الرسالة الثالثة : الفتوى بمدى وجوب حرص أئمة المسلمين على الرعية :
فتوى في نتائج الصراع والاقتتال الدائر بين فتـح وحمـاس وما تبعه من خروج – بغي / إنقلاب – على الأمة وحاكمها :
للشيخ / محمد بن سلمان بن حسين أبو جامع .
* الرسالة الثالثة : الفتوى بمدى وجوب حرص أئمة المسلمين على الرعية :ومن
عظم النفس البشرية نرى عمر من شدة محافظته عليها يقول :" لئن استنقذ
رجلا من المسلمين من أيدي الكفار أحب إلي من جزيرة العرب " أخرجه / ابن
أبي شيبة ، بل وجاء عنه أنه سئل أنس بن مالك :" إذا حاصرتم المدينة – عند
القتال – كيف تصنعون ؟ قال : نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة – سترة يلبسها المقاتل تمنع السهام منه وهي كالستر الواقية اليوم – من جلود ،
قال : أرأيت إن رمي بحجر ؟ قال : إذًا يقتل ! قال : فلا تفعلوا فو الذي
نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضيع رجل مسلم
" أخرجه / البيهقي والشافعي مثله . هذا شأن أئمة المسلمين وهذا حرصهم على
أمتهم فما أعظمهم بهذا المثل الذي ضربوه ولم لا يكونون كذلك وعمر يقول
:" قد اقترب منكم زمان ، قليل الأمناء ، كثير القراء ، قليل الفقهاء ،
كثير الأُمَّل ، يعمل فيه أقوام يطلبون به دنيا عريضة ، تأكل دين صاحبها ؛
كما تأكل النار الحطب ألا كل من أدرك ذلك منكم فليتق الله ربه وليصبر ، يا
أيها الناس إن الله عظيم حقه فوق حق خلقه ، فقال فيما عظم من حقه :"وَلا
يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً
أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (آل
عمران:80) ، ألا وإني لم أبعثكم أمراء ، ولا جبارين ، ولكن بعثتكم أئمة
الهدى يهتدى بكم ، فأدوا على المسلمين حقوقهم ، ولا تضربوهم فتذلوهم ، ولا
تحمدوهم فتفتنوهم ، ولا تغلقوا الأبواب دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم ، ولا
تستأثروا عليهم فتظلموهم ، ولا تجهلوا عليهم ، وقاتلوا بهم الكفار طاقتهم،
فإذا رأيتم بهم كلالة فكفوا عنهم، أيها الناس إني أشهدكم على أمراء
الأمصار أني لم أبعثهم إلا ليفقهوا الناس في دينهم، ويقسموا عليهم فيئهم،
ويحكموا بينهم، فإن أشكل عليهم شيء رفعوه إليّ ". أخرجه /القاضي أبو يوسف
، فكيف لو قدر لعمر أن يرى أمراء اليوم تجار جملة ومفرق ؟!!!
وها هو عمر يأتيه رجل من أهل العراق كان مع أبي موسى رضي الله عنهما –
وكان عاملا على العراق - فغنموا مغنما فأعطاه أبو موسى نصيبه ولم يوف فأبى
أن يأخذه إلا جميعا فضربه أبو موسى عشرين سوطا وحلق رأسه فجمع شعره وذهب
به إلى عمر فأخرج شعرا من جيبيه فضرب به صدر عمر قال : مالك
، فذكر قصته فكتب عمر إلى أبي موسى سلام عليك أما بعد فإن فلان بن فلان
أخبرني بكذا وكذا وإني أقسم عليك إن كنت فعلت ما فعلت في ملأ من الناس
جلست له في ملأ من الناس فاقتص منك ، وإن كنت فعلت ما فعلت في خلأ فاقعد
له في خلأ فليقتص منك ، فلما دفع إليه الكتاب قعد للقصاص فقال الرجل : قد
عفوت عنه لله " أخرجه / البيهقي ، وبهذا العدل يكون الأمن والأمان
والسلم والسلام لأمة الإسلام ، قال ابن تيمية يرحمه الله :" مما قاله أهل
فارس في القدم من الحكمة : إذا كانت السيوف لازمة لإقامة الدول فإن العدل
لازم لبقائها " ، فهل فهمنا أم لم نفهم بعد ونحن ندعي الرغبة الجامحة في
إقامة دولة الإسلام ، فانظر يرحمني الله وإياك : أن مجرد الكلمة في غير
موضعها في المسلمين لا تقبل فكيف بالعدوان عليهم في كل حياتهم ، إذ وقع
رجل عند النبي في رجل من المسلمين فقال له النبي :" قم لا شهادة لك ،
قال يا رسول الله : فلست أعود ، قال : أصبحت تهزأ بالقرآن ما آمن بالقرآن
من استحل محارمه " أخرجه / أبو نعيم ، هذا وقد كان بين خالدٍ وسعد خلافٌ
وكلام فذهب رجلٌ يقع في خالد عند سعد فقال له : مه ! إن ما بيننا لم يبلغ
ديننا " أخرجه / الطبراني ، والأمثلة في مثل ذلك كثيرة .
وقد كان حرص أئمة المسلمين على المسلمين واضحا جليا ، فقد كان الواحد منهم
يترك الحق وإن كان له حتى لا تقع الفتنة فتقتل النفوس وتهرق الدماء وتهدر
المقدرات وتخرب الأوطان فهذا الحسن بن علي ومعاوية يتحاوران حتى اتفقا
على الصلح فيما بينهما فكان أن قال معاوية للحسن : قم فأخبر الناس واذكر
ما كنت فيه – ما اتفقنا عليه من الصلح – فقام الحسن فحمد الله وأثنى عليه
بما هو أهله ثم قال :" الحمد لله الذي هدى بنا أولكم ، وحقن بنا دماء
آخركم ، ألا إن أكيس الكيس التقى ، وأعجز العجز الفجور ، وإن هذا الأمر
الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية إما أن يكون أحق به مني وإما أن يكون حقي
فتركناه لله ولصلاح أمة محمد وحقن دمائهم ، قال : ثم التفت إلى معاوية
فقال : وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاعٌ إلى حين ..." أخرجه/ ابن عبد البر
والحاكم والبيهقي . فلما قدم الحسن الكوفة وكان أهلها قد وجدوا عليه قام
إليه رجل يكنى أبا عامر فقال : السلام عليكم يا مذل المؤمنين ، فقال الحسن
: لا تقل ذاك يا أبا عامر ، لم أذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلهم في طلب
الملك " أخرجه / ابن عبد البر والخطيب والحاكم ، بل جاء عن جابر بن نفير
قال : قلت للحسن بن علي إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة ، فقال : قد
كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت ويسالمون من سالمت ، تركتها
ابتغاء وجه الله تعالى وحقن دماء أمة محمد ، ثم ابتزها باتئاس أهل الحجاز "
أخرجه / الحاكم وقال : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه
الذهبي ، وهذا الإمام زيد بن علي بن الحسين يقول لأحد أصحابه :"أما ترى
هذه الثريا ؟ أترى أحداً ينالها – يلمسها ، يكون قريبًا منها- ؟ قال
صاحبه: لا ، قال: لوددت يدي ملصقة بها – معلق بها - فأقع إلى الأرض أو حيث
أقع فأتقطع قطعة قطعة وأن الله يجمع بين أمة محمد ". الله أكبر ما أعظم
أولئك الرجال ، يتمنى أحدهم الموت من أجل خير هذه الأمة ولم لا يكون الأمر
كذلك وهم أهل القرون الثلاثة المفضلة . قال يحيى بن معاذ : ليكن
حظ المؤمن منك ثلاثة : إن لم تنفعه فلا تضره ، وإن لم تفرحه فلا تغمه ،
وإن لم تمدحه فلا تذمه . ولم هذا فقط وقد جاء عن النبي قوله في أحاديث
مختلفة :" حق المسلم على المسلم خمس ..." أخرجه / أحمد والبخاري
ومسلم والنسائي وابنا ماجة وحبان والحاكم والطبراني ، وفي أخرى :" حق
المسلم على المسلم ست ..." أخرجه / أحمد ومسلم وابن حبان والبيهقي وأبو
يعلى ، وهناك حقوق كثيرة أثبتها القرآن الكريم والسنة المباركة للمسلم
المؤمن على أخيه المسلم المؤمن .
أيها المسلم بعد هذا كله : اسمع ما قاله رسول الله :" لجهنم سبعة أبواب ؛ باب منها لمن سل سيفه على أمتي"أو قال:" على أمة محمد "أخرجه/ أحمد واللفظ له وأشار إليه العلماء بالصحة والترمذي ونسبه السيوطي إلى ابن مردويه.
قال جعفر الصادق لابنه موسى الكاظم رضي الله عنهما : يا بني من كشف حجاب
غيره انكشفت عورات بيته ومن سل سيف البغي قتل به " بل يقول رسول الله
:"إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدٌ على أحد ولا يبغي أحد على
أحد " أخرجه/ مسلم .
أخي المسلم : ماذا سيقول أولئك الذين تولوا أمر المسلمين وجلسوا منهم مجلس
الرعاة والتنفذ والمسئولية لله عز وجل يوم يسألهم عن الأمانة التي
ائتمنوها وهم لم يكفكفوا لأمتهم دمعة ولم يهونوا عليهم لوعة ولم يشبعوا
لهم جوعة ولم يمنعوا لهم روعة ولم يستروا لهم عورة ولم يحرسوا لهم مدينة
أو قرية أو ضيعة- بل حرسوا مواقعهم ومؤسساتهم وأحزابهم - ولم يساعدوهم في
زرعة أو قلعة ولم يبنوا لهم بيتا أو خيمة بل عاثوا فيما ذكر فسادا وجلبوا
لأنفسهم ولهم كل خيبة ، فما زلت أكرر : ليس دين الله أنشودة تتغنى بها
جوقة من المغنين ولا تطبيلٌ ولا تزميرٌ ولا تهليلٌ ولا تلحين ولا تمثيلات
في المناسبات ، ولا دعاياتٍ على اليافطات ولا شعاراتٌ في الاجتماعات
والمهرجانات ولا هتافاتٌٌ على أثير الإذاعات ، لا وألف لا ، إن دين الله
-الإسلام العظيم- دعوة تحقيق ومنهج تطبيق والتزام طريق ، واتساءل من الذي
أعطى ترخيصاً للقتلة أن يقتلوا المسلمين ودم المسلم حرام ؟! ، ومن أعطى
ترخيصاً للمخربين أن يهدروا المقدرات وينهبوا محتويات المؤسسات ويهدموا
البيوت والأزقة والحارات ومال المسلم حرام ؟! ، ومن الذي أعطى ترخيصاً لمن
اخترق الحرمات وروع الآمنين وأفزع المسنين من البنين والبنات المسلمين
والمسلمات وعرض المسلم حرام ؟! ، وكأن هذا الوطن ملعب لا يلعب فيه سوى
منتمي الأحزاب و الجماعات و التنظيمات والحركات ، بل وكأن هذا الوطن لمن
ذكروا ميراث ورثوه هم وفقط وسائر الأمة ليس لها فيه شيء !!! من ! ومن !
ومن ! أسئلة كثيرة يجب الإجابة عليها إجابة فقهية ترتكز إلى تقوى الله
فلا تخضع لرأيٍ حزبي ولا لمنظورٍ حركي ولا لإذنٍ بشري ولا لخطابٍ تنظيري ،
يجب أن يجاب على تلك الأسئلة إجابة فقهية لا تخضع للنفاق ولا للشقاق ولا
لسوء الأخلاق ، يجب أن يجاب على تلك الأسئلة بالانضباط الديني – الإسلام :
كتاباً وسنة وهدي سلف - ، يجب أن يجاب على تلك الأسئلة ممن يتقي الله
ويخشاه ويعمل على رضاه ويستعد للقياه ، يجب أن يجاب على تلك الأسئلة من
قبل علماء متخصصين وليس أغيلمة لا يعلمون سفهاء ,يجب أن يجاب على تلك
الأسئلة من أهل انتماء للإسلام صادق وليس من أهل انتماء للحزب ماحق إذ ليس
من يدين للإسلام بكله كمن يدين للحزب بعله فالإسلام يعلو ولا يعلى .
فاللهم أحيينا وأمتنا وابعثنا على الإسلام العظيم يا رب العالمين فقد
رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا "وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" (آل عمران:52) (المائدة:111) .
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/