سيدي الرئيس ... انت من الآن انت .
بقلم : عكرمة ثابت
تابعت بدقة خطاب سيادة الاخ الرئيس " ابو مازن " ليلة
امس الخميس ، الذي وضع فيه النقاط على الحروف ، وأكد خلاله - بمصداقية
ومسؤولية عالية - تمسكه بالثوابت الوطنية والسياسية التي من اجلها قضى
مؤسس وزعيم الثورة الفلسطينية رفيق دربه الرئيس الخالد ياسر عرفات وآلاف
الشهداء والشهداء مع وقف التنفيذ من الاسرى والجرحى والمبعدين ، ثم شاهدت
بعدها تعقيب قناة " الجزيرة " الفضائية على هذا الخطاب وتخصيصها برنامج
مقابلات لمواطنين من غزة تستفسر منهم عن وجهة نظرهم في عدم نية الرئيس
ترشيح نفسه للمرة الثانية لانتخابات الرئاسة ، وما تلا ذلك من مسيرات
جماهيرية ومناشدات تطالب سيادته بالعدول عن قراره بعدم الترشيح وترفض كليا
السلوكيات الشاذه للانقلابيين المتآمرين .
النتيجة
الاولية بعد الخطاب مباشرة كانت ان الغالبية ممن استمزجت قناة الجزيرة-
على سبيل المثال- آرائهم في قطاع غزة المنكوب ، قد عبروا عن موقفهم بجرأة
ولم يضعوا اي إعتبار لواقع البطش والقمع وتكميم الافواه الذي استفحل
بحياتهم وبات يهدد يومياتهم وسلوكهم !!! وان اولئك الذين انطلقوا بمسيرات
المبايعة والتاييد في مختلف محافظات الوطن يدركون تماما اهمية وجود " ابو
مازن" كرئيس للسلطة الوطنية ولمنظمة التحرير الفلسطينية ولحركة فتح رائدة
وحامية المشروع الوطني الفلسطيني ، وحتى ردود الفعل الدولية والاقليمية
التي صدرت حتى الآن تشير الى المكانة السياسية الكبيرة التي يتمتع فيها
الرئيس الفلسطيني على الساحتين الدولية والعربية .
لقد
كان متوقعا – وفي ظل الواقع السياسي الخطير في المنطقة - أن يخرج الرئيس
امام شعبه والامة العربية والمجتمع الدولي بخطاب علني صريح وواقعي ،
فالسلام الذي يتحدث عنه العالم لم يعد ذاك الحلم العظيم والطموح الواقعي
في حياة الشعوب التي تحتل اراضيها وتنتهك حقوقها على مسمع ومرأى من مجتمع
العدالة والقانون ، وان كل الاتفاقيات والحلول التي ابرمت برعاية دولية
لانهاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ، باتت في مهب الريح بسبب تلك
السياسات والاجراءات لحكومة اسرائيل - التي وبعد قرابة ثمانية عشر عاما
على مؤتمر مدريد وستة عشر عاما مضت على اتفاقية
اوسلو – لا زالت تضرب بعرض الحائط كل جهود السلام والاستقرار في المنطقة
وتتهرب بشكل واضح من التزاماتها المطلوبة منها لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه
، لا سيما وان الممارسات الاسرائيلية واجراءاتها التعسفية وانتهاكاتها
اليومية لحقوق المواطن الفلسطيني واعتداءاتها المتواصلة على المقدسات
والمياه والاراضي والاملاك قد قوضّت فعليا كل الجهود والمساعي الرامية الى
احداث اي تقدم ملموس في المفاوضات السلمية .
وعلى
الرغم من كل هذه الحقائق ، سعى الرئيس ابو مازن بجهد كبير الى محاولة
انقاذ عملية السلام من المخاطر التي تهددها ، وانطلق بدبلوماسية قوية
ونشاط سياسي ضخم لاستنهاض المجتمع الدولي ووضعه امام مسؤولياته السياسية
والقانونية في رعاية وحماية الاتفاقيات المبرمة الا
ان الرياح سارت بما لا تشتهي السفن ، فالانحياز الامريكي والتقاعس
الاوروبي حيال مواقف اسرائيل وتجاوزاتها ، ساهما بشكل واضح في تضخيم حالة
الجمود السياسي الراهنة واطلاق العنان للحكومة الاسرائيلية ان تقوم بتصعيد
سياساتها الاحتلالية والاستيطانية بشكل سافر واستفزازي .
ان
خطاب الرئيس – وان جاء متأخرا – قد قطع الشك باليقين واثبت ان هناك قناعة
لدى رجل المفاوضات الاول في منظمة التحرير الفلسطينية بأن عملية السلام
المزعوم قد دخلت في نفق مظلم وانها لن ترى النور اطلاقا في ظل الغطرسة
الاسرائيلية والانحيازالامريكي والدولي معها ، كما ان الواقع الفلسطيني
الداخلي وبسبب ذلك الشؤم الذي جلبته حركة حماس للقضية الفلسطينية
بانقلابها العسكري والدموي وتهربها من انهاء الانقسام وانجاز المصالحة
الوطنية ، ساعدت اسرائيل في شن عدوانها العسكري والاستيطاني على الاراضي
الفلسطينية وتحديدا في القدس وقطاع غزة واعطت
مبررا قويا للعديد من الدول المؤثرة ان تدير ظهرها للقضية الفلسطينية
وتتنصل من التزاماتها حيال الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها
حقه بالاستقلال واقامة الدولة .
هذا
على الصعيد الوطني والسياسي العام للخطاب ، اما على الصعيد الذاتي والشخصي
لرئيس شرعي ومنتخب ولقائد وطني وثوري له مكانة عظيمة في التاريخ النضالي
الفلسطيني والقومي لا نستطيع ان ننكر حجم المؤامرة ومدى الاستهداف الشخصي الذي تعرض له الرئيس ، لدرجة ان البعض
قد تمادى باجحافه وظلمه وتعديه على شخصه كزعيم وطني وهب سنين عمره من اجل
شعبه والدفاع عن قضيته ، وكان احد الثوار المؤسسين لانبل ظاهرة عرفها
التاريخ ، وان هذا القائد الذي عرف بعناده وحنكته الدبلوماسية ومصداقيته
الجرئية ، ورغم كل ما يتعرض له ، لا زال يرفض التنازل والتفريط عن ثوابت
وطنية ونضالية مهمة كالقدس ، واللاجئين ، والحدود والمياه ومقاومة
الاستيطان وتهويد المقدسات ، وضرورة اطلاق سراح الاسرى والمعتقلين ، وهو
نفسه الذي احترم التعددية الحزبية وحرية التعبير وحق الانتخاب والترشيح ،
وساهم في صون الحريات العامة وتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون .
من حق الرئيس : أن يدافع عن وطنيته وكرامته ويقاوم اي محاولة للمساس به وباسرته وابنائه ومن
واجبنا تجاهه وحقه علينا ان نقف معه وامامه ونتصدى بحزم وقوة لكل محاولات
النيل منه والـتآمر عليه ، لا سيما انه تعرض لأكثر من مرة لمحاولات
التصفية ومؤمرات التشوية والتخوين وحملات الاستهداف والافشال المقصودة !!! ولمن
لا يعرف محمود عباس ، فهو المهندس البارع والمقاتل العنيد الذي لا يتقن
الا فن الوضوح ، وهو السياسي المقتدر الذي لا يهادن ، وقد بات واضحا حجم
المؤامرة التي تحاك بحقه اسرائيليا وامريكيا ، وحمساويا ايضا للاسف .
إن اصرار " ابو مازن" على
عدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة ، موقف لا يعيبه ولا ينتقص من
مكانته السياسية والوطنية والتنظيمية ، وهو بنفس الوقت لا يلغي شرعيته
كرئيس حالي للسلطة الفلسطينية ولمنظمة التحرير وحركة فتح ، بل على العكس
تماما ، ان هذا الموقف يعكس اولا حجم الأمانة الوطنية التي يحملها الرئيس
كمسؤول وقائد فلسطيني متمسك بمباديء شعبه ومؤتمن على ثوابت قضيته التي لا
يمكن التنازل عنها او التفريط بها ، ويجسد ثانيا
مصداقية الرئيس وايمانه الشخصي بسياسة المكاشفه والمسائله وقناعته الراسخه
بمبدأ تداول السلطة وحق الانتخاب والترشيح لمن كان .
لقد
وضع الرئيس المجتمع الدولي والولايات المتحدة الامريكية والحكومة
الاسرائيلية الحالية وحركة حماس والدول العربية امام مسؤولياتهم ورمى
الكرة في ملعبهم السياسي والدولي ، وقد اعلن ذلك بمنتهى الوضوح والصراحه
ودون خجل او مواربه !!! وقد بات مطلوبا من كل هؤلاء ان يسارعوا في لملمة
الاوراق السياسية التي بعثرتها مصالحهم الخاصة ، ويتحملوا مسؤولياتهم
الدولية العملية في احياء عملية السلام التي رعوها وكانوا شهودا على
ولادتها وانطلاقتها ، وعلى اللجنة الرباعية وامريكا – على وجه الخصوص –
القيام بتصحيح موقفهما مما يجري بممارسة الضغط على حكومة اسرائيل واجبارها
على الالتزام باتفاقيات السلام الدولية وبوقف اعتداءاتها على الشعب
الفلسطيني واراضيه ، وعلى حركة حماس ان ترتقي الى روح المسؤولية الوطنية
والدينية بانهاء حالة الانقسام وانجاح جهود المصالحة ، كي تساهم في تخفيف
هموم شعبها وتامين حقوقه بدلا من ان تساعد في اهدار هذه الحقوق وتعميق
جراحه وهمومه .
اما
عربيا ، ونتيجة للوضع الخطير الذي تمر به القضية الفلسطينية ، واثر تمادي
السلطات الاسرائيلية بسياساتها الاستيطانية والتوسعية واستهدافها للمقدسات
الاسلامية في القدس الشريف والمسجد الاقصى المبارك ، ونتيجة لتهرب حركة
حماس من التوقيع على ورقة المصالحة الفلسطينية وتلاعبها بمقدرات الشعب
الفلسطيني وانجازاته الوطنية ، فإن هناك حاجة ملحة وسريعه لعقد مؤتمر قمة
طاريء تدعو اليه جامعة الدول العربية ، يتم خلاله اتخاذ موقف صارم بضرورة
واجراءات تنفيذية لانهاء حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني والزام حركة
حماس بمشروع المصالحة الوطنية ، ومطالبة المجتمع الدولي وفي مقدمته
الولايات المتحدة الامريكية والدول راعية عملية السلام في الشرق الاوسط
بتحمل مسؤولياتها تجاه الانتكاسات السياسية والامنية الخطيرة التي تهدد
جهود السلام والاستقرار بالمنطقة ، وعلى الدول العربية ايضا ان تتخذ موقفا موحدا وواضحا حيال اسرائيل وسياساتها الاحتلالية وقضية السلام معها .
انتهى
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/