثل في انخفاض شديد في مستوى السكر أو ارتفاع في
مستوى السكر مما يؤدي إلى حدوث الحماض الكيتوني لمرضى النوع الأول من
السكري نتيجة نقص الأنسولين في الجسم، وغيبوبة الضغط الأسموزي الناتجة عن
ارتفاع مستوى الغلوكوز في الدم لمرضى النوع الثاني من السكر .
أما المضاعفات المزمنة فتتمثل في عدة أمور، منها تأثير السكري على
العيون بما يؤدي إلى اعتلال شبكية العين ، قائلا :" السكري سبب رئيسي
لفقدان البصر فإهمال العلاج سواء في النوع الأول أو الثاني لفترة طويلة مع
عدم تنظيم السكر يؤدي إلى تلف شبكية العين ".
وأضاف العيسوي :"كما يؤثر السكري على الأعصاب والكلى والقلب والشرايين
والأوعية الدموية الصغيرة والكبيرة ، وقد يؤدي إلى إصابة المريض بجلطات
دماغية وقلبية واعتلال الأعصاب الطرفية و الفشل الكلوي والقدم السكرية ".
الوقايةوأكد د.العيسوي أنه يمكن للمريض وقاية نفسه من حدوث مضاعفات السكري،
عن طريق تنظيم السكر بصورة جيدة والالتزام بالعلاجات التي يصفها له الطبيب
والالتزام بالحمية الغذائية وممارسة الرياضة والمراجعة الدورية وفحص العين
والكلى والأعصاب بانتظام .
وعن العلاقة بين (السكري ) وضغط الدم ، قال د.العيسوي :" حتى المصابين
بالسكر الذين لا يعانون من أمراض مرتبطة بضغط الدم ، نعطيهم أدوية لها
علاقة بضغط الدم لأن السكر يؤثر على الكلى ويؤدي إلى الفشل الكلوي، فمريض
السكر غالبا ما يصبح عنده ضغط أما المصاب بالضغط فليس بالضرورة أن يصاب
بالسكري، فالضغط لا يؤدي للسكر لكن السكر يؤدي إلى الضغط ".
وتابع :"إذا حافظ الإنسان على مستويات طبيعية للسكري فإنه يمكنه أن
يتعايش معه دون أي مشاكل لكن إذا أهمل فيه ممكن أن يؤدي إلى حدوث مضاعفات
".
الوعي بالمرض !وأشار العيسوي إلى ضرورة اعتناء المريض بنفسه عند إصابته بأي جرح –ولو
كان بسيطاً -أو أي مشكلة في القدم ، حتى لا يصاب المريض بالقدم السكرية .
وأشار إلى وجود جهل صحي لدى المصابين بالسكري في القطاع لعدم وجود
تثقيف صحي، مشيراً إلى أن المريض قد يستمع لمريض آخر ويأخذ منه وصفات
لعلاجات أو أعشاب مما يتسبب له بالمشاكل وقد يؤدي إلى حدوث مضاعفات حادة
قد تنقلب إلى مزمنة، مستدركاً بالقول :" لكن الالتزام بالوصفات الطبية
يمنع حدوث مضاعفات خطيرة ".
وأضاف :"أصاب بالصدمة عندما يأتيني مريض مصاب بالسكري منذ عشرين عاماً
ليسألني ماذا آكل ؟ (...) ما أود أن أؤكد عليه أن المريض هو المداوي لنفسه
أكثر من الطبيب فالطبيب مرشد وليس معالجاً".
وتابع :" يجب أن يكون عند المريض وعي بطبيعة المرض وأن يحافظ على
تناول العلاج ، خاصة الأنسولين وعدم استبداله بالأعشاب التي هي عامل مساعد
للعلاج وليس العلاج الرئيسي والالتزام بممارسة الرياضة والحمية الغذائية
لوقاية نفسه من المضاعفات ".