وبعد
ما ذكرنا بعض مقومات المجتمع الديمقراطي ، للقارئ أن يجيب بكل صدق هل أن
هذه المقومات موجودة في مجتمعاتنا ؟ فإذا كانت الإجابة بالنفي و السلب
فإنه ينبغي على كل شخص حالِم بالتغيير للأفضل باتجاه الديمقراطية والقانون
والعدالة بنفسِه أو بالتكامُل والإشتراك مع غيره والآخرين أن يقف سداً
منيعاً في وجهِ كل من يصادر هذه المقومات ، في محاولة متأخرة للّحاق بركب
المجتمعاتِ التي تخلت عن الزبائنية و قطعت شوطاً كبيراً في مجال المدنية و
الديمقراطية و احترام القانون و حقوق الإنسان .
دور المواطنين في إحداث التغيير :
ونشأت الديمقراطية والحكم الرشيد والشفافية في أنظمة الحكم في بلاد الخلق أجمعين - باستثناء
دولنا العربية وفقاً لوجهة نظري الخاصة - التي دخلت القرن الجديد وهي
فاقدة للشرعية فإحداها في حالة طوارئ لا منتهية وكأن مدافع العدو على
الحدود ، والأخرى تكمم الأفواه وتصادر الحريات ، والثانية تمنح مواطنيها
الموازنة السنوية بمنة من العائلة الحاكمة ، إضافة لذلك أنها ما زالت
مثقلة بأعباء القرن ما قبل الماضي حيث عقلية الثأر والسير في دوائر
القولبة والتعصب الجاهلي والاستخفاف بعقول مواطنيها ، وليس أدل على ذلك
سوا الخطاب السياسي العربي خصوصاً الرسمي الذي يتحدث عن كل من قيم
الديمقراطية كالحرية والمساواة والمواطنة وحقوق الإنسان والتعددية
السياسية والتداول السلمي على السلطة والحق في التعليم والعلاج والمساواة
والسكن والعمل فيما تتشكل حياة الناس وطبيعة العلاقة بينهم وبين الطبقة
الحاكمة في مسارات بعيدة ومتعارضة مع مفردات مثل هذه الخطابات ، وكأن
الأنظمة العربية تمارس الخطاب المعلن مع إضافة غير معلنة لأداة النفي ( لا
) ، ناهيك عن قوانين العيب التي بموجبها يمنح المواطن حقوقاً ومقابلها
تقول أليس عيباً أن تخالف ولي الأمر والقيادة ولسان حالها تقول من حقك أن
تحيا ومن حقنا تعذيبك كل يوم ، ومرد الأمر أساساً كما " قال عبد الرحمن
الكواكبي " أننا ألفنا أن التصاغر أدباً ، والتدلل لطفاً ، وقبول الإهانة
تواضعاً ، والرضا بالظلم طاعةً ، والإقدام تهوراً ، وحرية القول وقاحةً ،
وحرية الفكر كفراً ، وحب الوطن جنوناً ، ناهيك عن صمت المواطن الذي مازال
مقهورا يعاني من كل شيء ، ربما هو استمرأ هذا العيش والدليل لو أنك سألت
أي مواطن عربي عن حاله لأجابك ـ رضا ـ أعجب
عن أي رضا يتحدثون ، هم لا يستفيدون من تجارب الإنسان القديم ولا من تجارب
البشرية التي ناضلت وكافحت من أجل الانتصاف للقانون والحقوق ، فالتاريخ
سطر لنا نماذجاً وصوراً كثيرة للشعوب ودورها في إحداث التغيير وأغلب هذه
الصور كانت للشباب لما لهم من أهمية وقيمة في إحداث التغيير والانتصاف
للحقوق ورفع راية القانون ، ولا أريد التغني كثيرا في
الشباب ، " وإليكم بعض التجارب ، كتجربة الحركة الشبابية الفرنسية التي
قادها الطلاب عام 1968م حيث أدت إلى إسقاط حكم " ديغول " ، وكذلك الحركة الشبابية التي قوضت حكومة الديكتاتور "
إبراهيم عبود " العسكرية في السودان 1964م ، وكذلك تجربة الحركة الشبابية
الاجتماعية التي عرفتها دول أوروبا الشرقية في نهاية الثمانينات وبداية
التسعينيات والتي كانت بمثابة التحرك الفعلي لشعوب ومجتمعات أوروبا
الشرقية التي ضاقت بالحكم السوفيتي ، والتجارب عديدة يكفي ذكر ما ذكرناه
منها ، لكن التساؤل الشرعي هنا أين المواطن العربي اليوم ؟ أين فاعلية
مؤسسات المجتمع المدني ؟ أين نحن من الاستفادة ومن تجارب البشر ؟ أين
المتنورين العرب ؟ من غياب القانون ، والديمقراطية ، واختفاء مظاهر
الانتخابات ، ومن غياب الشرعية في أنظمة الحكم في البلاد العربية ، وأين
هم أيضا من مجتمعاتهم التي دخلت أعتاب الألفية الثالثة والتي مازالت تراوح
مكانها وكأنها قاطعة عهد وقسم على نفسها بأن تبقى في آتون الماضويات
السحيقة والظلاميات الكبرى إلى يوم الدين ، كل هذه أسئلة تحتاج منا لإجابة
آثرت أن لا أجيب عليها ، وعلى كل من يقرأ هذه الدراسة أن يجيب عليها بكل
صدق مع نفسه أولاً وبكل مهنية .
وتغني
الفلاسفة والمتنورين في كتبهم ومؤلفاتهم بالقانون وسيادته إلى أن وصل بهم
القول
" أن القانون يجب أن يكون كالموت لا يفرق بين أحد " وقال أحدهم " إن
الحكومة الديمقراطية الرشيدة ينبغي أن تكون حكومة قانون لا حكومة رجال "
وأنا أقول بأنه " لا يمكن أن يطلق على مجتمع وصف القانون إلا إذا صار
القانون هو اللعبة الوحيدة في هذا المجتمع "
العلاقة بين القانون والديمقراطية :
ولمن يسأل عن العلاقة ما بين القانون و الديمقراطية ؟ أقول أن العلاقة بينهما وثيقة فهما إن جاز
التعبير وجهان لعملة واحدة كون أن لا يمكن أن تنشأ ديمقراطية قويمة في أي
بقعة جغرافية دون قانون ينظها ويحميها ولا معنى لوجود القانون في الجماعة
دون الديمقراطية ، فالقانون والديمقراطية متلاصقان مترابطان وليس أدل على
ذلك أيضا سوى إن من إحدى مميزات المجتمع الديمقراطي وجود
القانون في هذا المجتمع وهو من ينظم العلاقة بين كل شرائح المجتمع قاطبةً
، والقانون الديمقراطي من وجهة نظري هو مهد الديمقراطية والمرتع الخصب
لوجودها ، فالقانون يعطي حقوقاً متساوية للجميع لا تمييز على أي أساس ،
والقانون عموماً يتصف بالتجريد بمعنى أنه لا يخاطب شخصاً بعينه وإنما
يخاطب الأشخاص كافة و بصفاتهم ، والقانون يطبق على الجميع سارق كان أو
مرتشي ، والقانون منح صلاحيات للأنظمة الحاكمة لا يجوز تجاوزها والسطو على
صلاحيات أخري ، والقانون أيضاً ينص على استقلال القضاء ، والقانون حدد
الولاية الرئاسية وكذلك البرلمانية فلا يجوز تجاوزها وفقاً للقانون ،
والقانون كذلك يحاسب مستغل النفوذ والمختلس والزاني ولا يفرق ما بين زانٍ
وزاني لظروف وإعتبارات شخصية كون الأول مواطن عادي ضعيف
والثاني ... ! وهذا باختصار جوهر الديمقراطية الأصيلة والقانون القائمين
من جانبهما على عدم التمييز على أي أساس سواء اللون أو العرق أو الدين أو
الجنس أو الإعاقة أو ... الخ
الواقع العربي والفلسطيني على السواء :
لكن
يا هل ترى وبعد أن استعرضنا تجربة البشرية للتخلص من مبدأ القوة والقسوة
والوحشية وبعد أن توصلت الإنسانية إلى أنظمة الحياة ـ القانون ـ أين نحن
نقف اليوم ؟
ربما
هو سؤال مشروع سأجيب عليه بكل صدق مع نفسي أولاً وبلا تحيز ، نحن اليوم
نعيش في آتون ما قبل الماضويات السحيقة وما قبل العهود البائدة إذ لا وجود
لوازع ، ولا لناظم ، ولا لرادع في حياتنا البشرية ، ولا وجود للقانون أيضا
في علاقاتنا مع البعض فنحن مازلنا نحتكم
للقوة وللقسوة ولكسر الرأس كأداة لحل الخلافات ، ومازلنا نستخدم الحديد
الفولاذي لحسم المتناقضات وهذا المؤسف حقاً كون أن البشرية اليوم دخلت
الألفية الثالثة - القرن الحادي والعشرين - ونحن باختصار مازلنا في غياهب
العصور القديمة قِدم الديناصورات ، والله إني لأشعر بغصة في القلب تعتصر
كل شراييني لما وصل إلية العرب من حال ، تخلف شديد في كل مناحي الحياة ،
باختصار هذا حال العرب اليوم ، وما يؤسفني أكثر أن دول العالم الثاني
أصبحت تمتعض من لقب دول العالم الثاني التي هي تنتمي إليه ، ذلك راجع لشدة
اتساع الهوة وللفرق الواسع ما بينها وبين دول العالم الثالث فأخذت تنادي
اليوم بضرورة أن يقسم دول العالم إلى أكثر من ثلاث حتى هي ترضى وتشعر
بالفارق ما بينها وبين دول العالم المتخلف ـ الثالث ـ ،
ربما هي على حق كون أنها منتجة ومصدرة للتكنولوجيا ، وللقانون فيها اعتبار
عظيم وهو الفيصل ، فهناك لا فرق ما بين زانٍ وزاني لاعتبارات المنصب فالكل
عندهم سواء والقانون عندهم كالموت لا يفرق بين أحد ، وهم يسيرون على خطى
المدنية والتمدين ونسوا القبلية والزبائنية وغيره ... الخ ، أما دولنا
العربية المنتمية للعالم الثالث في متخلفة ومستوردة للتكنولوجيا ولكل شيء
حتى للإبرة التي يحيكون بها ملابسهم ، ولإبرة " البابور " أيضاً ، وللسبحة
التي هي من تقاليد المسلمون في دولنا العربية ، ناهيك عن أن لا معني ولا
اعتبار ولا وجود للقانون في حياتهم ، والقضاء عندنا أيضاً
يفرق ما بين زانٍ وزاني لاعتبارات المصلحة العامة ، والسير باتجاه المدنية
والتمدين والديمقراطية في دولنا معدوم فما زالت الأفواه مكممة والأقلام
مصادرة إلا عن " تنابل " مفتي السلطان الذين يستحمرون البشر و
يستخفون بالعقول و يشيعون بأن حكومات الدول العربية ورؤسائها هم ربانيون
وامتدادات لنسب الرسول الكريم ، باختصار هم يرفضون الخروج من الخيمة ،
ويعانون من والزبائنية في الحكم ... الخ ، ولربما في القريب المنظور تتحول
دولنا من قوائم العالم الثالث - المتخلف - إلى قوائم دول العالم العشرين .
وكلمة
أخيرة أقولها وأختتم بها : القانون كالسيف إن أشهرته قاتلت به وانتصرت ،
وإن أعمدت إهماله ساد الضعف والهلاك وانتشرت كل الآفات الضارة في المجتمع
، وللأسف أيضا لقد عمد بعض رجالات السلطة الوطنية الفلسطينية إلى قتل
القانون أو ربما قتل سيادة القانون في المهد في المهد وهذا ليس من باب
التجني على أحد لا سمح الله ولا من باب الافتراء أيضاً إنما هو واقع
عايشناه ولمسناه وتُثبته الوقائع والبراهين فمثلا ماذا فعل النائب العام
بملفات التحقيق التي فتحت في قضايا الاختلاس والفساد ، وماذا سن المجلسين
التشريعيين من قوانين نحن في أمس الحاجة لها لتوحيد سلة القوانين في شطري
الأراضي الفلسطينية و لإزالة التناقض منها ، وهل أن المجلس قام بدوره في
مجالي التشريع والرقابة ، ناهيك عن مئات أحكام المحاكم التي صدرت من قبل
المحاكم الفلسطينية المختلفة ولم تجد لها أذاناً ولم تنفذ وبقيت حبيسة
أدراج المولجين بالتنفيذ والسبب حالة التًنفذ والفوضى والواسطة والمحسوبية
، حالهم حال باقي رجالات أنظمة الحكم في الدول العربية ، ولربما أتساءل
هنا بسؤال مشروع ولماذا ؟ الإجابة باختصار ، لأن القانون
يعاقب على القتل وعلى السرقة وعلى النصب وعلى الزنا والإغتصاب وهتك العرض
وعلى تجارة وحتى تعاطي المخدرات ... الخ ، ويعاقب على الرشوة ، وعلى
إختلاس المال العام والإضرار به ، وعلى استغلال النفوذ وعلى سوء استعمال
السلطة أيضاً ، وليس الحال اليوم أفضل فالسلوك الممقوت المنتقذ بالأمس
أصبح مباحاً اليوم فالمحسوبية هي المحسوبية ، والواسطة هي الواسطة ، و
التنفذ هو التنفذ ولا جديد ومازال المجتمع مهلهلاً ضعيفاً يعاني من كل
الآفات التي سبق ذكرها رغم تغير وتبذل الوجوه ، فما أشبه اليوم بالأمس والخلف كالسلف وعلى خطاه سائر لن يحيد .
وأخيرا
: فإن نجح هذا العمل في تحقيق ما بوسعه فقد أدى كل ما نرجوه منه ، وإن قعد
عن آدائها فجزاؤنا جزاء العاجز الذي بذل كل ما بوسعه من أجل تحقيق قصده .
المراجـع:
1- موسى أبو ملوح ، المدخل للعلوم القانونية ، الكتاب الأول ، 2001 - 2002 ، ص 2 .
2- إمام عبد الفتاح إمام ، الديمقراطية والوعي السياسي ، ص 14 .
2- عبد الرحمن الكواكبي ، تقرير التنمية الإنسانية العربية 2003 .
3- معهد دراسات التنمية – غزة ، ندوة عقدها المعهد بعنوان دور الشباب في إحداث التغيير ، قاعة فندق
جراند بالاس ، 28 / 5 / 2008
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/