المعنى
الأوسع لمفهوم الولاء والبراء في الإسلام- بقلم الشيخ عبد العزيز عودة ذكر
رجل من الصحابة- اسمه المستورد القرشي- قال سمعت رسول الله - صلى الله
عليه وسلم- يقول : ' تقوم الساعة والروم أكثر الناس ' فرد عليه عمرو ابن
العاص مستغرباً وكان جالسا فاعتدل- وقال له: أبصر ما تقول ( أي تأكد مما
تقول) قال المستورد القرشي : 'والله ما أقول إلا ما سمعت من رسول
الله - صلى الله عليه وسلم- : تقوم الساعة والروم أكثر الناس ' .
وكأن هذا الأمر حير عمرو , لماذا يكون
الروم أكثر الناس عند قيام الساعة؟؟ فبدأ يفكر في السبب , فأراد أن يتأكد
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الحديث , فعندما أكد له هذا
الرجل أنه سمعه من رسول الله , قال: ' أما وقد قال رسول الله ذلك , فإن
فيهم لخصالاً أربعاً' ( أي أربع مميزات حسنة) :
1-أنهم أحلم الناس عند فتنة
2-وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة
3- وأوشكهم كرة بعد فرة
4- وخيرهم لضعيف ويتيم ومسكين
و خامسة حسنة جميلة : وأمنعهم من ظلم الملوك'
إن الصراع الدائر بين المسلمين وبين
الروم لم يقم حجابا أو حاجزا بين عمرو وبين أن يذكر ما لهم من حسنات أو من
خصال حسنة , إنما عندما نتحدث عن بعض الفضائل هناك, سواء في السلوك أو في
مظاهر التقدم والحضارة عندهم, إنما نريد أن نحيي الأموات عندنا, وأن نوقظ
النيام، لأننا نحن أهل كتاب يتحدث عن ضرورة وضع اليد على أسرار هذا
الكون, كيف نكون خير أمة أخرجت للناس و نحن في ذيل القافلة إن الله تعالى
قال (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) هل نكون كذلك ونحن
في السفح، إن الله تعالى قال {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً
لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} , وهل يكون الجاهل شاهدا على ما
عند الناس, ما هذا الحديث المتكرر عن البراء وعن الولاء بمعاني ضيقة ؟!
قال عمرو ابن العاص : ' إن فيهم لخصالا
أربعا : أنهم أحلم الناس عند فتنة , وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة, وأوشكهم كرة
بعد فره, وخيرهم لضعيف ويتيم ومسكين, و خامسة حسنة جميلة : وأمنعهم من
ظلم الملوك'
هل شهادة من عمرو ابن العاص خدشت ولاءه
لله ورسوله والمؤمنين ؟ ! لا يا أخي كيف تقول إن الحديث عما لديهم من
فضائل وتجارب هو مظهر من مظاهر الولاء المخرج من الملة ؟ هذا كلام غريب
ينوء به كاهل الإسلام من بعض المتحدثين, الذين لو خدموا الإسلام بصمتهم
لكان خير ا لهم وللمسلمين .
الولاء لله : معناه ألا ترى في الوجود
غيره , أن تعتمد عليه في كل شيء أن تتوكل عليه وأنت تطلب النصر , وأنت
تطلب الرزق , وأن ترد أمرك كله إليه {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ
لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي
غُرُورٍ , أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل
لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ }, {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ
مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ } , أن تتوكل على
الله معناه أن يضمحل وجود كل شيء في ظل وجوده سبحانه وتعالى
ألا كل شيء ما خلا الله باطل .....هذه
هي العقيدة التي ينبغي أن ترسخ في نفوسنا , لكن هذه العقيدة لا يؤثر
فيها ولا يخدشها أن تستفيد من تجارب الآخرين, ولا يفسدها أن تنفتح على
الآخرين إن الله تعالى يقول (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ
الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) كيف نتبع الأحسن في القول ونحن
محجوبون منغلقون منعزلون ومتعصبون ؟ كيف ؟
ما اعدل هذا الوصف: وكم هو مشحون بتسامح
المؤمنين الواثقين بأنفسهم وبقدراتهم والواعين في ذات الوقت لنقاط القوة
في خصومهم: احلم الناس عن فتنة , وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة, و أوشكهم
كرة بعد فره, وخيرهم لضعيف ويتيم ومسكين, و أمنعهم من ظلم الملوك , ما
معنى أمنعهم من ظلم الملوك ؟ معناه أنهم عصيون, لا يستطيع الحاكم المجنون
أن يستخفهم , ولا يستطيع المستبد أن يصادر حرياتهم , أو أن يدوس على
كراماتهم, وهل هذا المعنى معنىً إسلامي أم غير إسلامي ؟ وهل إذا أراد
احدنا أن ينهض أبناء أمته وأن يحيي الموات فيهم كان مادحاً للآخرين ؟!
وأين ذهب قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ' إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم
أن تقول له يا ظالم فقد تودع منهم ' ( أي تحولت إلى مجموعة أصفار ,
انكفأت على ذاتها و استحكمت فيها الأنانية , دار كل من أفرادها حول نفسه ,
وغدت مجموعة من الهمل على هامش الحياة لا قيمة لهم).
إن الله تعالى يأمرنا أن نكون قوامين
بالقسط, نحن أمة شاهدة، كونوا قوامين بالقسط شهداء لله {وَلاَ
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} , هذه المعاني الإسلامية الإيمانية العظيمة هي التي
ينبغي أن نتحدث عنها عندما نتحدث عن الولاء وعن البراء , لا أن نكون فقط
خدما لجهة من الجهات..
عندما اقرأ قول الله تعالى {اللَّهُ
الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ
وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ , وَسَخَّرَ لَكُم
مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } , استيقظ يا أخي وفكر وأعمل
عقلك أعمل هذا الجهاز الذي في رأسك , فكر! أين هي غواصات المسلمين في
البحر ؟ ماذا يملك المسلمون في البحار؟ ماذا يملكون في الجو؟ وماذا يملكون
في البر؟
إن مقتضى مثل هذه الآيات أن نكون اسبق
منهم إلى هذه الاكتشافات وهذه الاختراعات. فلماذا عطلنا ما وهبنا الله ؟
ثم يأتي بعض الأعزاء ليحدثنا ويقول أنك إذا تحدثت عن فضائل الآخرين وعن
مدنيتهم وعن عدلهم فقد انتهكت مفهوم الولاء والبراء!! إذاً لماذا لا
تسبقهم أنت إلى العدل حتى نتحدث عنك !
إننا نفتخر بان أول آية في كتاب الله
كان قول الله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } , لكن من
الذي قرأ ؟ , إنهم قرؤوا ولم نقرأ ! وكأن هذا القرآن أنزل عليهم
{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ
الْخَيْلِ } فمن الذي أعد ؟ نحن أم هم؟ {وَأَمْرُهُمْ شُورَى
بَيْنَهُمْ} , {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} إننا نعيش حالة من الاستبداد
ممتدة ورائجة , من الأسرة حتى أعلى الهرم، فهناك استبداد اسري, وهناك
استبداد حزبي , وهناك استبداد سياسي ....
جاء رجل الى عمر بن الخطاب(رضي الله عنه)
من العراق مشتكياً على والٍ تجاوز في إيقاع العقوبة به حيث قام هذا الوالي
بحلق شعر هذا الرجل , فجاء هذا المواطن بصرة الشعر إلى عمر ابن الخطاب -
إلى الرئيس الأعلى للدولة - وألقى الصرة في صدره وقال : خذ انظر ماذا
يفعل بنا ولاتك هناك '
هذا المواطن الشاكي جاء من العراق إلى
المدينة لأنه استشعر جو العدالة، استشعر جو الأمن والمساواة, فألقي الصرة
في صدر أمير المؤمنين وقال انظر ماذا يفعل بنا ولاتك هناك، فقال عمر قولة
عجيبة - ربما لا تخطر على بال احد- قال : 'والله ما فرحت بفتح فارس والروم
كفرحي بشجاعة هذا الرجل ' ....إن الإسلام ينمي مشاعر الشجاعة والعزة ,
والبحث عن العدالة , والاعتراف بحقوق الآخرين في نفوس المسلمين.
نحن المسلمين فينا قول الله {اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } وعندنا {وَأَمْرُهُمْ شُورَى
بَيْنَهُمْ} وعندنا { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ} , فماذا حققنا من ذلك؟ ماذا حققنا فعلاً لا قولاً ؟
ونحن نقرأ عن الآخرين {بَأْسُهُمْ
بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ}، ولقد استطاعوا بالفعل أن يضعوا آليات لتنهي أي نزاع
فيما بينهم , ونحن نغرق في أصغر نزاع , نغرق ولا نستطيع أن نحل هذا النزاع
أو أن نعالجه. إن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ذي دلالة أتمنى
أن نفتح عيوننا وقلوبنا عليه جيدا يقول :' إن الله زوى لي الأرض فرأيت
مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها, وإني أعطيت الكنزين
الأحمر والأبيض(هنا إشارة إلى ثروات الأمة), وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي
بقحط (أي بجوع بأزمة اقتصادية ماحقة ) , وألا يسلط عليهم عدوا من سوى
أنفسهم فيستبيح بيضتهم ( أي عزهم وملكهم) , وإن الله قال لي : ' يا
محمد إني إذا قضيت قضاء فانه لا يرد، وإني أعطيتك لامتك ألا أهلكهم بسِنة
عامة (وهذه ضمانة إلهية نبوية أن امتنا لن تهلك جوعاِ, ولن تهلك بأسباب
اقتصادية) , وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم , ولو اجتمع عليهم من
بأقطارها ( والضمانة الثانية لهذه الأمة أن لا تهلك على أيدي الغزاة
الأجانب , ولو اجتمعوا من جميع البلاد , فما الذي يهلكها إذا يا رسول الله
؟ ) حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً , ويسبي بعضهم بعضاً' ... إذا الخطر
الداخلي هو الخطر الحقيقي الذي يتهدد المسلمين، فليتعاون المسلمون،
ولنتعاون في هذا البلد المنكوب لحل مشكلاتنا, لنغرس المحبة محل
الكراهية, والوحدة محل الفرقة، والعلم والمعرفة محل الجهل، ينبغي أن
نفهم إسلامنا وان نفهم ديننا وأن نرد واقعنا إليه رداً جميلاً ، والحمد
لله رب العالمين