الانتحار.. ظاهرة متزايدة بغزة تدق ناقوس الخطر
بعد أن خسر المواطن 'م.ا' أمواله في تجارة الأنفاق بين مصر وغزة سلّم نفسه لقراره الأخير وصوب البندقية نحو رأسه وضغط على الزناد، اخترقت الرصاصة جمجمته وسقط مضرجاً في دمه.
الجيران فزعوا من صوت إطلاق النار قبل أن تتكشف حادثة انتحاره وينقلوه جثة هامدة إلى المستشفى.
انتحار 'م.ا' أحد سبع حالات وفاة نتجت عن محاولات انتحار من أصل 95 محاولة سجلتها المصادر الطبية والأمنية منذ بداية العام الحالي في قطاع غزة.
ورغم أن الانتحار يعتبر ظاهرةً شاذةً عن المجتمع بغزة إلا أن الإحصاءات تعتبر مثيرة للقلق خاصة في أوساط الفتيات.
دوافع
ويعزو أخصائيون الظاهرة لأسباب أهمها الضائقة الاقتصادية والضغوط الاجتماعية المتزايدة بسبب الفقر والبطالة والحصار.
ومن أكثر قصص المنتحرين شيوعاً ما أصاب طالبات الثانوية العامة من قلق دفعهن للانتحار أو قصص زوجات عشن في منزل أهل الزوج فتراكمت مشاكلهن.
وقال مدير التخطيط والدراسات الفنية في الشرطة بغزة المقدم عمر أبو عمرة أن النصف الأول من العام سجل 95 حالة منها 7 حالات وفاة.
وأكد 'من مطلع العام حتى منتصفه لاحظنا تزايداً في عدد من حاولوا الانتحار، وهناك حالات بالكاد تم إنقاذها، وهذا يشير إلى تنامي الظاهرة'.
وعزا أبو عمرة انتشار الظاهرة بشكل أساسي للحالة الاقتصادية بالدرجة الأولى، ومشاكل العائلة بدرجة ثانية.
ويفصّل أستاذ الشريعة بالجامعة الإسلامية ماهر الحولي الجانب الديني للمسألة قائلاً: 'إن الدين جاء لحفظ الكليات والضروريات الخمس 'الدين-النفس-المال-العقل-النسل'.
وأوضح الحولي أن آيات القرآن تحدثت عن الحفاظ عليها من ناحية الوجود كأن توفر احتياجات كل نفس، ومن ناحية العدم بتشريع عقوبات حال انتهاك حرمة النفس من الغير أو من ذاتها.
وبيّن الحولي أن الدين حرَّم الانتحار بأي شكل مستدلاً بقوله تعالى: 'ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق'، وقوله صلى الله عليه وسلم: 'لا يحل دم امرئ إلا في ثلاث، التارك لدينه المفارق للجماعة والثيّب الزاني'.
وأضاف: 'يقوم الشخص بالانتحار من ضعف تقواه وشعوره بالمسئولية كأن ييأس من شيء فيتجه لقتل نفسه وينسى أن النفس أمانة'.
ضغوط
ويرى أستاذ علم النفس فضل أبو هين أن مجتمع قطاع غزة يتحلى بخصوصية لما يتخلل الحياة فيه من ضغط نفسي وظروف اقتصادية.
وأضاف 'عجز الناس عن التكيف الاجتماعي يعد أهم أسباب التي تدفع الناس لإنهاء حياتهم فنلاحظ أن البطالة زادت والضغط الاجتماعي زاد وكذلك الاقتصادي'.
وبلغت نسبة البطالة في قطاع غزة حسب مركز الإحصاء الفلسطيني حوالي 65 % بينما ارتفع معدل الفقر إلى أكثر من 80%.
وفي غزة تضرر القطاع الصناعي بعد تدمير 700 مؤسسة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة وكانت خسائره حوالي 140 مليون دولار، بينما بلغت خسائر القطاع الزراعي بما فيهالإنتاج الحيواني نحو 170 مليوناً حسب إحصاءات الغرفة التجارية بغزة.
وأوضح أبو هين أن كثيراً من الآباء افتقدوا القدرة على إشباع متطلبات أبناءهم وانغلق الأفق أمامهم وافتقدوا الصفاء الاجتماعي ما حرف تفكيرهم.
وتابع أبو هين 'إن الانقسام السياسي خلف حالة من التوتر الشديد وأضفى انقساماً اجتماعياً في ظل بطالة الشباب وانسداد الأفق السياسي'.
وسائل
وتتباين وسائل الانتحار المستخدمة في المحاولات التي سجلتها المصادر الطبية والأمنية ما بين تناول العقاقير الطبية والمبيدات الحشرية أو الإقدام على استخدام آلات حادة وشرب الوقود والسقوط من علو والحرق والغرق وإطلاق النار.
وقال مسئول الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة في غزة معاوية حسنين ' إن المستشفيات تلقت مصابين كثر حاول معظمهم تناول عقاقير وهي الوسيلة الأكثر شيوعا.
ولفت حسنين إلى أن فترة امتحانات ونتيجة الثانوية العامة سجلت ذروة الظاهرة في العام الجاري، موضحا أن سن الحالات التي تحاول الانتحار تقع غالبا ما بين 15-40 عاما.
وتعد نسبة الإناث أكثر من الذكور في ظاهرة الانتحار، فحسب تقرير الشرطة، أوضح المقدم أبو عمرة أن نسبة الإناث بلغت 65% والذكور 35%.
ويعزو أبوهين ذلك إلى أن الإناث يعتبرن أكثر إقداماً على الانتحار بسبب الضغط الاجتماعي عليهن.
وأضاف 'الأطفال نادرا ما ينتحروا، ولكن المراهقين يقدموا عل ذلك بسبب احباطات ومعاناة شخصية بينما الأكثر هم الشباب لتضاعف مسئولياتهم الحياتية ما يغرقهم في التوتر'.
علاج
وتتلخص طرق العلاج - حسب رأي الحولي- في التوعية الدينية بخطورة الظاهرة واستشعار التقوى، مشيراً إلى أن الناس قد يجهلون خطورة الأمر ومخالفته للدين وأن المنتحر يأتي يوم القيامة بالهيئة التي انتحر بها.
ودعا الحولي لضرورة تعريف الناس بخطورة جريمة الانتحار، قائلاً: 'على الجميع أن يتعاون من أجل شرح خطورة الظاهرة ومدى مخالفتها الحتمية للإسلام وأن مرتكبها سيلقى عذابا أبديا في النار'.
أما أبو هين فعلق على دور وسائل الإعلام وأفلام السينما التي تلعب دوراً في الترويج للانتحار، وكذلك في التوعية بخطورته على المجتمع دينياً وأخلاقياً ونفسياً.
وأشار إلى أن السينما والإعلام ساهما بشكل كبير في تنامي الظاهرة، لافتاً إلى ضرورة متابعة الأهل لأبنائهم وما يشاهدون من مواد إعلامية دفعت في كثير من الأحيان المراهقين لقتل أنفسهم تقليداً لما يرون في الأفلام.
وأوضح أن بعض الأفلام تثير أشجان الشباب والمراهقين فتدفعهم للانتحار ما يسجل لها دوراً سلبياً كاملاً حسب نتائج كثير من حوادث الانتحار.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/