أمراء التطهير العرقي بقلم / توفيق أبو شومر
أرسل لي أحدهم رسالة يقول فيها:
"ما أروع قلمك ناقدا لحالنا! وما أبخله في نقد الحكام العرب! وكأنك تخشى نقمتهم، أو تطمع في منحتهم ، فأين قلمك مما يجري في تونس؟!
أنا لا أجيد الكتابة في المناسبات، ولا أحب أن أخوض فيها، لا لأنني لا أهتم بها، ولكنني أؤمن بأن أكثر الكتابة اللحظية ،هي كتابة عضلية، لا تدوم طويلا ، بل إنها تذوي بمرور الوقت .
وما أكثرَ كاتبي العضلات في هذا العصر!! فهم يماثلون تماما الصحفيين والمحللين السياسيين ، وهم يصفقون ويمقتون ويتهمون، ويُقرِّبون ويُبعِدُونَ، ويُبرِّئون ويُعدِمون ، وأكثر هؤلاء يندمون على ما كتبوا بعد وقت قليل من كتابتهم.كما أن كتاباتهم قد تُعجب كثيرين ، وقد تُغضب كثيرين أيضا!
كتبتُ مقالاتٍ كثيرةً عن الشعوب وحالها ، وعن الأوطان ومآلها ، وعن الزعماء وصفاتهم، وعن أحوال أمتنا العربية ، وسأظل أردد بعض أبياتِ الشاعر نزار قباني ، الذي وصف طائفة الكتاب - سالفي الذكر- ممن يركبون موجة الحدث، ثم يغيرون جلودهم تحت أول جذع شجرة يجدونها في طريقهم.فهو يقول عنهم:
" الحاملون دفوفهم وطبولهم
فبكل عرسٍ سُلطويٍّ يَدبكون ويرقصون
ولكل طاغيةٍ يُضيئون الشموعَ ، فيسجدون ويركعون
هل هؤلاء طليعةٌ ثورية، أم باعةٌ متجولون؟!!"
إن أكثر الأمثال شيوعا في أوطان العرب :
" الناس على دين ملوكهم"وكان مفروضا في مجتمعات الحريات أن يكون المثلُ عكسَ ذلك" الملوك على دين شعوبهم" وأكثر الأمثال شيوعا أيضا " الصبرُ مفتاح الفرج"
لقد افتنَّ حكامُ العربُ منذ أزمان طويلة في صك قوالب (ألجمة الشعوب)، فاستحدثوا أولا أمثالا وحكما، ووضعوا أحاديثَ وقصصا وأقوالا تُجبر العوامَ على اعتبار أمرائهم من نسل إلهي مقدس، ثم نحتوا ألقابا دينية تمنحُ للحكام والأمراء والولاة والأئمة والوزراء ومن في حكمهم، ألقابَ الجلالة والفخامة والسمو والرفعة والشرف والإمامة ،والعطوفة والنيافة والسماحة والأبوة والسعادة، فهم (بتواضع) أنصاف آلهة ، أو ( بلا تواضعٍ) أربابٌ يعبدون، لذا يجب أن تُقدَّم لهم فروضُ القرابين في أشكال شتَّى من الخنوع والخضوع، وأخرجتْ شعوبٌ أخرى أمراءها من حالة البشرية، ونحتوا لهم تماثيل، وحنطوهم صورا في الشوارع والبيوت والصدور، ونحتوا أيضا أسماء لهم تعزز ألقابهم السابقة، فظهرتْ أسماء:
القاهر والناصر والعزيز والمُعزّ وحتى المجاهد الأكبر !
وهكذا صار الخروج والثورة والتمرد وحتى النقد البريء الذي يهدف للتغيير والإصلاح، خروجا على الله!!
فهذا ابن هانئ الأندلسي يمدح الخليفة المعز لدين الله قائلا:
ما شئتَ لا ما شاءتْ الأقدارُ ... فاحكم فأنت الواحدُ القهَّارُ
هذا الذي تُرجَى النجاةُ بحبه ... وبه يُحَطُّ الإصرُ والأوزارُ
هذه إذن صيغةُ كثير من الزعماء عند بعض الشعراء، ولم يستهجن كثيرون هذه الأبيات، فقد ظلتْ تُروى طوال العصور لتشير إلى عقيدة عربية راسخة في تأليه الحكام والمسؤولين.
وظلَّ التاريخُ يحفظ سير الطغاة العرب في القصص والحكايا، وأدخلوه في سفر البطولات العربية، واستمرّ عشقُ العرب لكثير من الطغاة، وعلى رأسهم زياد ابن أبيه الذي تفتخر به كثيرٌ من الكتب لا لإنجازاته الاقتصادية ولا لعدله وحسن سياسته، بل لأنه هو أول من فرض حظر التجول في التاريخ على أبناء شعبه!!
وخطبته التالية تدخل في النصوص المدرسية المقررة، ويُجبر كثيرٌ من الطلاب على حفظها، على الرغم من أنها تُناقض كل القيم والعدالة والديمقراطية، فهو يقول مهدِّدا أهل البصرة المساكين:
" حرامٌ عليَّ الطعامُ والشراب حتَّى أُسويها بالأرض هدما وإحراقا ، وإني لأقسم بالله لآخذن الوليَّ بالمولى، والمقيمَ بالظاعنِ، والمقبلَ بالمُدبرِ، والمطيع بالعاصي، والصحيحَ بالسقيم، حتى ليلقى الرجلُ أخاه فيقول: " انجُ سعد ، فقد هلكِ سُعيد" !!
وتغنَّى المدرسون والطلابُ بأقوال الحجاج بن يوسف الثقفي وهو يُهدد أهلَ العراق:
" والله لأعصبنكم عصبَ السلمةِ، ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، وإني والله لا أعدُ إلا وفيت"، وإني لأرى بين العمائم والِّلحى رؤوسا قد أينعتْ وحان قطافها، وإني لقاطعها!!
ولم نلتفت كثيرا لقصة التطهير العرقي الذي مارسه بعض الخلفاء العباسيين للسلالة الأموية، فقد ارتكب السفَّاح أبشع الجرائم ،حين قتل بقايا الأمويين الهاربين، رجالا ونساء وأطفالا، وتناول وجبة غدائه على وقع أنينهم في يافا!
ولم نتفق بعد على طبيعة أحد زعمائنا ، وهو الحاكم بأمر الله الذي جعل شعبه ينام نهارا ، ويعمل ليلا على أضواء الشموع، وعندما ثار عليه شعبه أحرق القاهرة ، كما وصفه أعداؤه ، أما أنصاره فجعلوه وليا من أولياء الله ، وأصعدوه إلى السماوات العلا، وهم إلى اليوم ينتظرون عودته بفارغ الصبر!
وكان هذا بالضبط ما حدث لنيرون روما المتهم بحرقها!
وقد تخلَّصتْ شعوبٌ كثيرةٌ من هذه العقدة ، عقدةِ تأليه الزعماء، عندما تفتَّحتْ عقولُ أبنائها بالحريات والديمقراطيات، وقد دفعتْ ثمنا باهظا للشفاء من عقدة تأليه الحكام والأمراء، فقد تخلصت من ربقة المشعوذين، تجار الرقيق ، وسفَّاحي الحريات، ممن نسجوا من الأديان حبائل لصيد فرائسهم، ووظفوا الأخلاق والعادات والتقاليد وصولا إلى الأنظمة الحزبية الديكتاتورية لتكريس العبودية والذلة والتبعية بين أفراد الشعب، لتخدم الحاكم الفرد وأشياعه.
إن الأنظمة الديكتاتورية القمعية في العالم العربي وغيره من أقطار العالم الأخرى، تعمل وفق تكنيك واحدٍ معروف، يعتمد سياسة التجهيل والتضليل لشعوبهم باستخدام التقاليد والعادات والأعراف القبلية تارة، وتوظيف الدين لخدمة مصالحهم تارة أخرى ، وهم يعمدون أيضا إلى إحداث معاهد الفساد والإفساد ، يُخرجون فيها المفسدين، ليُبرروا فسادهم وليسكتوهم، وهم يدربون أبناء شعبهم أيضا على احتمال الظلم والطغيان، بوسائل شتى، فهم يستخدمون (سلاح) الوظائف، فيحتكرونها ، ولا يمنحونها إلا لأشياعهم ومقربيهم، ويجعلون الفقر والفاقةَ قدرا مفروضا من الله،على الغالبية العظمى من شعوبهم، أما بطرُهُم وثراؤهم ، فهو اصطفاءُ لهم أيضا من الله !
وهم أيضا يفرضون على أبناء شعبهم أن يتحولوا إلى خدمٍ لهم ولمشاريعهم ولسلطانهم، ويحولون خيرة أبناء شعبهم إلى حراسٍ شخصيين لأنظمتهم ولأبنائهم وأهلهم ، وقد يُضللون شعوبهم، فيفرضون الجندية على كل الشباب الذين يخشونهم، ويوهمونهم بأنهم عندما يصبحون جنودا لخدمتهم ، فهم يكونون حينئذٍ جنودا للوطن!
إن ألفيتنا يجب أن تسمى بلا منازع (ألفية الشباب) بطموحهم وأملهم ورغبتهم في الحياة الحرة الكريمة، فقد اكتسب هذا الجيل الجديد من نوع (الشباب الرقمي) خبرة كافية لتمييز الظلم والطغيان، ولم يعد الشعار المُضلِّل البائد مقنعا لهم، والشعارُ هو:
( لا يَصلحُ الشباب لإدارة شؤون البلاد لنقص خبرتهم).
وأصبح الشباب قادرين على تحقيق أحلامهم بكفاءتهم وقدراتهم وطموحهم، فلا غرابة إذن أن يكونوا هم وقود ثورة الحريات والديمقراطيات في أوطانهم!
وأخيرا هل نحن مقبلون على عصرٍ تزول فيه أنظمة الحكومات بمفهومها التقليدي البائد، وتتحول الحكومات إلى هيئات ولجان وجمعيات، تخدم دول صناديق إمبريالية المال الكبيرة ، وتؤدي فروض الطاعة لحكام مافيا التجارة العالمية، مما يتطلب من حكومات الدول الصغيرة أن تغير أسماء رؤسائها وحاكميها إلى (مندوبين) أو (ضباط اتصال) و( سفراء)، بدلا من أسمائهم الشائعة: القادة والحكام والأمراء؟!
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/