في ذكرى إسقاط مشروع توطين اللاجئين في سيناء
لماذا اغفل المؤرخون " انتفاضة مارس التاريخية " المظفرة عام 1955
بقلم : شامخ خليل بدرة
يا يومَ " مارسَ " كم فَدتكَ أحبة ٌ نثروا القلوبَ على الدروب وقاموا
كرجوم بُركانٍ , وخفقةِ عاصفٍ وثَبتْ فصَحَّت أسُدها الآجام ُ
يا يومَ " مارسَ " انتفضْ وانهض لنُطلعَ فجرنا .. تنهضْ لك الأيامُ
في فجر ذكراكَ المجيدةِ أُشْعلتْ مُهَجُ الجموعِ ووُحّدت أعلام ُ
هذا هو اليوم الذي باركتُه والقلبُ تِرسي والذراعُ حُسامُ
يا رايةَ التحرير قومي فالوعُودُ هَوَتْ , وما رَوَّى العطاش كلام ُ
يَحميكِ شعبٌ في الخنادق شاهرٌ دمَهُ سلاحاً , شامخٌ , مِقدامُ
للشاعر المناضل
عبد الرحمن عوض الله
سيظل " الأول من مارس " من الأيام الخالدة والمتوهجة بالمجد في السجل النضالي لشعبنا وحزبنا المجيد وهو عصي على النسيان صنعته إرادة رفاقنا المناضلين الذين قدموا أرواحهم قرابين فداءا لوطنهم وهو رمز للحرية الحمراء والفجر المشرق .
. وسيشكل دافعاً ومحركاً لأجيالنا الثائرة التي هي قوة الحاضر وأمل المستقبل والتي ترنو أبصارها وأفئدتها إلى الغد الأفضل تستمد منه معاني الحرية والكفاح و قيم النضال والتضحية والشهادة من أجل عزة الوطن وكرامته .
وتطل علينا ذكرى " انتفاضة مارس التاريخية " الباسلة المظفرة فجراً نديا ، معطرا بعبق الورود والياسمين ، تتجدد عندها طموحات أبناء شعبنا وآمالهم في الحرية والاستقلال وبمستقبل أكثر إشراقاً .
هذه الانتفاضة الباسلة التي فجرها الشيوعيون وحلفائهم عام 1955 بقيادة الرفيق المناضل معين بسيسو أمين عام الحزب آنذاك والتي حملت شعارات " لا توطين ولا إسكان ... يا عملاء الأمريكان "," العودة ... العودة حق الشعب ".
والتي شهدت اكبر مظاهرات عرفها تاريخ قطاع غزة وسقط فيها أكثر من 30 شهيدا على رأسهم الرفيق حسني بلال وهو أول شهيد وطني ضد مشاريع التوطين والرفيق المناضل " يوسف أديب طه " عضو الشبيبة الحزبية و الذي رفع العلم الفلسطيني على مقر الحاكم العسكري فما كان من احد رجالات الشرطة سوى إطلاق النار عليه فسقط شهيدا .
هذه الانتفاضة التي استطاعت إسقاط مشروع توطين اللاجئين في سيناء وإفشال المؤامرة التي كانت تحاك ضد الشعب الفلسطيني وتصفية حقوقهم وإغلاق ملف القضية الفلسطينية .
ولكن ماهو مشروع توطين اللاجئين في سيناء ؟ وماهي خطورته ؟ وكيف استطاع الشيوعيون وحلفائهم إسقاطه ؟ في هذا المبحث سنسلط الضوء على هذه المحاور بالتفصيل .
مشروع توطين اللاجئين في سيناء
بدأت مباحثات بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة المصرية ومندوبي وكالة الغوث اعتبارا من عام 1953 , وتم طرح مشروع مفصل لتوطين لاجئي قطاع غزة في صحراء سيناء ورغم أن تفاصيل المشروع ظلت طي الكتمان في ذلك الوقت حول هذا المشروع ولكن تحول بعد ذلك إلي ( تهديد ووعيد ) للجماهير الشعبية والمحرضين الشيوعيين . إذ أنهم كانوا التنظيم الوطني الوحيد .
الحزب يعلن في مؤتمره الأول تبنيه قضية فضح المؤامرة وإسقاط مشروع التوطين
وفي عام 1953 تقرير تحويل فرع عصبة التحرر الوطني الفلسطيني في قطاع غزة إلي الحزب الشيوعي الفلسطيني , وفي مؤتمره الأول وضع الحزب قضية التحرر الوطني وتنفيذ قرار 181 ( قرار التقسيم ) وقرار 194 . الخاص باللاجئين وعودتهم إلي ديارهم والعمل علي إفشال كافة المؤامرات التي تحاك لتصفية قضيتهم في مقدمة أهدافه ونضالاته , وأدرك الحزب سريعا إن هناك مؤامرة تحاك لإعادة توطين اللاجئين وإغلاق ملف القضية الفلسطينية وأدرك كذلك استمرار الحالة المزرية لمخيمات اللاجئين ومحاولات وكالة الغوث للضغط علي اللاجئين في قطاع غزة من اجل قبول مشروع التوطين وتبني الحزب في أدبياته وفي نشاطات أعضائه " قضية فضح المؤامرة والعمل علي إسقاط المؤامرة ونشط الحزب في جمع آلاف التواقيع علي عريضة تعلن رفض الموقعين لأي مشروع يستهدف إسقاط القضية الفلسطينية وتوطين اللاجئين في غير وطنهم وكانت العريضة أول تحد للإدارة العسكرية المصرية في قطاع غزة وجرت مطاردة الشيوعيين رافقتها حملة واسعة النطاق لإجبار الموقعين علي سحب توقيعاتهم إلا أن جهود الإدارة المصرية ذهبت هباء ·
وبالتساوق مع مشاريع التوطين المختلفة .. فان اسرائيل كانت تصعد من اعتداءاتها على قطاع غزة وخصوصا على مخيمات اللاجئين
وفي 29/8/1953 قامت القوات الإسرائيلية بشن غارة وحشية علي مخيم البريج للاجئين وكانت حصيلة العدوان " ستة وعشرين شهيدا " ذبحوا ذبحا وهم نيام الي جانب عشرات الجرحى وهبت جماهير الوسطي ( البريج – المغازي – النصيرات – دير البلح ) في مظاهرة ضخمة كان علي رأسها الشيوعيين ورفع الحزب عدة مطالب أهمها العمل علي تسليح المخيمات حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها كما طالب أيضا برفض أي مشروع لتوطين اللاجئين خارج ديارهم التي شردوا منها ونتيجة لهذه الاحتجاجات والمظاهرات الصاخبة أدي ذلك الي إجبار الإدارة المصرية علي تشكيل أول كتيبة فلسطينية
الحزب يحصل على تقارير تؤكد عدم صلاحية سيناء لتوطين اللاجئين :
ومع نهاية عام 1954 أصبح واضحا للحزب أن الاتفاق قد تم بين الحكومة المصرية والولايات المتحدة الأمريكية علي تنفيذ الجزء الخاص بقطاع غزة من مشروع " جونسون " لتوطين اللاجئين وبدأ الحزب بالإعداد لإفشال هذا الاتفاق .
وفي منتصف فبراير عام 1955 م تمكن رفاقنا من الحصول علي تقارير وكالة الغوث باللغة الانجليزية كتبه خبراء وكالة الغوث ومهندسوها وترجمه الرفيق المناضل سعيد فلفل والتي تؤكد على استحالة الحياة في تلك المنطقة لقلة المياه , ورغم ما كتبه أطباء وكالة الغوث عن الأمراض التي ستداهم حياة اللاجئين فان التقرير حمل موافقة الخبراء على المضي في تنفيذ هذا المشروع التي بدأت ببناء المساكن وفحص المياه هناك, هذه التقارير التي أكدت علي عدم صلاحية سيناء لإسكان اللاجئين قد تسلمها الرفيق معين بسيسو الأمين العام للحزب آنذاك .
الخطوات التي اتخذها الحزب لإسقاط المؤامرة :
اتخذت اللجنة المركزية قراراها بطبع هذه الوثيقة وتوزيعها في منشور جماهيري واسع كان تحضيرا وتهيئة وتحريضا لانفجار هبة مارس " آذار" كما سميت في حينها مع إيضاح موقف الحزب من هذه المؤامرة المستند إلي اعترافات المهندسين وأطباء وكالة الغوث باستحالة الحياة في تلك المنطقة .
ففي 21/1/1955م اصدر الحزب منشورا جماهيريا يكشف تفاصيل المؤامرة ويدعو إلي اليقظة والاستعداد لمواجهتها وقد كانت الأوضاع المزرية أللإنسانية التي يعيشها اللاجئون في المخيمات ومحاولات الإذلال المستمر , واستمرار الهجمات الإسرائيلية علي المخيمات حيث يذبح الناس بلا شفقة أو رحمة وتردي الأوضاع الاقتصادية كل ذلك أدى إلي تشكيل قاعدة جماهيرية عريضة للانتفاضة " الهبة " القادمة وكان الحزب يعمل ليل نهار في التحضير لتلك الانتفاضة ·
الشرارة الأولى للانتفاضة العارمة :
وفي مساء 28/2/1955م قامت القوات الإسرائيلية بارتكاب مذبحة قرب محطة السكة الحديدية في غزة حيث قتلت سبعة عشر جنديا فاجأتهم وهم نيام والتي كانت تستهدف الضغط على الجماهير الفلسطينية القبول بمشروع التوطين .
وعند البوليس الحربي جنوب قطاع غزة استطاع كمين إسرائيلي قتل 56 جنديا فلسطينيا من الحرس الوطني .
وبدعوة من الحزب انطلقت المظاهرات في الأول من آذار مارس عام 1955 وفي الصباح تحول خبر المذبحة إلى الشرارة الأولي للانتفاضة العارمة " حملت شعار " لا توطين ولا إسكان ... يا عملاء الأمريكان "," العودة ... العودة حق الشعب " وجابت المظاهرات والمسيرات شارع عمر المختار بغزة . تهتف ضد مشروع التوطين وتطالب بإقامة جيش وطني فلسطيني لحماية الحدود وإطلاق الحريات العامة للجماهير .
الرفيق حسني بلال أول شهيد وطني ضد مشاريع التوطين
وبدأت الشرطة والمباحث وجنود الجيش المصري بالتصدي للمسيرة وقررت السلطة أن تواجه الحناجر .. بالرصاص وبدءوا بإطلاق النار علي المتظاهرين وصوبوا بنادقهم علي قائد المسيرة " الرفيق معين بسيسو " الذي كان على رأس المظاهرة وسقط الرفيق حسني بلال . فداء للشعب والوطن ومن اجل دفن مؤامرة التوطين وفي هذه اللحظات هب معين ممزقا قميصه وفاتحا صدره للرصاص وهو يهتف :
الدم : دم دم ... سال الدم ... دم دم , عاش الدم
يا فم حسني بلال ... الدم سال وقال
الموت للرجعية ... والموت للاحتلال
اكبر مظاهرة عرفها تاريخ قطاع غزة .. و إذاعة لندن تعلن بأن الشيوعيين قد باتوا يسيطرون على كل الشريط الساحلي في قطاع غزة ..
وتلاحمت جموع الشعب في اكبر مظاهرة عرفها تاريخ قطاع غزة والتي سقط فيها أكثر من ثلاثين شهيدا , وبدأت اللجنة الوطنية العليا , واللجنة المركزية للحزب بالاستمرار في المظاهرات وإصدار التوجيهات للإعداد للأيام القادمة من قرية بيت حانون شمالا وحتى رفح جنوبا تفجرت المظاهرات الصاخبة المتوعدة وأعلنت رفضها الحازم للمشروع.
في صباح اليوم الثاني أعلنت إذاعة لندن بأن الشيوعيين قد باتوا يسيطرون على كل الشريط الساحلي في قطاع غزة ,
ومع فجر اليوم الثاني من مارس آذار اجتاحت المظاهراةت الصاخبة مدينة غزة بعرضها وطولها , واشتركت في تشييع جثمان الرفيق الشهيد " حسني بلال " . وبدأت القوات المصرية بالتصدي للمظاهرات , وعلى نعش الشهيد " حسني بلال " وكأنهم أرادوا أن يقتلوه أكثر من مرة . وتحولت جنازة الشهيد حسني بلال إلى عرس وطني , وتحول دمه إلى زنابق حمراء تزين صدور قادة الغضب الجماهيري .
الرفيق المناضل " يوسف أديب طه " يرفع العلم الفلسطيني على مقر الحاكم العسكري
ويسقط شهيدا
وفي المنطقة الوسطى – النصيرات والبريج والمغازي ودير البلح اندلعت المظاهرات كان على رأسها الرفيق المناضل عبد الرحمن عوض الله ,واتجهت إلى دير البلح حيث مقر الحاكم العسكري واستطاعوا بالقوة الإفراج عن المعتقلين الذين اعتقلوا بداية الهبة وقد رفع الرفيق المناضل " يوسف أديب طه " عضو الشبيبة الحزبية العلم الفلسطيني على مقر الحاكم فما كان من احد رجالات الشرطة سوى إطلاق النار عليه فسقط شهيدا
إفشال المؤامرة وإسقاط " مشروع التوطين " .. انتصار لحركة الجماهير وفي طليعتها الشيوعيون :
وفي يوم 5/3/1955 م أصدرت الإدارة المصرية قرارا بفرض منع التجول في القطاع إلا أن المظاهرات والهتافات القادمة من المخيمات الوسطى أفشلت منع التجول , وظلت نيران الانتفاضة تتأرجح رغم كل شيء وبدأت الأوضاع تأخذ في التعقيد , هذه الأوضاع التي سيدفع ثمنها شعبنا غاليا , إن لم يكن هناك مواقف حكيمة ومسئولة , وبدأت المفاوضات لجسر الهوة بين قيادة الجماهير ومواقفها العادلة , وموقف الإدارة المصرية .
وتركزت مطالب الجماهير الشعبية وقيادتها حينذاك فيما يلي :
1- إلغاء مشروع التوطين في سيناء فورا .
2- تدريب وتسليح المخيمات الفلسطينية لتتمكن من الدفاع عن نفسها .
3- فرض التجنيد الإجباري وتشكيل جيش وطني فلسطيني .
4- محاكمة المسئولين عن الذي أمر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين , وقتل الشهيد حسني بلال .
5- إطلاق الحريات العامة , وعلى رأسها حرية الاجتماع والتعبير والإضراب .
وافقت الإدارة المصرية على إلغاء مشروع التوطين , بعد أن رفضه بالإجماع الشعب الفلسطيني , واعتبرت قيادة الانتفاضة أن إفشال المؤامرة " مشروع التوطين " هو انتصار حاسم لحركة الجماهير الشعبية وفي طليعتها الشيوعيين , وتحولت دماء حسني بلال إلى نيران أحرقت مشروع سيناء , واضطر صانعوه أن يدفنوه ويقبروه إلى الأبد , ممتزجة تلك الدماء بدماء الرفيق الشيوعي الطالب يوسف أديب طه الذي كان طالبا في الرابع الإعدادي في مدرسة النصيرات. وبدماء الشهداء كتبت شهادة ميلاد جديدة لهذا الشعب , وسطرت شهادة للعالم اجمع أن الشعب الفلسطيني " شعب لا يقهر " وسيسقط كل المؤامرات التي تستهدف وجوده وقضيته الوطنية .
ولكن يبقى السؤال الرئيسي في هذا المبحث ماثلا أمامنا .. لماذا اغفل المؤرخون هذه الانتفاضة المظفرة التي استطاعت إسقاط مشروع توطين اللاجئين في سيناء وإفشال المؤامرة التي كانت تحاك ضد الشعب الفلسطيني وتصفية حقوقهم وإغلاق ملف القضية الفلسطينية والتي سقط فيها هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى وعذابات القادة والمناضلين لهذه الانتفاضة الباسلة و الذين اعتقلوا لسنوات طويلة.. والذين اجهوا الموت البطيء في السجون لمعتقلات ووالمنفى وأقبية التحقيق السوداء .
المراجع :
دفاتر فلسطينية .. معين بسيسو
فيض من الذاكرة .. عبد الرحمن عوض الله
نشرة عن الرفيق المناضل حسني بلال اصدرتها كتلة اتحاد الطلبة التقدمية
معين بسيسو ..البطولة والتضحية .. فيلم وثائقي إنتاج كتلة اتحاد الطلبة التقدمية
صهيل الجراح .. عبد الرحمن عوض الله
85 عاما من التضال الوطني .. حزب الشعب الفلسطيني .. شامخ بدرة
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/