الشيخ إبراهيم عوض الله
غريب أمرنا عجيب، أرضنا محتلة ، ومقدساتنا مهددة ، ونحن في المجمل أسرى، وإخوتنا وأبناؤنا رهن في يد السجان، واقتصادنا مكبل، وحريتنا مفقودة، وكرامتنا منتهكة ، ومستقبلنا يلفه الغموض....إلخ.
ومع كل ذلك نتناحر... ونتناحر... على أي شيء؟! لا ندري، هل نتناحر على السيادة المنقوصة؟! أم على نصيب من كعكة « الرضوخ»؟! لا ندري.
إن حالنا في الوضع الطبيعي يمكن أن يدرج في نطاق الابتلاء الذي قال الله تعالى فيه:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة:155).
فلو واجهنا الابتلاء بالصبر والجلد والعمل الدؤوب على تغيير ما بنا من سوء، وإصلاح ما بنا من خلل، لصدق فينا قول الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(البقرة:155) وقوله سبحانه{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (البقرة:156). فابتلاؤنا بذلك يكون ضارة نافعة بإذن الله.
لكن وجه العجب والغرابة يكمن في طريقة تعاطينا مع الظروف المحيطة بنا، فحين نتجاهل الحقيقة المرة، ونتخيل أننا أصبحنا نملك الأمر وزمامه، ونتناحر على فتات هزيل، والدمار متربص بنا وبديارنا، فهنا نكون قد جلبنا لأنفسنا ووطننا وديننا الويلات، فإن مبادرتنا إلى المصاعب التي تعترض حياتنا والشدائد التي نعانيها لنحملها بأيدينا، ونسعى نحوها بأرجلنا؛ فتلك خدمة نقدمها لخصومنا على طبق من ذهب، ويساط من حرير.
فحين نختار التناحر والخصومة والشقاق والنزاع سبيلاً؛ فإننا نركس أنفسنا في مخازي الردى، والله حذرنا من سلوك هذا الدرب فقال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال:46)،فهو درب الفشل والخسران، وهو درب الفتنة التي يبغيها الخصوم لنا.
وفي ظل اختيار التناحر درباً رغم كل المحاذير المحيطة به، يحتار المرء في الحكم على عقولنا، أهي واعية بما يدور أم غافلة عما حولها؟! فإن كانت غافلة فتلك مصيبة، وإن كانت واعية فالمصيبة أعظم.
ونخشى أن نصبح مثلاً يضرب في الغفلة والتيه، والانشغال بالترهات أمام الخطب العظيم، كتلك القرية التي كانت محاصرة تواجه مصيرها المحتوم، وأهلها مختلفون هل الدجاجة من البيضة؟! أم البيضة من الدجاجة؟! فذهب جدلها مضرباً للأمثال.
فإذا كانت نتيجة التناحر الفشل، وإذا كان التناحر يحقق لخصومنا أهدافهم أو ييسر تحقيقها، وإذا كان ما نتناحر عليه سراب بقيعة، وأوهام في المخيلات، فالتناحر إذن جريمة نكراء، نقترفها بحق نفوسنا وديننا ووطننا وشعبنا وتاريخنا، وبحق شهدائنا وأسرانا والمرابطين فينا.
فاتقوا الله فينا أيها المتنفذون، يا من تملكون زمام وأد الفتنة، على رسلكم أوئدوها، إنها ملعونة، وملعون من يوقد نارها أو يساهم بذلك ولو بكلمة أو رصاصة أو موقف....إلخ.
لقد خسرت قضية شعبنا الكثير جراء التناحر، على مختلف الأصعدة؛ المحلي منها والإقليمي والعالمي، وعلى المستويات النفسية والعسكرية والاقتصادية والسياسة والدينية، فهل لنا أن نفيق قبل أن تسبقنا عجلة الزمن، ونخسر ما بقي من قضيتنا وشعبنا ونفوسنا ومقدساتنا وأرضنا ووجودنا؟
فأملنا بالله كبير أن ييسر لنا سبيل الإفاقة، ويزيح عن عقولنا الغفلة، ويصرف عن أبصارنا الغشاوة، وأن يطهر قلوبنا من علل الهوى الذي يقود لانتصار كل ذي رأي لرأيه، والله نسأل أن يأخذ بأيدينا لما يحب ويرضى، فنكون مع الحق ، نسير حيث سار ، ونجانب الباطل وأهله بغض النظر عن أسمائه ومسمياته.
وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، فلنتوجه إلى الله بقلوب خاشعة وجلة، نعاهده أن نكون أوفياء لمبادئنا وقضايانا المشروعة، ودماء شهدائنا، وأنات جرحانا، ولأسرانا، ونعوذ بالله من أن تستحوذ علينا الأهواء، ومن أن يزين الشيطان لنا سوء العمل فنراه حسناً.
اللهم لا تردنا على أعقابنا خاسرين، واجعلنا من ورثة جنة النعيم، واحشرنا اللهم مع الصديقين والنبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.