هناك دوماً ما يوحدنا
بقلم / أنور جمعة
عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
تعيش
الساحة الفلسطيني منذ ما يقارب الثلاثة أعوام حالة من الفرقة و الانقسام
لم تشهدها من قبل ، و خاصة أنها تهدد في حال استمرارها بالقضاء على
المنجزات الوطنية التي حققها الشعب الفلسطيني بفعل تضحياته الجسام على
مدار عقود من النضال الوطني قدم خلالها الشعب الفلسطيني قوافل من الشهداء
و الأسرى و الجرحى من خيرة أبنائه و شبابه .
إن حالة الإنقسام ألحقت أضراراً فادحة بالمشروع الوطني الفلسطيني ، و
آثارها السلبية لم تتوقف عند حد تراجع أهمية و مكانة القضية الفلسطينية في
المحافل و الميادين الدولية ، بل طالت آثار الانقسام كافة جوانب الحياة في
المجتمع الفلسطيني ( سياسياً - اقتصادياً – اجتماعياً - ثقافياً ) حيث
باتت مظاهر الصراع الداخلي السمة البارزة للمشهد الفلسطيني في وقتنا
الحاضر .
و
المفارقة العجيبة في المشهد الفلسطيني تكمن في حالة التناقض الغريبة بين
القول و الفعل ، فمن جهة نرى و نسمع الكثير من القيادات الحزبية و القوى
السياسية تتشدق بأهمية الوحدة الوطنية و تحذر من مخاطر الإنقسام و تنادي
بضرورة الاتفاق و الوفاق و تغليب المصلحة الوطنية ، و من جهة أخرى تقوم هي
نفسها بممارسات و إجراءات على أرض الواقع تكرس حالة الانقسام و تعمق فجوة
الخلاف و تزيد من حدة الصراع الداخلي .
إن
ما سبق يعكس حالة التردي و التراجع التي أصابت منظومة القيم التي كانت محل
فخر و اعتزاز كل فلسطيني ، فما يحدث اليوم في الساحة الفلسطينية من إنقسام
و صراع و تناحر غريب وخارج عن كل قيم و أعراف و
تقاليد الشعب الفلسطيني ، فمنذ متى كانت المصلحة الحزبية الضيقة تتقدم على
المصلحة الوطنية العليا لشعبنا ، و منذ متى كانت مواجهة الاحتلال العدو
الأساسي لشعبنا تأتي في مرتبة ثانية بعد مواجهة المعارض السياسي الداخلي ،
و منذ متى كان العلم الحزبي يعلو على العلم الوطني ، و مصلحة الحزب فوق
مصلحة الوطن ، و منذ متى كان الاستخفاف بمعاناة أبناء شعبنا ، و منذ متى
كنا نقبل بمصادرة القرار الوطني المستقل ، و منذ متى ...... ، و منذ متى
..... الخ .. .
لقد آن الأوان لكي يعرف دعاة الانقسام إن فلسطين فوق كل شيئ وقبل أي شيئ ، و
أن الوطن اكبر من الجميع ، و أن التاريخ لن ينسى و الشعب لن يغفر لكل من
يعبث بقضيته و مستقبله و أمنه و استقراره ، و إن تجارب التاريخ تثبت أن
الشعب الفلسطيني قادر على حماية قضيته و وطنه ، و قادر على محاسبة
العابثين بمصالحه ، و قادر على أن يقول كلمته الفصل في الوقت و المكان
المناسبين .
إن كل المبررات التي يسوقها دعاة الفرقة و الانقسام لشرعنة الانقسام و تبرير استمراره لا
و لن تنطلي على شعبنا ، فمحاولة تقسيم و تصنيف شعبنا إلى فسطاط خير و
فسطاط شر ، و متمسك و مفرط ، و مقاوم و مساوم ، و ممانع و مستسلم ، و وطني
و خائن إلى غير ذلك من التقسيمات و التصنيفات التي ما أنزل الله بها من
سلطان و التي لن تخفي حقيقة أهداف و مآرب دعاة الانقسام التي تنحصر في
الاستحواذ على السلطة و التمسك بكرسي الحكم بأي ثمن و منع و إفشال كل
محاولة لرأب الصدع لإنهاء الانقسام و إستعادة الوحدة الوطنية .
إن
قراءة بسيطة لمحصلة الحوار الوطني الشامل الذي جرى في القاهرة تبين أن
القضايا الوطنية العامة ( ملف منظمة التحرير – ملف المصالحة الوطنية ) قد
تم التوصل فيها إلى اتفاق في غضون وقت قصير جداً ، أما القضايا التي يترتب
عليها مصالح و مكتسبات حزبية كالانتخابات و الحكومة و أجهزة الأمن فقد
كانت حجر العثرة في التوصل لاتفاق بسبب سيطرة عقلية المحاصصة و التقاسم و
تغليب المصلحة الحزبية الفئوية الضيقة على مصالح الوطن و الشعب .
إن
المصلحة الوطنية تقتضي من شعبنا و قواه السياسية أن لا تسمح لدعاة
الانقسام بالوقوف حجر عثرة في تحقيق المصالحة الداخلية و الذين لا هم لهم
سوى الاحتفاظ بامتيازاتهم و مكتسباتهم التي أحرزوها جراء الانقسام فأصبحت
مصالحهم مرتبطة ارتباطا و ثيقاً باستمرار الانقسام .
إن
الجميع يدرك أن مصلحة الشعب الفلسطيني في وحدته ، و أن هناك دوماً ما
يوحدنا فعوامل الوحدة أكثر بكثير من عوامل الانقسام ، و قضايا الإجماع
أكثر من قضايا الخلاف ، فشعبنا الفلسطيني بكافة شرائحه و فئاته و أطيافه
السياسية تجمعه أرض فلسطين و القدس و قضية اللاجئين و الأسرى و حلم الدولة
و الاستقلال ، و تجمع شعبنا و حدة المعاناة و وحدة الهدف و المصير المشترك
، و يجمعنا جميعاً عهد الوفاء للشهداء بمواصلة النضال لتحقيق الأهداف
الوطنية التي قضوا من أجلها و في مقدمتها الحرية و العودة و إقامة الدولة
الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة و عاصمتها القدس و الإفراج عن
كافة الأسرى من سجون الاحتلال دون تمييز .
إن كل تأخير في تحقيق المصالحة و إستعادة الوحدة الوطنية سيؤدي
إلى استمرار إلحاق الأذى بقضية شعبنا و مستقبله السياسي ، و سيكون على
حساب صمود شعبنا و زيادة معاناته ، و سيفتح الباب واسعاً أمام مخططات
الاحتلال الإسرائيلي التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية ، و مشاريعه
التي تستهدف الإلتفاف على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الفلسطينية
المستقلة عبر سياساته العدوانية لوأد فكرة الدولة الفلسطينية و القضاء على مقوماتها و محاولاته البائسة لإحياء فكرة الحلول الإقليمية لإحتواء و تذويب القضية الفلسطينية أرضاً و شعباً و هوية .
إن الوحدة الوطنية خيار وحيد و ممر إجباري للشعب الفلسطيني لتحقيق الانتصار للشعب و الوطن و القضية ، فهل آن الأوان لكي
ترتقي الفصائل و القوى السياسية لمستوى التحديات و تباشر في طي صفحة
الإنقسام ، و هل حان الوقت لتتحرك الأغلبية الصامتة لتمارس ضغطاً شعبياً
على كل من يقف عقبة في وجه تحقيق الوحدة و الوفاق ، ولتقول بصوت عال نعم للوحدة الوطنية لا للإنقسام .
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/