البيان الرئاسي لمجلس الأمن بخصوص سورية يدق ناقوس الخطر
بقلم: زياد ابوشاويش
التصريح الواضح للرئيس الروسي حول ضرورة البدء في الإصلاحات بسورية أو مواجهة مصير محزن للرئيس الأسد يمثل تطوراً نوعياً في اللهجة الروسية تجاه ما يجري في سورية من أحداث كان أكثرها تأثيراً على الرأي العام ما تناقلته وكالات الأنباء وبعض المعارضين السوريين حول ما يجري في حماة من مواجهات وصفت بالأعنف والأكثر دموية منذ بدء الاحتجاجات قبل أربعة شهور ونيف.
إن هذا التصريح يجيء بعد صدور قرار من رئاسة مجلس الأمن يدين عمليات القمع والعنف التي تقوم بها السلطات السورية ضد مواطنيها على حد تعبير البيان، كما يدين في ذات الوقت كل أعمال العنف التي تقوم بها كافة الجهات بما في ذلك المعارضون للنظام وتدعو للتوقف عن ذلك. ليس هذا فحسب بل إن أمين عام الأمم المتحدة أدلى بأحاديث وصفت بأنها غير مسبوقة في إدانتها للأعمال غير الإنسانية التي تقوم بها أجهزة الأمن والسلطات السورية ضد مواطنيها حسب ما ورد في تلك التصريحات والأحاديث. في المقابل بدأنا نسمع بعض التصريحات من دول عربية تتعاطف مع معاناة الشعب السوري وتبدي قلقها من أعمال القتل التي تجري في بعض المدن السورية، وغني عن الذكر ما يردده المواطنون العرب والسوريون من أن مواجهة الدولة للاحتجاجات تجاوزت الحد المعقول في قوتها ضد المحتجين، بل ضد المدن التي يخرج فيها المتظاهرون بكثافة وتنادي بإسقاط النظام، ويذكر بعض الهاربين من حماة أن ظروف الناس المعيشية هناك باتت صعبة للغاية، وأن عائلات كثيرة هربت من المدينة باتجاه أماكن أكثر أمناً واستقراراً منها.
صحيح أن هناك مسلحين يجابهون قوى الأمن والجيش في أماكن عديدة من سورية، لكن الصحيح أيضاً كما يقول المعارضون وجود قرار عند القيادة السورية وخاصة قيادة الأجهزة الأمنية بمواجهة الجميع ممن يتظاهرون ضد النظام سواء كانوا سلميين أم عنيفين، وأن المناطق التي تخرج فيها الاحتجاجات والمظاهرات تتعرض لعقوبات مختلفة منها قطع الكهرباء وغير ذلك من التضييق على حياة الناس ومعيشتهم.
لابد أن نعترف ونحن نقارب الأوضاع في سورية اليوم أو للمستقبل أن هناك خطأً فادحاً وقعت فيه الحكومة السورية وأصحاب القرار بما في ذلك مؤسسة الرئاسة والقيادة القطرية لحزب البعث بالسماح للحل الأمني أن يتصدر قائمة المعالجات للمشكلة، بل وتصعيده بطريقة فجة بدلاً من تخفيف مفاعيله والاستغناء عنه في مرحلة لاحقة، وكان ذلك سيجنب البلد مصائب كبيرة نراها تطل علينا من نافذة المستقبل القريب والمتوسط والبعيد.
إن البطء في تنفيذ الإصلاحات بل والعمل بما يجعل الإعلان عنها غير مفيد أو بلا تأثير حقيقي على الشارع كان أيضاً من الأخطاء النوعية التي وقعت فيها القيادة السورية، فعلى سبيل المثال حين يأمر الرئيس بشار الأسد (وهو الذي كان يحظى بحب شعبه وثقته الكبيرة) بالتوقف عن إطلاق النار على المتظاهرين ثم في اليوم التالي تطلق النار عليهم ويسقط أكثر من مئة قتيل في درعا ثم يتكرر الأمر بعد تصريحات الناطقة الرئاسية بثينة شعبان في ذات المعنى والمطلوب وتتكرر عمليات إطلاق النار على المحتجين ويقتل منهم عدد يعتبر كبيراً في نظر أي مراقب سياسي وفي نظر العالم، عندما يحدث كل ذلك كيف يمكن لأي قرار إصلاحي أن يفيد؟
عندما يلغي الرئيس قانون الطوارئ ومحكمة أمن الدولة العليا ثم تقوم أجهزة الأمن باعتقال العشرات على خلفية مشاركتهم في التظاهرات فليس متوقعاً أن يكون للقرار أي تأثير، كما أن إقرار قانون حرية الصحافة يصدر ولا نجد انعكاساته في السماح للمعلقين أن ينتقدوا النظام علناً أو يتم منع المراسلين من تغطية الأحداث فإن حرية الصحافة بالقرار لا تعني أي شيء للمواطن السوري. كل هذا وغيره من مظاهر التناقض بين الدعوة للإصلاح التي يطلقها الرئيس الأسد ويعرف الناس أنه صادق النية في طرحها وتطبيقها وكذلك القيادة السورية يجعل من الصعب على الناس في الداخل والخارج تصديق ما تقوله الحكومة حول التحول للتعددية وحرية الرأي وممارسة السيادة من الشعب على مقدراته، يضاعف من هذه السلبية الاستمرار في حل أمني أثبتت الأحداث فشله وانعكس تطبيقه بهذه الطريقة العنيفة على سمعة سورية وقيادتها في الخارج مما أدي في النهاية إلى صدور البيان المشار إليه في مطلع مقالنا وإلى التحول النوعي في موقف الحليف الروسي الصديق الأقرب لسورية وقيادتها الراهنة.
ما صدر من تصريحات عن وزيرة الخارجية الأمريكية، وفي لقاءها مع بعض المعارضين بواشنطن بعد البيان يوحي بأن مرحلة جديدة من العدوان الأمريكي على القطر العربي السوري عبر التدخل في شؤونه الداخلية قد بدأت ويجب الاستعداد لها بطريقة شاملة. إن التدخل الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً مدان من كل الطيف السياسي السوري باستثناء بعض العملاء في الخارج، لكن هذا لا يلغي القوة الهائلة التي تتمتع بها أمريكا في الضغط على الدول الأخرى وفي المنطقة من أجل محاصرة سورية ونظامها الذي تريده مطيعاً لأوامرها فيما يتعلق بالسلام مع الكيان الصهيوني وفي فك تحالفه مع إيران على وجه الخصوص.
إن التحول في الموقف الدولي وربما لاحقاً في الموقف العربي جاء نتيجة الأخطاء المتكررة في معالجة الحراك الداخلي وخاصة استمرار الحل الأمني وتصعيده بالطريقة التي جرى بها في حماة ولا يبرر وجود عصابات مسلحة أو بعض المتمردين والشبيحة حصار المدينة أو غيرها من المدن وقطع وسائل الحياة عنها أو قتل هذا العدد من الناس تحت تلك الذريعة.
إن سورية باتت على أعتاب مرحلة جديدة تتسم بالخطورة الشديدة وجاء بيان مجلس الأمن ليقرع الجرس لمن فاته الاستماع لصوت الشارع السوري والعربي حول أهمية وقف المجابهة العنيفة للاحتجاجات، ومن الضروري اليوم أن تقف القيادة السورية وخاصة سيادة الرئيس بشار الأسد لإعادة النظر في كل السياسة الرسمية التي اتبعت منذ بدء الأحداث، لأن هذا سينتج فهماً واقعياً للتطورات يترتب عليه تغييرات كبيرة في هذه السياسة لحماية أمن سورية ووحدة أراضيها وقدرتها على مواجهة المؤامرة التي ربما تنجح إن استمر الوضع كما هو.
إن كل العقلاء في البلد وكل الحريصين على تماسك سورية في مواجهة الضغوط والتدخلات الخارجية معنيون اليوم بالعمل على وقف الحل الأمني ووقف التظاهرات العنيفة واللجوء للحوار الوطني، وليس أمام الجميع سوى هذا الطريق أو التسليم لأمريكا وعملائها بالتحكم في مستقبل سورية، وهذا ما ترفضه جماهير الشعب السوري موالاة ومعارضة.
Zead51@hotmail.com
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/