ما هي الاجراءات اللازمة لمحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين بعد قرار مجلس حقوق الانسان تبني توصيات تقرير غولدستون؟
جنيف/ ماذا
سيحدث الآن، عملياً، في اعقاب تبني مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان امس
الجمعة توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق في الحرب الاسرائيلية الاخيرة على
قطاع غزة؟ هل سيقدم للمحاكمة اي من القادة السياسيين او العسكريين
الاسرائيليين المسؤولين عن جرائم حرب ارتكبت خلال العدوان المسمى 'الرصاص
المسكوب'، سواء في اسرائيل نفسها او في محكمة الجرائم الدولية في لاهاي؟
لقد اعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس اليوم السبت: 'سنستمر في متابعة تنفيذ آليات القرار في المؤسسات الدولية'.
واعلن
امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه في
مؤتمر صحافي عقده في رام الله ان الفلسطينيين سيشكلون لجنة لمتابعة تنفيذ
توصيات لجنة غولدستون وقال: 'نحن (منظمة التحرير الفلسطينية) سنشكل لجنة
متابعة من الحكومة ومن منظمات حقوق الانسان العربية والدولية والفلسطينية
ومن حقوقيين عرب ودوليين وفلسطينيين ليس في ما يخصنا فقط ولكن في ما يخص
الجزء الرئيسي .. جرائم الحرب الاسرائيلية'.'
وامس رأى رئيس البعثة الفلسطينية الدائمة لدى الامم المتحدة في جنيف الدكتور ابراهيم خريشة في تصريحات لـ ان
'اهمية القرار تكمن في قيمته القانونية، وانه سابقة اولى في امكانية تقديم
دولة الى محاكمة او مساءلة قضائية على خلفية جرائم حرب امام محكمة ذات
ولاية عامة (شاملة)، واسرائيل تدرك معنى ذلك جيدا'. واضاف: 'ان القرار
يشكل رادعاً لاسرائيل التي امعنت في انتهاكاتها واستهدافها للمدنيين'.
ومضى
خريشة الى ابعد من ذلك في تقييمه لاهمية القرار الذي تبناه مجلس الامم
المتحدة لحقوق الانسان الجمعة، اذ قال: 'لربما يعد التقرير اهم وثيقة في
تاريخ الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي لما له من قيمة قانونية ونزاهه
ومهنية وعدم انحياز'. الامر الذي زاد في صعوبة التشكيك فيه من قبل الدول
الاوروبية.
ماهي
مواقف الاطراف المعنية مباشرة بتوصيات تقرير لجنة غولدستون؟ وهل اعدت
السلطة الفلسطينية المعلومات الاستخبارية الضرورية لرفع دعاوى على القادة
السياسيين والعسكريين الاسرائيليين بمن فيهم القادة الميدانيون، اسماً
اسماً وواقعةً واقعة، خلال عدوان 'الرصاص المسكوب'؟
اشارت
صحيفة 'ذي غارديان' البريطانية في عددها الصادر السبت الى ان اسرائيل رفضت
بكلمات غاضبة ما وصفته بانه قرار 'احادي الجانب' يفتح الباب امام احتمال
اجراء تحقيقات دولية في ما يتعلق بجرائم الحرب.
وكان
مجلس حقوق الانسان في جنيف قد صوت على تقرير القاضي ريتشارد غولدستون أمس
الذي اتهم فيه اسرائيل بارتكاب جرائم حرب وربما جرائم ضد الانسانية خلال
عدوانها الذي امتد لثلاثة اسابيع على غزة في الايام الاخيرة من العام
الماضي والايام الاولى من العام الحالي. وقد توصل غولدستون، الذي لقي
تقريره ترحيبا كبيرا من المجموعات الرئيسة الدولية لحقوق الانسان، الى
احتمال ان تكون هناك مسؤولية جنائية فردية نتيجة حوادث قتل مدنيين
فلسطينيين.
سيحال
التقرير الان على الجمعية العامة للامم المتحدة وقد يؤدي الى تحقيق نادر
الحدوث تقوم به محكمة الجنايات الدولية للتحقق مما اذا كانت كل من اسرائيل
و'حماس' قد اجرت تحقيقا خاصاً بها يتسم بالاستقلالية والمصداقية في
ادعاءات ارتكاب جرائم الحرب في غضون ستة اشهر من تبني توصيات تقرير
غولدستون.
وتضيف
'ذي غارديان' ان تصويت الامس 'يحمل في طياته تداعيات رئيسة بالنسبة الى
صراع الشرق الاوسط. فهي المرة الاولى التي تجرى فيها تحقيقات جادة على
مستوى عال. فقد يشجع على المصالحة بين الفصيلين الفلسطينيين المتنافسين،
وان كان من المحتمل كذلك ان يربك الجهود الاميركية لاعادة الفلسطينيين
والاسرائيليين الى محادثات السلام. وفي نهاية المطاف، قد تكون النتيجة
استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو في مجلس الامن الدولي لحماية اسرائيل
من التحقيقات.
وقالت
وزارة الخارجية الاسرائيلية ان 'اسرائيل ترفض القرار الاحادي الذي تبناه
مجلس حقوق الانسان الدولي في جنيف، وتدعو جميع الدول المسؤولة الى رفضه
ايضا'. واضافت ان القرار 'يشجع المنظمات الارهابية في انحاء العالم ويزعزع
السلام العالمي'. وقد انتقدت اسرائيل المجلس في الماضي بحجة انه ينحاز
ضدها.
'وفي
رام الله رحب ناطق بلسان الرئيس الفلسطيني عباس بالنتيجة التي توصل اليها
مجلس حقوق الانسان الدولي الا انه اعرب عن الرغبة في رؤية الخطوات
العملية. وقال نبيل ابو ردينة: 'المهم الان هو ترجمة الاقوال الى افعال من
اجل حماية شعبنا في المستقبل من اي عدوان جديد'.
ومن
جانبها فان 'حماس' رحبت بالقرار باعتبار انه 'بداية طريق مقاضاة قادة
الاحتلال'، حتى وان كانت الحركة تجازف بمخاطر التحقيق الدولي.
'والواقع
ان القرار لم يقتصر على التعامل مع تقرير غولدستون، اذ انه ندد بسياسة
اسرائيل في القدس الشرقية، خاصة في ما يتعلق بوصول المسلمين الى المواقع
الدينية المقدسة وتدمير مساكن الفلسطينيين والقيام بعمليات الحفر والتنقيب
على مقربة من الحرم الشريف.
'وقد
حصل التقرير على أصوات 25 دولة لصالحه، و6 ضده ببينما امتنعت 11 دولة عن
التصويت. وكانت الولايات المتحدة قد صوتت ضد القرار بينما لم تشترك في
عملية التصويت بريطانيا وفرنسا بعد فشل المطالبة بتأجيل الجلسة. اما
فلسطين واسرائيل فليستا عضوين في المجلس الذي يضم 47 عضوا، معظمهم من
الدول النامية، وان كانتا قد بذلا جهودا حثيثة للتاثير على نتيجة التصويت.
'وكانت
الضغوط الاميركية المكثفة على عباس قد حملته على التخلي عن تأمين قرار
يتبنى تقرير غولدستون في بداية الامر. وكان عباس يريد تأجيل التصويت لستة
اشهر الا ان قراره جوبه بغضب قوي في اوساط الفلسطينيين الذين يطالبون
بمحاسبة المسؤولين عن مقتل مئات من المدنيين في غزة، فما لبث ان تراجع
وطالب بعقد هذه الجلسة الخاصة.
'وقد
اوصى غولدستون مجلس حقوق الانسان بتمرير تقريره الى مجلس الامن الدولي
والجمعية العامة للامم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية. واقترح قيام كل
من اسرائيل و'حماس' على حدة باجراء 'تحقيقات مناسبة تتسم بالاستقلالية
والالتزام بالمستويات الدولية' خلال ستة اشهر. وقال انه اذا اخفقت اي
منهما في اجراء تحقيق حسب الاصول، فان على مجلس الامن ان يحول القضية على
مدعي محكمة الجنايات الدولية.
ولا
يبدو في الافق ما يدل الى ان 'حماس' ستجري تحقيقا في اعمالها خلال الحرب،
في حين اصر رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو على انه لن يسمح بمثول اي
اسرائيلي امام محكمة الجرائم الدولية.
'قتل في الصراع 1400 فلسطيني و13 اسرائيليا.
'انتقد
المندوب الاميركي في المجلس بجنيف دوغلاس غريفيثز تقرير غولدستون بحجة انه
'غير متوازن في تركيزه على اسرائيل، والاطار الواسع لتوصياته ونتائجه
القانونية'. لكنه قال ايضا ان واشنطن تريد مزيدا من الوقت قبل التصويت بما
يسمح للجانبين اجراء تحقيقاتهما الخاصة في ادعاءات جرائم الحرب. وهو ما
يوحي بان الولايات المتحدة قد تضغط على اسرائيل لاجراء تحقيق موثوق به.
اما الدول الغربية فقد تكون قلقة من انها ستواجه ايضا تحقيقات مماثلة في
المستقبل حول تصرفها في الحرب في العراق وافغانستان.
ودعت المفوضة السامية الدولية لحقوق الانسان نافي بيلاي كلا الجانبين الى اجراء 'تحقيقات غير منحازة ومستقلة وعاجلة وفاعلة'.
وذكرت
انباء ان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون اجرى مكالمة هاتفية حامية
الاربعاء مع نتنياهو الذي ضغط عليه للتصويت ضد القرار. وتحدث براون الى
نتنياهو مرة اخرى صباح امس قبل التصويت، وقررت بريطانيا عندئذ عدم
المشاركة اطلاقا. وقال ناطق بلسان مقر رئاسة الوزراء في داوننغ ستريت: 'لم
نشارك في التصويت. وان كنا اسهمنا في المناقشات مع الاسرائيليين
والفلسطينيين حول تحسن ملموس محتمل في الوضع ولذلك فاننا طلبنا تأجيل
التصويت'.
ويبقى
السؤال هل ستمضي السلطة الفلسطينية الى آخر الشوط في مساعيها لتقديم مجرمي
الحريب الاسرائيليين للمحاكمة انصافاً للضحايا الفلسطينيين للعدوان
الاسرائيلي؟ المؤشرات المتوافرة حالياً تبين ان الجواب هو 'نعم'.