القانون ، الديمقـراطية والمجتمعات العربيـة .
بقـلــم :
أ / رامـيمعـيـنمحســن
المقدمة :
بداية لم أجد بين ثنايا اللغة العربية مترادفات أبدأ بها دراستي هذه سوى كلمة " ليس القانون مجرد
أغنية نتغنى بها جميعا بدءًً بأفراد المجتمع وانتهاءً برأس الهرم ، ولا هو
أنشودة صباحية تلقى على مسامع طلاب المدارس الإبتدائية وحتى الثانوية
أثناء الإذاعة المدرسية ، ولا القانون هو مجرد فرقعات في الهواء أو حتى ضرب من ضروب الخيال . إنما هو – وأقصد القانون – نتاج
تطور البشرية ونتاج تجارب البشر منذ الخليقة وهو أرقى صيغ المدنية
والتمدين ، فلقد عاش الإنسان دروباً من الزمن كان السائد فيها روح
الإنتقام والقسوة والقوة والتي نشأ عنها فيما بعد مبدأ ساد العلاقات
البشرية ردهاً من الزمن ألا وهو " القوة تنشأ الحق
وتحميه " ذلك المبدأ الذي تلاشى مع الزمن بعد أن تجرع الإنسان مرارة حنظله
على يد أخيه الإنسان ، وأمام نداءات وصيحات ضمير الإنسان كان لا خيار أمام
الإنسانية وللخروج من الوحشية ضد الإنسان إلا ابتكار منهج جديد أو صيغ
جديدة يصان من خلالها الإنسان وتحفظ كرامته ويحافظ على الإنسان كونه إنسان .
فظهر العديد من المتنورين والفلاسفة في تلك الحقبة الزمنية الذين أسسوا لناظم جديد يضبط تعامل البشرية والإنسان مع أخيه الإنسان بعد أن أغاظتهم الأفعال الوحشية الهمجية التي أقترفت ضد الإنسان
كفاح البشرية للتخلص من مبدأ القوة وصولاً للضوابط الثلاث :
قارئي الكرام : يجب أن تعلموا أن البشرية كافحت وقاتلت منذ الخليقة من أجل الوصول إلى حال أفضل
مما كانت هي عليه حيث القوة والقسوة في معاملة الإنسان فكان نتاج كفاحها
ونضالها أن أسست للأنظمة الثلاث وهي ما عُرفت أو ما أُطلق عليها فيما بعد
ـ بأنظمة الحياة ـ والمقصود بها أنها صيغ
جديدة وآليات مختلفة عما كان سائد وذلك لأجل الخروج من مرحلة الوحشية
والقسوة التي عُومل بها الإنسان خلال العهود البائدة .
أنظمة
الحياة الثلاث تتلخص في كلمات ثلاث صغيرة لكنها من الناحية العملية في
الحياة تحمل دلالات عظيمة وكبيرة ولها ووقع في النفس وتأثير وهذه الأنظمة
تتمثل في التالي:
أولا : وازع ثانيا : ناظم ثالثا : رادع .. وإليكم الشرح ،
وازع
: يمكننا القول بأنه بعد أن ذاق الإنسان مرارة وقسوة تلك الحقبة التي من
المؤكد أنها قد اتسمت بالوحشية في معاملة الصنف البشري ، فكان عنصر القوة
آنذاك هو بمثابة اللغة الوحيدة المعتمدة كوسيلة للتفاهم
والحل ، هذا المبدأ أزعج الكثيرين اللذين كان لهم السبق في تبيأة وفضح ذلك
المبدأ خصوصا في مرحلة ما بعد تطور الفكر الإنساني نوعاً ما ، حينها أدرك واستنتج الإنسان سواء أكان ذلك بالفطرة أو بالصدفة أو بالتجربة أن هنالك قيم ، اتجاهات ،
محددات ، وأخلاق سواء أكانت هذه الأخلاق مستمدة ومستوحاة من الديانات أو
من نتاج تطور الحياة البشرية هي التي يجب أن تضبط وتحكم العلاقات البشرية
بدلا من صيغ العلاقات القديمة التي اتسمت بالقوة والقسوة والوحشية في
مواجهة الإنسان ، فبهذا نجد أن البشرية قد توصلت إلى قاعدة جديدة مفادها
أن لابد من وجود القيم والاتجاهات وحتى الأخلاق في حياتهم وهي أيضا التي يجب أن تحكم علاقات الإنسان مع الإنسان وهذا هو الوازع .
أما
ناظم : وبعد أن صار في حياة الإنسان جملة من القيم والاتجاهات وحتى
الأخلاق أخذ يبحث كيف له أن يقنن تلك القيم والأخلاق ويجعلها قانوناً
يُهتدى به في مجال علاقات الإنسان مع الإنسان فمن هنا جاءت ودخلت الحياة
البشرية مجموعة من المعايير ، الأنظمة ، والقوانين وإن
كانت لا ترقى تلك القوانين إلى درجة تطور القوانين اليوم إلا أننا نجد أن
الإنسان قد نجح في وضع معايير وأنظمة وقوانين لها وحدها الإلزامية والفيصل
في حل نزاعات الإنسان وهي بالمناسبة تنظم عملية وازع المتمثلة في القيم
والأخلاق والاتجاهات والمحددات كما أسلفت .
رادع : ورادع
هنا بمعنى أن الإنسان وبعد أن خلق صيغ وازع وناظم وبعد أن أدخلها في
الحياة الإنسانية الجديدة أخذ يبحث عن صيغ أخرى تضمن تنفيذ وتطبيق ما
توصلوا إليه ، وفعلا نجحت الإرادة الإنسانية في إستحداث صيغ تتعلق برادع ، ورادع لمن لا يعرف ، هو يتمثل في صيغ المسائلة والمحاسبة بحق كل من يخلُ بنظام ناظم والمتمثل في المعايير والأنظمة والقوانين .
وبهذا تكون قد اكتملت أضلع المثلث الثلاث و تطورت فكرة القانون بصيغها الحالية وأصبح القانون وحده دون سواه الحكم في كل النزاعات .
مفهوم القانون :
في
هذا السياق يمكننا القول بأن القانون في الدولة أو المجتمع هو ضرورة
اجتماعية ، فكل مجتمع لا بد من وجود قواعد قانونية تنظم العلاقات بين
أفراده . فكل جماعة تنشأ بين أفرادها روابط اجتماعية واقتصادية وسياسية ،
هذه الروابط بحاجة إلى تنظيم ، والقانون أو القواعد القانونية هي الكفيلة
بحكمها وتنظيمها .
القانون لغة :
كلمة ذات أصل يوناني ( Kanun ) ، وهي بهذا تعني القاعدة ، أو المبدأ ، أو العصا المستقيمة .
القانون في الإصطلاح :
*
يعرف أستاذنا الدكتور موسى أبو ملوح القانون بأنه / مجموعة القواعد
القانونية التي تنظم سلوك الأفراد وهياكل المجتمع وتحترم بما لها من جزاء
يُوقع على كل من يخالفه .
*
ويعرفه د : ميشيل الحجري بأنه / مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد
الخارجي في المجتمع بصورة ٍ عامة ٍ و مجردة ٍ، و توقع الدولة جزاء على من
يخالفها .
والمفيد
ذكره هنا أنه بالقانون ارتقت كل تجارب الإنسانية التي تمسكت بالقانون ،
وخمدت جُل التجارب الأخرى التي حاولت الالتفاف أو حتى تهميش القانون
والشواهد التي تثبت ما أقول كثيرة و متعددة في هذا المضمار .
ونتيجة لتطور الفكر الإنساني وللصيغ الجديدة التي اعتمدتها البشرية كسبيل للحياة - القانون - نشأت فكرة الديمقراطية .
مفهوم الديمقراطية :
وفق
قناعاتي الخاصة فإن الديمقراطية تجربة إنسانية عالمية يفرضها العقل البشري
المجرد ، وتحتمها الأخلاق ، للمحافظة على الكرامة الإنسانية المتأصلة في
الإنسان ، وبالتالي فإن ما هو متداول خصوصاً في وطننا العربي من أن
الديمقراطية هي تجربة يونانية ، أو هي نظام غربي ، أو حتى القول بأنها
تجربة لمجتمعات خاصة وبالتالي لا تصلح لدول العالم الثالث أو للشرقيين أو
للعرب على وجه الخصوص ، فهذه أفكار خاطئة و مغلوطة ينبغي إعادة النظر فيها
، وأنه حتى لو كانت نظام غربي فما الذي يمنع أن نأخذ عنهم
مبادئ الديمقراطية كالحرية والمساواة والعدالة وأن نختار لنا شكلاً
ديمقراطياً خاصاً يتوائم مع طبيعة مجتمعاتنا وثقافتنا شريطة المحافظة وعدم
المساس بالمبادئ الأساسية للديمقراطية .
الديمقراطية لغةً :
هي كلمة مركبة ذات أصل يوناني ، وما زالت تحمل الإشتقاق اللغوي الذي يدل على هذا الأصل( Demos أي الشعب ، Kratia بمعنى حكم ) ، فلو قلنا " ديموس كراتيا " فمعناها حكم الشعب .
الديمقراطية في الإصطلاح :
* يعرف الرئيس الأمريكي أبراهام لينكولن الديمقراطية بأنها : " حكم الشعب بالشعب للشعب "
* وأعرفها بأنها : نظام حكم يكون فيه الشعب مصدر السلطات ، وذلك من خلال انتخابات دورية ، سرية ، حرة ونزيهة .
مميزات ومقومات المجتمع الديمقراطي :
لربما
وجدتُ أنه من الضروي في هذه الدراسة سرد أو ذِكر بعض المميزات التي ينبغي
وجودها وتوافرها في المجتمع الديمقراطي للتعرف عليها أولاً ، ومقارنتها مع
مجتمعاتنا العربية والتعرف من أن هذه الميزات والمقومات متواجدة في
مجتمعاتنا العربية تلك المجتمعات المنتمية لدول العالم الثالث " المتخلف "
مع التنويه هنا بأن هذا السرد ليس على سبيل الحصر إنما هو على سبيل المثال
.
وإليكم هذه المميزات أو " مقومات " المجتمع الديمقراطي
1- التعددية السياسية والحزبية .
2- التداول السلمي للسلطة بعد انتخابات سرية ، حرة ، ونزيهة .
3- الفصل بين السلطات الثلاث .
4- المساواة أمام القانون .
5- سيادة القانون .
6- وجود مجتمع مدني فاعل ، ومشارك في اتخاذ القرار .
7- حماية حقوق الأقليات .
8- عدم المساس بالحريات الأساسية ، واحترام حقوق الإنسان .
9- استقلال القضاء .
.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/
أمس في 11:07 من طرف رضا البطاوى
