فشل بامتياز لتحركات ملء الفراغ فى غزة
:د.عماد
الفالوجي: لا يختلف مثقفان على وجود فراغ كبير بين شريحة واسعة من أبناء
شعبنا سواء فى قطاع غزة أو الضفة الغربية , وهذا الشعور ناجم من شدة
الاستقطاب الحاد الذي تمارسه حركة حماس فى قطاع غزة أو حركة فتح فى الضفة
الغربية – وإن كان بنسب متفاوتة – وعدم قدرة الفصائل الأخرى على ملء هذا
الفراغ لدى هذه الشخصيات بالرغم من المحاولات التى تبذلها , ولأن الطبيعة
لا تعترف بالفراغ فقد حاول البعض استغلال هذا الفراغ واعتباره فرصة للتحرك
والمساهمة بتحريك هذا الماء الراكد , ومن هنا تم عقد ندوات وطرح أفكار ثم
تطورت الى القيام ببعض التحركات والتجمعات تحت أسماء مختلفة ولكنها تصب
جميعها فى خانة ملء الفراغ , واستسهل البعض هذا الهدف وتجاوز حجمه
وإمكانياته وطبيعة الأرض التى يقف عليها وطبيعة الظروف التى تواجهه فأخذ
يقدم نفسه كأنه البديل الشرعي والوحيد لكل الفصائل والجمعيات وأنه القادر
على تحقيق ما فشلت فى تحقيقه طوال سنوات النضال السابقة , وأنه القادر على
تحقيق حلم الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام بمجرد دعوته لذلك , وهناك من
وجد فى هذا الوضع الفلسطيني الشاذ ضالته ليبرز مقدما نفسه قائدا ملهما
للشعب الفلسطيني ويفخر بأنه لم يمارس النضال الفلسطيني طوال حياته وأنه لم
يكن يوما ضمن أي فصيل فلسطيني سواء سياسي أو عسكري بل يمكن أن يتجرأ ويقول
أنه لم يتشرف أي فصيل بالانتماء له , وهناك نماذج غريبة بدأت تظهر إعلاميا
وتقدم تصريحات كبيرة لتجد لها مكانا على الساحة الفلسطينية .
وأنا
مع المقولة السائدة ' لكل مرحلة مواقف ورجال ' , ومع التغيير ومنح العقول
الجديدة ان تأخذ دورها وتجدد العمل , خاصة وأن الجديد عادة يكون أكثر
حماسا وعطاءا وتفاؤلا وقدرة على الاستفادة من أخطاء الآخرين , وقد يكون
أكثر قبولا وحضورا وأكثر مصداقية لأنه لازال جديدا على الساحة وطبيعة
شعبنا أنه يعطي مساحة وفرصة لكل جديد على أمل أن يكون أفضل من سابقيه ,
ولكن هذا الجديد إذا لم يتصرف بحكمة وهدوء واتزان وتصرف بمنطقية وواقعية
سيكون سقوطه ألعن من سابقيه , وللأسف الشديد كل مراقب يرى أن هؤلاء الجدد
يتصرفون فى أغلب الأحيان برعونة وسذاجة وسطحية واضحة حيث لازالت تسيطر على
عقولهم الفردية وشخصنة الأمور ولا يقدمون برنامجا متكاملا ولا يتحركون ضمن
خطط ورؤى واضحة معروضة للنقاش على مثقفي شعبنا وشرائحه العامة .
والذي
يزيد الأمر صعوبة وتعقيدا هو غياب الشخصية القيادية القادرة على استيعاب
هذا العدد الكبير من القيادات الفكرية والشعبية وخلق منهم حالة يبحث عنها
شعبنا , ويزداد هذا الفقر القيادي فى قطاع غزة , لأن كافة الشخصيات التى
تحاول ملء هذا الفراغ ينقصها تلك الشخصية الفذة القادرة على إقناع الجميع
أو الغالبية , لابد من شخصية صاحبة تاريخ وعطاء مشهود لها وليس أشخاص
يحاولون صناعة تاريخ لهم بدون سابق خبرة أو معرفة أو تجربة , من هنا تعددت
الجهات وتشتت الجهود بين لجان وتجمعات وجمعيات وكل طرف يريد تحقيق مصالح
خاصة به ولكن من خلال شعارات المصلحة العامة وخدمة الشعب والقضية .
ومن هنا فشلت كل تلك المحاولات الرامية لمليء هذا الفراغ - بالرغم أنني شاركت فى بعضها - وذلك لأسباب عدة منها :
-
سيطرة الفردية فى عمل تلك المحاولات وبروز شخص واحد لكل تجمع لا ثاني له ,
حتى أصبح يعرف هذا التجمع باسم صاحبه وهذه من النكت الشائعة فى قطاع غزة
وبعض حالات فى الضفة الغربية , وهذا مقتل وسبب رئيسي لفشل هذه التجمعات
ونفور الكثيرين من العمل معهم .
-
غياب الرؤية الواضحة والتخطيط لهذه التجمعات بالرغم أن بعضها مضى على
نشاطه حوالي عامين إلا أنه جامد فى مكانه وغير قادر على التقدم أكثر مما
هو عليه لمحدودية تفكيره وأهدافه .
_
الإدعاء الوهمي بامتلاك الحلول السحرية والقدرة على حل المشاكل فقط لأن
لديه علاقة مع أي طرف من أطراف الأزمة , وهذا يضع صاحبه فى مربع السذاجة .
-
الإحباط الرهيب الذي يعاني منه شعبنا من كل شيء وانعدام الأمل فى الإصلاح
أو التغيير نحو الأحسن , والشك أصبح سيد الموقف من كل تحرك , ولهذا لابد
من معالجة هذه الحالة أولا حتى يكتب النجاح لأي عمل مستقبلي .
-
هجوم البعض على الفصائل بطريقة لا يقبل بها عاقل ومحاولة القفز عنها وعن
دورها الريادي وتاريخها النضالي وهذا ليس من الأخلاق النضالية على الإطلاق
, قد يكون هناك ملاحظات على عمل بعض الفصائل وتقصير فى دورها ولكن حتى
يحترمك الآخرون فيجب احترام من سبقوك فى العمل عندما لم تكن شيئا , ومن
العار أن يفتخر البعض بأنه لم ينتمي طوال حياته لفصيل فهذا ليس مدعاة
للفخر أبدا .
-
الشرذمة التى تعاني منها كل تلك المحاولات بالرغم من تطابق الأهداف
والأفكار بداخلها والسبب الرئيسي هو التنازع على قيادة عمل لازال فى علم
الغيب , وهذه العقدة الفلسطينية القديمة الجديدة ولكن المضحك أن الجميع
يدعي التواضع وعدم الرغبة فى الظهور والعكس هو الصحيح دائما .
-
ظهور ثقافة كارثية وهي العصبية فهناك من لا يرى سوى مشكلة حصار قطاع غزة
فقط وغير مستعد للتفكير بغيرها , وفى الضفة الغربية هناك من لا يرى سوى
مشكلة الجدار العنصري فقط , وهذه كارثة لأن قضيتنا واحدة وهمومنا يجب أن
تتوحد ولن يكتب النجاح لأي تحرك مبني على أساس التعصب المناطقي أبدا .