اللاجئون الفلسطينيون وهيئة الأمم المتحدةد
كتور فوزي عوض عوض (دكتوراه في شئون اللاجئين الفلسطينيين)
دراسة تاريخية:
اللاجئون الفلسطينيون وهيئة الأمم المتحدة :-
طلبت هيئة الأمم المتحدة من وسيطها الدولي
في فلسطين 'الكونت برنادوت' ، أن يقدم تقارير عن أوضاع اللاجئين
الفلسطينيين أينما وجدوا ، وبناء على تلك التقارير التي رفعت إليها اتخذت
الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 194 الذي إهتم بجانبي المشكلة المادي
والسياسي ونص على ( السماح للاجئين الذين يرغبون بالعودة لبيوتهم والعيش
بسلام مع جيرانهم في أقرب وقت عملي ممكن ، وأن تدفع تعويضات عن الممتلكات
والخسائر لمن لا يرغبون فى العودة ، وذلك ضمن قوانين هيئة الأمم المتحدة
أو ضمن قوانين عادلة ومنصفة من قبل الحكومات أو السلطات المسئولة).
وينص القرار 194 صراحة على أن المسؤول عن
تعويض اللاجئين هو الحكومات الإسرائيلية ، وقد جاء هذا التعبير ليشمل
المؤسسات المسؤولة قبل وبعد إنشاء الدولة اليهودية وهى الحكومة اليهودية
المؤقتة عام 1948 م التى صدر القرار 194 أثناء وجودها ،والحكومات
الإسرائيلية المتعاقبة التى ورثت مسئوليتها والمنظمات العسكرية الصهيونية
:الهجاناه وعصابات شتيرن والأرغون والمنظمات الصهيونية داخل وخارج الدولة
اليهودية التى ساعدت على اقتلاع الفلسطينيين من ديارهم - واستغلت أملاكهم
بعد ذلك – مثل الوكالة اليهوية والصندوق القومى اليهودى وغيرها وهو ما
حاولت الحكومة الصهيونية التنصل منه.
ومع اندلاع أعمال العنف الصهيونى ضد
الفلسطينيين التي تمخضت عن استيلاء الصهاينة على أراضٍ خارج الحدود
المقررة للدولة الصهيونية حسب قرار التقسيم181، أصدرت الجمعية العامة
للأمم المتحدة في دورتها الاستثنائية الثانية القرار رقم ( 186 ) بتاريخ
14 – مايو/آيار - 1948 م ، الذى فوضت المنظمة بموجبه الكونت برونادوت سلطة
القيام بمساعٍ لتهيئة السبل لتحقيق تسوية سلمية للموقف فى فلسطين لدى
السلطات المحلية والطائفية في فلسطين من أجل تأمين الخدمات العامة
والضرورية لسلامة السكان، وتأمين حماية الأماكن المقدسة والمباني والمواقع
المدنية وإيجاد تسوية سلمية للوضع المستقبلي فيها، وضمن هذا الاطارأصدر
الكونت برنادوت تقريراً ذكر فيه (( أن عرب فلسطين لم يغادروا ديارهم طوعاً
ولم يتركوا ممتلكاتهم اختياراً ، بل نتيجة لأعمال العنف والإرهاب التى
قامت بها العصابات الصهيونية ضد العرب اللاجئين ).
وأضيف أن المقترح اتخاذه لحل المشكلة
إعادة استيعابهم سواء فى ديارهم الأولى أو غيرها ، ولا يمكن تفاديها ويجب
حلها ، وأن أغلب هؤلاء اللاجئين سيكونون فى حاجة إلى العون إلى حد ما
ليتمكنوا من الاستقرار من جديد بعد ما أصابهموكان الرد الصهيونى على
القرار المدين للعصابات الصهيونية ، هو اغتيال 'الكونت برنادوت' ، فبعد
صدور هذا التقرير الذي استاءت منه العصابات الصهيونية نفذت عملية اغتياله
بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول 1948 م
وقد أخذت الأمم المتحدة بتقرير الكونت بعد
إغتياله وأصدرت قراراً اشتمل على إنشاء لجنة التوفيق الدولية المألفة من
فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية ، و بدأت اللجنة عملها بأن دعت
الحكومات العربية إلى عقد مؤتمر في بيروت في 21 مارس/أذار 1949 م ، لبحث
مشكلة اللاجئين، وفيه أكدت الوفود العربية تمسكها بحق العودة للاجئين
الفلسطينيين.ودرست اللجنة بعض المشكلات الفرعية للاجئين كأموالهم المجمدة
، واستطاعت أن تفرج عن جزء من تللك الأموال بعد حصر ممتلكات اللاجئين
وأموالهم ، ولكن اللجنة لم تتمكن من إكمال الإحصاءات العقارية لهم بسبب
العراقيل التي وضعتها السلطات الإسرائيلية أمام اللجنة لإعاقة تنفيذ
مهامهاالمتعلقة بإعادة اللاجئين إلى ديارهم بعد فشل اللجنة فى مهمتها
الأساسية عملت على دعوة الحكومات العربية وإسرائيل إلى إجراء مباحثات في
لوزان بسويسرا ، واجتمعت اللجنة مع كل طرف على حده ، وطلبت إسرائيل في
اجتماعها مع أعضاء اللجنة قبول عضويتها في الأمم المتحدة ، فاشترطت
الجمعية العامة للأمم المتحدة عليها التعهد بتنفيذ قرار التقسيم 181 ،
وتنفيذ المادة 11 من القرار 194 ، وأعلنت إسرائيل آنذاك إلتزامها بهذا
التعهد ووقعت على بروتوكول لوزان الذي كان نتيجة اتفاق الطرفين بواسطة
لجنة التوفيق الدولية بتاريخ 12 مايو/ آيار 1949 م ، وبناء علية وافقت
الجمعية العامة للأمم المتحدة على قبول عضوية إسرائيل استناداً إلى قرار
مجلس الأمن رقم ( 273 ) الصادر بتاريخ 11 مايو/آيار 1949 م ، غير أن
إسرائيل لم تحترم تعهداتها وبادرت فورا إلى التنكر لما نص عليه بروتوكول
لوزان
أدركت اللجنة الدولية عجزها عن الزام
إسرائيل بتعهداتها أمامها الأمر الذي دفع اللجنة إلى إعلان إنهاء أعمال
مؤتمر لوزان وتأسيس لجنة المسح الدولية بتاريخ 23 – أغسطس/آب 1949 م ،
لتكملة مهام المبعوثين الدوليين، وبدأت اللجنة عملها بزيارة إلى بعض
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم ، بهدف مساعدة دول المنطقة
لوضع خطط تنموية لتسهيل عودة اللاجئين الفلسطينيين وتوطين من لا يرغب
منهم فى العودة، ومن ثم خلق الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تعمل على
دعم السلام والاستقرار في المنطقة ، و تبنت البعثة إجراءات عملية لتنفيذ
خططهاعن طريق المفاوضات المباشرة بين الدول المعنية ، بإشراف الهيئة
الدولية التي كان سيتم إنشاؤها قبل أبريل/نيسان 1950م بموجب القرار (
302) ، الذي كانت من أهم فقراته المادة الخامسة التي تنص على تكليف وكالة
الغوث تقديم المعونة للاجئين حتى تتهيأ الظروف لإحلال السلام و الإستقرار
في المنطقة ، ونصت المادة السابعة من القرار نفسه على أن تتعاون الوكالة
مع الحكومات المضيفة و تتشاور مع تلك الحكومات لإيجاد العون اللازم في
حالة عدم توفر الإمكانيات لدى وكالة الغوث ، ونصت الفقرة الثامنة منه على
إنشاء لجنة استشارية مكونة من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا
وبريطانيا وتركيا مهمتها تقديم النصح والمشورة لهيئة الأمم المتحدة لإغاثة
وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى
فتكونت الأجهزة الإدارية والتنفيذية
لوكالة الغوث خلال الفترة السابقة من مفوض عام مسئول مباشرة عن تقديم
الإغاثة ، والصحة ، والتعليم ، والإدارة المالية والقانونية ، وشئون
الموظفين والتموين ، والخدمات العينية
ولكون وكالة الغوث متفرعة عن الأمم
المتحدة إذ وجدت بقرار من الجمعية العامة لها، اختصت الجمعية العامة وحدها
بإعطاء تفسير وتوضيح محددين لولايتها التي حدد لها عام واحد عند تأسيسها ،
وكان من المقرر لها أن تنهى أعمال الإغاثة في 31 ديسمبر/كانون الأول 1950 م
ولكن عدم مقدرة الأمم المتحدة على إنهاء
قضية اللاجئين الفلسطينيين فرض عليها أن تجدد ولاية الأنروا إلى فترات
أطول كما حدث في عدة مناسبات عبر السنين، فأصبحت فترة ولايتها منذ عام
1973م تجدد بشكل دائم لمدة ثلاث سنوات.فأصبحت مسألة تمديد فترة ولاية
الوكالة في تلك الفترة ليس أكثر من أمر روتيني وذلك لا يرجع فحسب إلى
الآثار الناجمة عن كونها هيئة مؤقتة من هيئات الأمم المتحدة قد اكتسبت صفة
مؤسسة راسخة الجذور على مدار ربع قرن ، وإنما يرجع أيضاعلى وجه أكثر أهمية
إلى الجولة الأخيرة من جولات الحرب العربية الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين
الأول 1973 م ، وعواقبها المباشرة التي تركت آثارا عميقة على استمرار
تمديد ولاية وكالة الغوث.
وفي كل مرة كانت تجدد ولاية الوكالة كان
يواكب التمديد اعتراف من الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن الوضع العام
للاجئين قد يستوجب إعادة تقييم مسؤوليات الأنروا وتحديد اتجاهات عديدة لها
، بحيث تبقى تلك المسؤوليات متفقة مع احتياجات اللاجئين الفلسطينيين ومع
مقدرة وكالة الغوث على الوفاء بمتطلبات الوضع الجديد وفقا لقرارات الأمم
المتحدة التي تبنتها بما يخص مهمات وكالة الغوث منذ العام 1949 م
ونستنج مما سبق أنه لم يكن هناك تعريف
محدد لولاية وكالة الغوث ، بل كان هناك ميل لتكليفها تحمل مسؤوليات أوسع
وأشمل سواء بالنسبة للبرامج أو بالنسبة للمستفيدين لمواجهة حالات الطوارئ
، فوضع الأنروا العام جعل ولايتها مرنة، لتتمكن من تقديم الخدمات بشكل
فعال و ببرامج مختلفة إذا اقتضى الأمر ذلك، فمثلا إبان حرب عام 1967 م
اضطرت الأنروا إلى تقديم المساعدة لغير اللاجئين من النازحين الذين لم
يشملهم تعريفها ، فجعلت هذه الجوانب وغيرها الأنروا مرنة في تحديد ولايتها.
وكان إنشاء الأنروا محاولة لتوفير سبل
الحياة للاجئين من خلال تقديم الخدماتالاجتماعية والتعلمية والصحية
والتدريبية كإنشاء المدارس و المستوصفات الوقائية والعلاجية لكل لاجئ
فلسطيني فقد أرضه ومسكنه ويستحق الإغاثة دون المساس بحقهم في العودة إلى
ديارهم.
فلا شك أن القرار الداعي إلى تشكيل
الأنروا حمل دلالة سياسية لا تخفى على المهتمين بالقضية الفلسطينية ، حيث
حل قضية اللاجئين الفلسطينيين من إطارها السياسي، وجعل التعامل معها على
أساس اقتصادي يقوم على دمج اللاجئين الفلسطينيين حيثما يعيشون ، و ربما
نبع هذا من توجه الأمم المتحدة لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس
اقتصادي واندماجي ، بعدما لمست من الدولة الصهيونية رفضها لتنفيذ القرارات
الدولية الداعية إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم .