الانتخابات الفلسطينية جريمة أم عقاب..؟
حسن عصفور
نظريا
أو افتراضيا سيعود الحوار الوطني الفلسطيني بعد أجازة عيد الفطر أعاده
الله على الامة بخير ، وطبعا الموعد المتجدد للحوار سيصبح في المدى الزمني
لاقتراب الانتخابات الفلسطينية بمكوناتها الثلاثة ، للمجلس الوطني
الفلسطيني وهي انتخابات تم التوافق عليها خلال حوار القاهرة في فترة سابقة
أن تكون وفقا للتمثيل النسبي الكامل ، داخل الوطن وخارجه وفقا لمكان
التواجد الفلسطيني ، وطبعا هناك مناطق ليس من السهل إجراء الانتخابات فيها
، خاصة الدول العربية ، لكن التوافق علي اجراء الانتخابات كان كسبا سياسيا
هاما .
والانتخابات
الرئاسية التي تستحق في 25 يناير ( كانون ثاني ) العام 2010 متوافقة مع
الانتخابات التشريعية وفقا للقانون الأساسي وقانون الانتخابات الساري
المفعول فوق الأرض الفلسطينية ، وهنا تأخذ القضية منحى مختلف عن انتخابات
المجلس الوطني ، عمليا لا خلاف على الانتخابات الرئاسية فلا يوجد ما
يعطلها سوى التزامن مع التشريعية ، فيما تكمن المعضلة الأكبر في
الانتخابات التشريعية التي أصبحت على الأبواب من الناحية القانونية
والسياسية .
فالشهر
الذي سيشهد جولة الحوار القادم ( طبعا إن حدث ) يشهد بالمقابل إصدار
الرئيس للمرسوم الرئاسي الخاص بالدعوة لإجراء الانتخابات العامة الثلاث ،
وإذا لم تحدث معجزة خاصة افتراضا وجودها غي عصر النكبات العامة، الدعوة
الرئاسية ستتم وفقا للقانون التمثيل النسبي الكامل حسما صدر من مرسوم سابق
، نظرا لغياب جلسات المجلس التشريعي التي غيبتها حركة حماس بعد اعتقال
إسرائيل عدد من نوابها ، ولذا فالمرسوم الرئاسي سيفتح حالة جدل سياسي
وقانوني من قبل حركة حماس ومنتجاتها السياسية ، خاصة تحالفها في دمشق ،
وستجد في ذلك فرصة لحرف مسار النقاش من ضرورة الالتزام بالقانون وإجراء
الانتخابات الى المرسوم بذاته ومدى قانونيته ، وفتح جبهة تبتعد بأولوية
العملية الديمقراطية عن أصلها السياسي.
ولكن
وقبل الذهاب الى ما يمكن من ' جدل حمساوي' حول مرسوم مفترض صدوره من
الرئيس ، يجب التوقف أمام سلوك حماس من العملية الديمقراطية والانتخابات
ذاتها ، خاصة بعد التصريح الشهير لرئيس الوزراء السابق والقيادي في حركة
حماس إسماعيل هنية ، أن 'إجراء الانتخابات بدون
غزة جريمة وطنية ' والرسالة التي يحملها التصريح تقوم على مبدأ أن لا
إمكانية لإجراء الانتخابات في قطاع غزة ما لم تقبل حماس بذلك أولا وثانيا
أنها هي صاحبة الحق في تحديد زمانها وليس القانون أو الرئيس ، وثالثا أن
رسالة هنية تعترض على مبدأ الانتخابات ذاته وليس القانون الذي ستجرب وفقه
الانتخابات ، وهو ما يكشف أن العملية الديمقراطية لحركة حماس لم تعد جزءا
من القاعدة السياسية التي جاءت وفقها للبرلمان ولكنها حاجة لخدمة أهدافها
الخاصة ، في الزمن الذي تريده هي وحدها وهو ما يكشف بكل وضوح أن القانون
الأساسي للسلطة الوطنية لم يعد له وجود في ثقافة حركة حماس ولذا فما ستقوم
به لاحقا من هروب لمسار المرسوم للتهرب من الالتزام بالقانون الأساسي ذاته
.
الحديث
عن جريمة إجراء الانتخابات يشير بوضوح أن قطاع غزة لن يشهد العملية
الديمقراطية ما دامت حركة حماس تخطف قطاع غزة وتفرض منطقها بالقوة على
الواقع القائم هناك ، فحماس تعترض على هذه العملية الديمقراطية هو تعبير
عن الخسائر المتلاحقة التي أصابت حماس في السنوات الأخيرة وافتراقها بشده
عن ما سبق أن قدمته من برنامج انتخابي عام 2006 تحت مسمى ' التغيير
والإصلاح'، وسياسة وسلوك كان له انعكاس شديد على شعبيتها ، ما يؤدي عند
إجراء الانتخابات لخسارتها غالبيتها البرلمانية وربما خسارة غير متوقعة
بحجمها ، لذا فخيار حماس سيكون رفض إجراء الانتخابات مهما كانت تبعيتها ،
ولن تقف كثيرا أمام أي تهم وربما ستجند كل وسائلها الإعلامية ومن تتحالف
معهم لحرف طبيعة الهروب من خوف الخسائر الحتمية لنتيجة الانتخابات القادمة
وفقا لكل المؤشرات القائمة داخل الوطن الفلسطيني .
ولعل
حماس بهروبها الى تحسين علاقتها الخارجية خاصة فتح قنوات اتصال مع الغرب (
أمريكا أوروبا ) ليس سوى أحد أشكال التحصين المسبق الذي تريد أن تحتمي به
، كما أنها تعمل على محاولة استخدام هذه القنوات للضغط على الرئيس
الفلسطيني لعدم إصدار المرسوم الانتخابي ، في حين ستستخدم قناة الحوار
الوطني لتعطيل مفعول المرسوم بذريعة أن عودة الحوار وتواصله هي الكفيلة
بالوصول الى توافق على ذلك ، وليس مستبعدا أن تبدي حماس مرونة ما في بعض
القضايا الخلافية ، عدا إجراء الانتخابات في موعدها المقرر قانونا، خاصة
في المسألة الأمنية ومسألة حكومة التوافق الوطني ، الأمر الذي يمكنها من
الظهور بمظهر المتجاوب مع الرغبة العربية للتوافق .
لا
شك أن القادم يحمل كثيرا من التعقيد ، فمن جهة إصدار المرسوم بات ضرورة
سياسية وقانونية لا يستطيع الرئيس تجاهلها ، خاصة أن شرعيته الدستورية
ستكون مفقودة غدا لم تجر الانتخابات في موعدها ، وهي تختلف عن التشريعية
فشرعية الرئيس تأتي فقط من الانتخابات ولا مجال لتمديدها تحت أي ظرف كان ،
حتى في حال التوافق فذلك يجعل من الرئيس منصبا يفتقد الشرعية الدستورية ،
فيما يبقى المجلس التشريعي بأقل درجة من التشكيك ، هذه المسألة التي يجب
الانتباه لها بعيدا عن أي قضية سياسية ، فالشرعية الدستورية لا غنى لها
خاصة للرئيس القادم .
والسؤال الذي يفرض ذاته في ظل سلوك حماس هل حقا إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية دون توافق معها جريمة
، ومنذ متى بات التوافق شرطا للعملية الديمقراطية التي جاءت حماس وفقها ،
فهل كان توافقا قبل ذلك أم أن ذلك ستارا ليس إلا .. وهل الجريمة احترام
الدستور والقانون أم أن الخوف من عقاب الناخب هو الجريمة بذاتها ..
ملاحظة: متى يمكن لحماس إجراء الانتخابات القادمة .. سؤال ينتظر طويلا جوابه.
hasfour@amad.psينشر بالتزامن مع جريدة الأهرام القاهرية