قصة الجاسوسة الفاتنة الحسناء التي أرسلتها المخابرات الأمريكية لاغتيال
كاسترو
اسم الكاتب : د . سمير محمود قديح فى نهاية العام 2002 عقدت المحاكمة للفتاة
الأمريكية 'اّن بيليه مونتيز' بتهمة التجسس على الولايات المتحدة الأمريكية
لصالح كوبا ، حيث كان عملها بالاستخبارات العسكرية الأمريكية، والمعروفة
بالترميز d i a 'وكالةاستخبارات الدفاع...,, تلك الوكالة التى استحدثت على
يد وزير الدفاع الأمريكى روبرت ماكنامار فى العام 1961، والتى أنيط بها
الاستخبار عن وحدات الجيش، والبحريةواللطيران..، تلك الوكالة التى تبتلع
الجزء الأكبر من ميزانية الأمن القومى الأمريكى..، وتعد فى اختصاصها
العسكرى المنافس الأقوى من بين الوكالات الأخرى العديدة لوكالة الاستخبارات
الأمريكية c.i.a ..,,فى المحكمة قالت الاّنسة'اّن مونتيز ' معترفة على
نفسها:
نعم ..لقد تجسست لصالح كوبا، ولقد قمت بهذا العمل نتيجة
التزام أخلاقى، وماهو فى ضميرى ، واعتقادى بأن سياسة الحكومة الأمريكية
تجاه كوبا، غير عادلة..!! فقد تم فرض الحصار عليها من قبل أمريكا مايقارب
الأربعين سنة..,,
ومن منظور ماقالته اّن مونتيز، عن شخصية الرئيس الكوبى
فيدل كاسترو ' هذا الزعيم الذى حيكت له العديد من المؤامرات لاغتياله،
بواسطة جهازالاستخبارات الأمريكى ، وفى كل مرة ينجو منها، وذلك بفضل ماتمتع
به من فطنة، الى جوار اسناد أمنه الشخصى الى مجموعة من أكفأ رجال
استخباراته،والذين كانوا على يقين تام وكل لحظة، مدى رغبة الولايات المتحدة
الأمريكية فى تصفية الرجل ونظامه....,, ففيدلكاسترو المولود فى العام 1927
، من أصول اسبانية، قد حصل على اجازة الحقوق من جامعة هافانا، وعمل بها
محاميا، ثم أكمل دراسته فى الاقتصاد والعلوم السياسية ، الى أن نجح فى
الحصول على درجة الدكتوراة فى العام 1950،ولكن مهنة المحاماة كانت هاجسه
الوحيد، خاصة اذ عرفنا أنه كان يترافع دائما فى قضايا الفقراء ضد
الاقطاعيين الأثرياء، وكان ينتصر لهم..،، وقد ظل هكذا الى أن نال عضوية
البرلمان الكوبى..، ولشخصيته الثورية، فقد تم نفيه الى المكسيك، ومنها سافر
الى نيو يورك، مجمعا حوله العديد من المهاجرين والثائرين أمثاله، الى أن
عاد سرا الى هافانا،مواصلا نضاله الثورى ضد الحكم الديكتاتورىة فى بلاده
اّنذاك، الى أن تنجح ثورته تماما فى العام 1959، معلنا برنامجا يقوم على
الأسس الماركسية وذلك فى صدد تطوير الاقتصاد الكوبى المنهار' . كل هذا أوغر
صدر السياسة الأمريكية عليه، فبدأت تحاك ضده المؤامرات كما أشرنا فى
السابق ..,,وعلى لسان سناتور أمريكى هو جورج ماكجفرن ومن خلال حديث هذا
السيناتور مع فيدل كاسترو نفسه، نجد أن فيدل كاسترو عدد للسيناتور الأمريكى
حوالى 24محاولة لاغتياله، كانت من بينها المحاولة التى تمت فى يوم
22/11/1963 وهو يوم اغتيال الرئيس الأمريكى جون كيندى فى لاس دالاس، وذلك
بمحاولة تقديم قلما' مسموما' الى كاسترو بواسطة أحد ضباط الcia عن طريق أحد
العملاء الكوبيين.. و هنالك محاولات لاتخلو من مجرد تحطيم الهيبة أمام
شعبه وبنى جلدته،ومنها محاولة تعفير حذائه وثيابه بغبار يؤدى الى سقوط سريع
لشعر لحيته..!!الا أن هذه المحاولات قد باءت كما ذكرنا بالفشل،،مما دعا
الاستخبارات الأمريكية الى الاعتماد على النساء فى سبيل الوصول الى أدق
أسرار حياته، ومن ثم وضع الخطة المحكمة التى تؤدى الى تصفيته تماما'..,,وقد
كان، اذ وضعوا فى طريقه الجاسوسة الفاتنة الحسناء الألمانية'ماريالورنز'،
وبالفعل فقد أحبها كاسترو، بل جعلها تعمل كمترجمة بمكتبه، وأنزلها معه بنفس
جناحه بفندق هيلتون ، حيث كان يعيش بالطابق الرابع والعشرين.,,. من خلال
هذا ، فقد تمكنت ماريا لورنز من الاستيلاء على العديد من الوثائق
والمستندات الهامة،والتى كان بينها بالقطع خرائط مفصلة للمواقع السرية التى
نصبت بها الصواريخ السوفيتية فى كوبا، والتى أحدثت الأزمة الشهيرة بين
القطبين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة الأمريكية ،والتى عرفت
تاريخيا' باسم أزمة الصواريخ ,,.من أخبار هذه المحاولات العديدة لاغتيال
فيدل كاسترو الرئيس الكوبى ، فقد نشأ الاعجاب به لدى الأمريكية 'اّن بيليه
مونتيز' المولودة فى فبراير من العام 1957 بقاعدة نورينبرج العسكرية
بألمانيا، كون والدها كان يعمل طبيبا' نفسيا' بالجيش الأمريكى، ثم انتقلت
مع عائلتها الى أمريكا بعد استقالة والدها، مفتتحا' عيادة فى 'بلتيمور'
شمال واشنطن،هى الابنة لأسرة ميسورة الحال، والتى أتيح لها الحصول على
تعليم راقى، الى جانب التمسك بالأصول والعادات اللاتينية القديمة..,,,
ومتأثرةبهذه التربية ، انتقلت اّن مونتيز للدراسة بجامعة فرجينيا العام
1977، ثم تخرجت منها العام 1979..، وقد حصلت على درجة البكالوريوس فى
الشئون الخارجية..، انتقلت بعدها الى واشنجتن العام 1982، ملتحقة بجامعة'
جون هوبكنز' فى سبيل الحصول على درجة الماجستير، وقد تناولت رسالتها فى هذه
الفترة على السياسة الخارجية الأمريكية بالتخصص، ومنها انتقلت الى العمل
بوكالة الاستخبارات العسكريةdia كمحللة لشئون 'نيكاراجوا'.، وكان هذا فى
العام 1985تحديدا'...,,وعلى مايبدو فقد أحبت فى هذا العام أيضا' الشاب
الكوبى مجهول التعريف، حيث لم تشر اليه اّن مونتيز لامن قريب ولا من
بعيد..!!
فأكثر الأصوات ، يالاستخبارات الأمريكية تذهب الى القول
بأن اّن مونتيز وقعت تحت تأثير عاطفى من شاب كوبى، وهو الذى دفعها
للالتحاق بالعمل فى قلب المخابرات العسكرية الأمريكية، وقد أمدته هى بكل ما
وقع بين يديها من أخبار وأسرار ومعلومات ، بدافع الحب أولا'، وايمانها
بقضية الكوبيينثانيا'، ومفسرين ذلك بالنظر الى نوعية التدريبات التى تلقتها
اّن مونتيز،فقد كانت كلها تدريبات استخباراتية تتبع الأسلوب الكوبى فى
التجسس، وهو الأمر الذى يؤكد بالقطع بأن ثمة عملية استخباراتية موبية ناجحة
بالقطع تمت بواسطة الفتاة تحت دعوى الحب، فمن بعدها كانت الأسرار
المخابراتية الأمريكية تتسرب بلا حوائط صد الى هافانا ...!!فى التخليل
الشخصى لاّن بيليه مونتيز، نجد أنها كانت من النوع الصموت حتى مع أعز
صديقاتها، الأمر الذى جعلها على الدوام مصدر ثقة لمن يتعامل معها، حتى فى
فترة العمل كان هذا هو الاطار الذى رسم شخصيتها مع رؤسائها، وهو الأمر الذى
أتاح لها توفير ميزة أخرى لها فى عملها، اذ كان مسموحا' لها وعن طريق
شبكات الكمبيوتر أن تدخل وتطلع على ملفات مايقارب الستين
جهازا'للاستخبارات، بشقيها المدنى والعسكرى، والتى كلها متصلة بخيط من
السرية بعضها ببعض...,,عموما'، فان أحد المسئولين الأمريكيين قد
قال: أنمونيز أبدت تعاونا' تاما' مع المحققين ، وقد تم الكشف عن كثير من
خطوط عملها السرى لصالح كوبا، الا نقطة واحدة ظلت مبهمة' تماما'، وهى : هل
كان عملها نابع من ايدلوجيتها هى ، فجاء طواعية منها لخدمة كوبا..؟، أم كان
عملها التجسس على الولايات المتحدة الأمريكية قد جاء لسبب اّخر غير
مفهوم..؟ أم جاء تجنيدها وفقا' لخطة موضوعة من الاستخبارات الكوبية عندما
لمسوا تعاطفها مع قضيتهم؟ لكن يعود هذا المسئول ليؤكد ان الأمر لايخرج عن
كونه عاطفيا'...!!وهذا هو لب القضية ، قضية تجسس اّن بيليه مونتيز التى
تختلف عن غيرها من قضايا هذه النوعية فى جهل السبب الذي دفعها للتجسس لصالح
قومية أخرى غير قومية الولايات المتحدة الأمريكية..., فقد كانت اّن مونتيز
تريد أن تثبت للمحكمة مرارا' وتكرارا' بأن تجسسها لصالح كوبا كان لأسباب
أيدلوجية بحتة، وقد دللت على ذلك بأنها لم تتلق أى مقابل مادى عن عملها
هذا، من هنا كانت قضية اّن مونتيز مثيرة للجدل الى حد كبير،فهى ان أخضعت
للتحليلات والبحث فى الدوافع والأسباب التى جعلتها تسلك هذا المسلك، لكان
الأمر غريبا' فى مثل هذه القضايا، كونها لم تكن واقعة تحت أى تأثير يلجأها
للقيام بذلك، فما من تهديدات ولاضغوط نفسية مورست عليها، كذلك فقد جاء
تعاونها مع كوبا خاليا' من دليل واحد على تقاضيها أى أموال مقابل ماقامت
به، وكذلك لنا أن نستبعد من خاطرنا أن الموضوع له علاقة بالجنس اطلاقا'..,,
ومامن سبيل الا الى اللجوء الى ماقالته اّن مونتيز
وتبنيه كسبب، وهو أن تجسسها هو أيدولوجى بحت لتعاطفها مع الشعب الكوبى فى
قضاياهم، بالخلفية التى رسمتها شخصية المناضل فيدل كاسترو بذهنها..,,أم
ماذا عن كم المعلومات والأسرار التى نجحت اّن مونتيز فى نقلها الى الجانب
الكوبى، فلنا أن نمر على أهل الأمر فى ذلك، فقد قال 'ديفيد ميجر' أحد
الضباط بمكتب التحقيقات الفيدرالية ، ونائب رئيس مركز الأ‘بحاث ودراسات
الأمن ومكافحة التجسس بأمريكا:ان تجنيد كوبا لعميل أمريكى بيده كتابة سياسة
الولايات المتحدة تجاه كوبا،فان عميلا' بهذا الثقل والأهمية، فى جهاز
استخباراتى متخصص وبهذه الخطورة،معناه أن كوبا قد اكتشفت منجما' من
الذهب..!!أم ما أقرت به اّن مونتيز كخدمات أسدتها للجانب الكوبى فلم تخرج
عما قاله 'ديقيد ميجر' فقد جاء من اعترافها :
*أنها قدمت لكوبا معلومات سرية لمناورات حلف الناتو.
*ملفات سرية كاملة تتصل بالشئون والسياسة الكوبية.
*كم دلت على أربعة من العملاء الكوبيين الذين يعملون
لصالح أمريكا داخل كوبا.
أما كيف سقطت اّن مونتيز فى أيدى رجال مكافحة التجسس
الأمريكى؟
فلنقرأ معا' ماقاله'ستيف ماكوى' أحد ضباط مكافحة
الجاسوسية الأمريكيين فى شهادته أمام المحكمة، فقد قال:
اننى أعمل منذ أكثر من عشرين عاما' فى مكتب التحقيقات
الفيدرالى ، كان منها خمسة عشر عاما' فى الاستخبارات وبقسم مكافحة
الجاسوسية على وجه التحديد، واثنى عشر عاما' فى الشئون المتصلة بكوبا، مما
أتيح لى التعرف على أسلوب المخابرات الكوبية فى العمل وسائلهم وطرق
اتصالاتهم، ولذلك فقد كلفت بمراقبة الاّنسة 'اّن بيليه مونتيز' فى
تحركاتها، وعلاقاتها...,, وعليه،وعلى ضوء ماقرره ستيف ماكوى فى شهادته أمام
المحكمة، فقد كانت مراقبة اّنمونتيز قد بدأت بالفعل فى الفترة من مايو
وحتى أغسطس العام 2001، ومن خلال تلك المراقبات أمكن تلخيص أن الاّنسة اّن
مونتيز كانت تغادر عادة منزلها وتدلف الى أحد المتاجر، وتغادره من باب
اّخر، ثم تقوم باجراء محادثة تليفونية من هاتف عمومى بواسطة بطاقة مدفوعة
الثمن لثوان معدودة، تاركة المكان ، الى منطقة أخرى ، ثم تدخل أحد المتاجر ،
بعد ترك سيارتها خارجه ،وتخرج من باب اّخر للمحل أيضا' ، ثم تجرى مكالمة
تليفونية من أحد الهواتف العمومية ولثوان معدودة، ثم تعود أدراجها
لمنزلها...,,أسلوب كهذا ، لايخفى على ضابط مثل ستيف ماكوى وهو الخبير بفنون
وأساليب الاستخبارات الكوبية فى العمل التجسسى، وهو بالفعل أحد أكثر
الأساليب التى تتعامل بها الاستخبارات الكوبية، حيث المكالمة التليفونية
لثوان معدودة ماهو الا نقل رسالة مشفرة بمجرد الاتصال برقم هاتفى معين،
فالمكالمة المشفرة تكون عبر اتصال بأرقام له دلالة معينة ، تترجم بواسطة
أجهزة الحاسوب وفق برنامج معد لذلك مسبقا'، كما هو عند الاستماع الى موجة
معينة بالاذاعة..!! كانت هذه الطريقة هى التى أمكن لستيف ماكوى ، التقرير
أمام المحكمة وعبر شهادته ضد اّن مونتيز ، بأنها تعاونت مع أشخاص معلومين،
واّخرين غير معلومين لنقل أسرار ومعلومات ذات صلة وثيقة بالأمن الدفاعى
الأمريكى، ولصالح كوبا، بما يضر بأمريكا، وأنها فى ذلك قد نقضت تماما'
القسم الذى أدته ويؤديه كل منه و مؤتمن على أسرار الدولة ، كذلك فقد خانت
توقيعها على الوثيقة الأمنية التى يقوم بالتوقيع عليها من يسمح له بالدخول
على هذه المعلومات السرية..,,وبناء عليه فقد تم اصدار الأمر بالقبض على
الاّنسة'اّن بيليه مونتيز ' بتهمة التجسس ضد أمريكا لصالح دولة أجنبية،
وكان من توابع ذلك بالقطع صدور أمر بتفتيش شقتها بشارع ماكومب بواشنجتن،
ومكتب عملها فى وكالة الاستخبارات العسكرية، وسيارتها التويوتا الحمراء
اللون، وصندوق الايداع الخاص بها فى أحد البنوك..،،فى سبيل رصد الأدلة
والبراهين التى تؤيد ثبوت التهمة عليها..،وبالفعل ثبتت التهمة عليها ،
بواسطة اعترافها هى بأنها مصرة على أن ما قامت به هو صحيح من وجهة نظرها
هى، تعاطفا' مع الكوبيين، بل أن اقرارها بأنها 'غيرنادمة' .
كان هو الذى دفع القاضى ريتشارد أوربينا الى أن يصدر
الحكم عليها بالسجن 25 عاما'...,,