كيف ومتى أُخترع الشعب اليهوديد. محمد عبد العزيز ربيع هذا العنوان هو موضوع كتاب صدر في إسرائيل بالعبرية في عام 2008، وأثارضجة كبيرة في المجتمع اليهودي، وقام الأستاذ الجامعي والمؤرخ الإسرائيليشلومو ساند بتأليفه. وبسبب ما أثار الكتاب من تساؤلات وما جاء فيه منحقائق علمية وتاريخية تنفي وجود شعب يهودي في الماضي وفي الحاضر، فإنجريدة ها آرتس الإسرائيلية قامت بإجراء مقابلة مع المؤلف نُشرتبالإنجليزية على موقع الجريدة على الإنترنيت يوم 21-3-2008 تحت عنوان"تحطيم أسطورة وطنية لشعب" (Shattering a National Mythology). ويقومالدكتور ساند الذي يعمل في جامعة تل أبيب من خلال تلك المقابلة بكشفأكاذيب يهودية عدة، منها حكاية سبي اليهود على أيدي الرومان وتشتتهم فيكافة بقاع الأرض، وغيرها من حكايات وخرافات لفقها مؤسسو الحركة الصهيونيةلتبرير قيامهم باستعمار فلسطين واستيطان أرضها وطرد شعبها منها. إنبإمكان من يريد الحصول على نسخة من المقابلة بلغتها الأصلية زيارة موقعناالإلكتروني المذكور أدناه، حيث سيجدها في زاوية مشاركات خارجية. في شهرأكتوبر عام 2009 تم نشر الكتاب باللغة الإنجليزية تحت عنوان: مثير:“The Invention of the Jewish People”يقول الدكتور ساند أن اليهود الذين يعيشون اليوم في فلسطين وفي أماكنأخرى من العالم ليسوا من نسل اليهود الذي سكنوا في فلسطين في العهودالقديمة التي رافقت وسبقت ظهور المسيحية، أي ليسوا من نسل القبائلالإسرائيلية، وإنما ينحدرون من شعوب عديدة مختلفة الأصول والأعراق اعتنقتاليهودية عبر التاريخ وكانت تسكن أساسا في منطقة البحر الأبيض المتوسطوفي المناطق المجاورة لها. ومن نسل تلك الجماعات جاء يهود اليمن ويهودشمال افريقية ويهود أوروبا الشرقية. وهذا يعني أن يهود العالم، وحيث أنهملا يشكلون شعبا واحدا، لا يتمتعون بأي حق من الحقوق الوطنية التي أقرتهاهيئة الأمم المتحدة وتعترف بها، ومنها حق إقامة دولتهم على أرضهم، وحقالاستقلال والسيادة الوطنية.يقول الدكتور ساند إن الخرافة التي اخترعها الصهاينة الأوائل فيما يتعلقبوجود شعب يهودي قديم دفعتهم لممارسات عنصرية ضد الغير، حتى ضد اليهودالذين يختلفون معهم في الرأي، وذلك على ما يبدو لطمس الحقيقة وعزلالأكذوبة عن مجهر العلم. "لقد مرت أيام كان فيها كل من يقول بأن اليهودينتمون لشعوب ذات أصول غير يهودية يتعرض فورا للاتهام بمعاداة للسامية".إن اليهود الذين تصفهم الحكاية الصهيونية بأنهم شعب واحد عاش في المنافيفي عزلة عن الغير، وأنه "تاه وتشتت وعبر بحارا وقارات ووصل نهاية الأرض،ثم عاد مع ظهور الصهيونية بأعداد كبيرة إلى الوطن اليتيم"، ليست إلا"أسطورة شعبية" لا أساس لها من الصحة. ويضيف ساند قائلا، إن محاولةاختراع شعب يهودي دفعت مؤرخو الحركة الصهاينة إلى كتابة تاريخ يصف اليهودبأنهم شعب تشكل منذ بدايات التاريخ، وأن "البراعم الأولى للقوميةاليهودية تفتحت في ضوء الشعاع القوي الذي جاء من أسطورة مملكة داوود".وفي نفيه لهذه الأسطورة، يقول الدكتور ساند أن فكرة الشعب اليهودي ظهرتفي القرن التاسع عشر فقط، وذلك حين قام بعض المثقفين من يهود ألمانيا،متأثرين بالحركة القومية الألمانية التي ألهبت حماس الجماهير، بالعمل علىاختراع شعب يهودي حديث. ومنذ تلك الأيام "بدأ المؤرخون اليهود بكتابة كتبتصف تاريخ اليهودية على أنه تاريخ شعب كانت له مملكة، وأنه تحول إلى شعبمن الضائعين، وعاد أخيرا إلى موطنه الأصلي". كانت بداية البحث، كما قال الدكتور ساند، هي الاطلاع على بعض كتب التاريخالحديثة للتعرف على الطريقة التي تم بها اختراع حكاية الشعب اليهودي، لكنالتناقضات التي وجدها في تلك الكتب كانت كثيرة، مما دفعه لمواصلة البحثدون معرفة مسبقة بنهاية الطريق ولا بنتائج البحث المتوقعة. ولهذا "عدتإلى الكتب القديمة وحاولت تحليل المراجع الأصلية التي اعتمد عليها مؤلفوالعصور القديمة وما كتبوه عن التحول إلى اليهودية"، أي ما كتبوه عنالتبشير اليهودي ونشاطات إقناع الغير من الناس بترك دياناتهم واعتناقاليهودية. ولقد كانت دهشة الدكتور ساند كبيرة جدا حين اكتشف أن تاريخاليهود وتاريخ اليهودية كما كتب في القرنين الأخيرين لا أساس له منالصحة، بل ويتناقض تناقضا تاما مع ما جاء في الكتب اليهودية والمسيحيةالقديمة. وهنا يتعرض ساند إلى حكاية "الشتات" والسبي التي يعتبرها أيضا قصة مختلقةلم تحدث إطلاقا. إن اختراع حكاية السبي والتهجير كانت ضرورة "لتشكيلذاكرة جماعية طويلة تتخيل شعبا أو قوما ينحدر مباشرة من الناس الذينعاشوا في زمن ظهور الإنجيل". لكن دهشة الدكتور ساند كانت عظيمة حين اكتشفأنه لا توجد كتب قديمة ولا مراجع علمية تتحدث عن السبي والتهجير، والسببفي ذلك" أنه لم يقم أي طرف بتهجير سكان تلك البلاد. إن الرومان لم يطردواأحدا، وإنه لم يكن باستطاعتهم أن يفعلوا ذلك حتى ولو أرادوا"، وذلك، كمايقول، لأنه لم يكن هناك قطارات ولا سيارات شحن، ولأن الفلاحين لا يتركواأراضيهم. وفي إجابة على سؤال حول ما إذا كان الفلسطينيون هم في الحقيقة سكانالبلاد الأصليين، ما دام أن الرومان لم يقوموا بطرد السكان وتهجيرهم، قالساند: "لا يمكن أن يحافظ شعب على نقائه العرقي عبر آلاف السنين.. لكنالصهاينة الأوائل، وحتى الثورة العربية (1936-1939) كانوا يعرفون أنه لميكن هناك سبي ولا تهجير، وأن الفلسطينيين ينحدرون من سكان البلادالأصليين.. حتى إسحاق بن تسيفي، ثاني رئيس لدولة إسرائيل، كتب في عام1929 يقول إن الغالبية العظمى من الفلاحين والمزارعين الفلسطينيين لاتعود أصولهم إلى العرب الذين قاموا بفتح تلك البلاد، وإنما إلى من همأقدم من ذلك بكثير، إلى الفلاحين اليهود الذين كانوا كثيرين وشكلواأغلبية الناس الذين قاموا ببناء تلك البلاد". إذا لم يتم طرد اليهود من بلادهم ولم تشتيتهم، فكيف ظهر ملايين اليهودحول منطقة البحر الأبيض المتوسط؟ كان هذا هو السؤال التالي الذي حاولللدكتور شلومو ساند الإجابة عليه، إذ قال "إن اليهود لم ينتشروا، إنماالديانة اليهودية انتشرت. لقد كانت اليهودية ديانة تبشيرية. وخلافاللمتعارف عليه شعبيا، كان هناك تعطش كبير لنشر اليهودية وإقناع الغيربالتحول عن دياناتهم إليها.. لكن بعد انتصار المسيحية في القرن الرابعالميلادي، توقفت عملية التبشير في العالم المسيحي، وقامت أعداد كبيرة علىما يبدو بالتحول من اليهودية إلى المسيحية. إلا أن عملية التبشير استأنفتنشاطاتها في المناطق وبين الناس الذين اعتنقوا ديانات وثنية مثل اليمنوشمال افريقية. ولو أن اليهودية لم تتوسع في تلك المرحلة ولم تستأنفنشاطاتها التبشيرية، لبقيت اليهودية ديانة ثانوية، أو لكان من الصعبعليها أن تعيش". إذن من أين جاء يهود اليوم، وما هي الجذور العرقية التي ينتمون إليها،وإلى أي بلاد تعود تلك الجذور؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه اعتمادا علىدراسة وتحليل واستنتاجات الدكتور شلومو ساند. وبعدها سنحاول تقييم أهميةهذه الاستنتاجات والحقائق العلمية والتاريخية وتحليل تبعاتها على مجملالصراع العربي الإسرائيلي وعلى مستقبل "عملية السلام" وواجب العرب عامةوالفلسطينيين خاصة في المرحلة القادمة، وذلك في مقالنا القادم تحت عنوان:"يهود فلسطين وأرض الشتات". د. محمد عبد العزيز ربيع
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/