الزيتونة: عرض كتاب: جيش له دولة
تعتبر مسألة العلاقات بين السياسة والجيش من المسائل الشائكة في أي دولة من المفترض أن تكون فيها المؤسسة العسكرية ذراعاً للسلطة التنفيذية، وتخضع لقرارات المستوى السياسي. فالجيش وأجهزة الأمن ينفذون سياسة يرسمها ويقرها الناخبون، ومراقبة الجيش وقوات الأمن، كالشرطة وأجهزة المخابرات، مسألة مركبة وشائكة بشكل خاص، لأن الجيش يتمتع بمكانة خاصة، تنبثق عن أهمية قضية الأمن، وعن كونه خدمة أساسية للمواطن، إضافة لاستقلالية الجيش "البيروقراطية".
في "إسرائيل" تنبع المشكلة من المكانة الرفيعة التي تحتلها المؤسسة العسكرية، وهي نتاج النظرية الأمنية القائلة بأن "الدولة تواجه تهديداً وجودياً".
الكتاب الذي بين أيدينا اليوم يناقش القضية التي حازت في السنوات الأخيرة على مساحة مهمة في النقاشات السياسية والعسكرية، وهي طبيعة العلاقة بين المستويين السياسي والعسكري في "إسرائيل". ويحاول أن يقدم نماذج عن الاحتكاكات الدائمة بين المستويين في عدد من القرارات المفصلية، كالانتفاضة الثانية، وحرب لبنان الثانية، وإقرار الموازنة العسكرية، والانسحاب أحادي الجانب، وغيرها.
ويكشف معدو الكتاب عن ثغرات "قاتلة" في عملية اتخاذ القرارات، وما أثير من تبادل اتهامات بين قادة المستويين في تلك المفاصل التاريخية المهمة، وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً للدولة، التي تعتمد بالكلية على هذه المؤسسة العسكرية.
علاقات العسكر بالساسة:
"إسرائيل ليست دولة لها جيش يحميها، بل إن هناك جيش وله دولة"، هكذا يصل المؤلفون إلى القناعة الأساسية السائدة في الدولة العبرية في نهاية الكتاب الذي يتكون من 12 فصلاً، في ضوء أن مستوى الثقل الذي يشكله المستوى العسكري يصل أضعافاً مضاعفة لما تشكله القطاعات المدنية والسياسية والحزبية. وما يرتبط بذلك من تأثيرات حتمية للجانب العسكري على طبيعة الحياة السياسية في "إسرائيل"، والعلاقات الحزبية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
بصورة أو بأخرى يريد الكتاب أن يصل بالقارئ إلى حقيقة مفادها أن المستوى العسكري، وتحديداً "جيش الدفاع الإسرائيلي"، لا يحمي فقط الجانب المدني في الدولة، بل إنه يسهم في صياغة الصورة النمطية لـ"إسرائيل"، وطبيعة الحياة التي يحياها مواطنوها!.
يناقش الكتاب الأهمية الاستراتيجية لطبيعة العلاقة السائدة بين المستويين: السياسي والعسكري في "إسرائيل"، وما يرتبط بذلك من أواصر وروابط تهيمن على السياسة الأمنية والعسكرية التي تحددها الجهات المسؤولة في "إسرائيل"، في ضوء هذه العلاقة التي تذهب دائماً باتجاه المستوى العسكري ولصالحه.
يبدأ الكتاب بالحديث عن ظاهرة إسرائيلية فريدة أخذت في الظهور مع أواخر أربعينيات القرن العشرين، وهي فترة "قادة الدولة"، أطلق عليها محررو الكتاب "ثقافة الأمن" الإسرائيلية. وحتى كتابة هذه السطور ما زالت تتكون هذه الثقافة من مركبات أساسية، وأجزاء مفصلية، تقع في صلبها طبيعة العلاقة التي يجب أن تسود بين الجانبين السياسي والعسكري.
وقد أدى ترسيخ هذه الثقافة مع مرور السنين والعقود إلى قيام ما يسميه الكتاب "عسكرة المجتمع" في "إسرائيل"، رغم الخلاف الذي وقع بين مؤلفي الكتاب في مظاهر هذه العسكرة؛ بين من يعتبرها ميزة للمجتمع الإسرائيلي، وآخر اعتبرها نقطة ضعف لمجتمع يرى نفسه امتداداً للمجتمعات المدنية الغربية.
أكثر من ذلك، يرى الكتاب في صفحاته التي تزيد على الثلاثمائة صفحة أن غلبة الطابع العسكري على المجتمع الإسرائيلي، بات يترك بصماته الميدانية على طبيعة القرارات التي يتخذها المستوى السياسي من جهة، ومن جهة أخرى أضحى لهذا الطابع المؤثر الأكبر على كيفية صياغة النظريات الأمنية تجاه أعداء الدولة.
وفي الوقت ذاته، فإن هيمنة ظاهرة عسكرة المجتمع كما يقرر الكتاب جعلت لجوء "إسرائيل" إلى صيغ المفاوضات السياسية، والوصول إلى حلول توفيقية مع الأطراف المعادية، مؤشر ضعف وتراجع، محظور على "إسرائيل" الاقتراب منها!.
المجتمع الحربي:
هذا الإجماع الذي يقرره الكتاب في المجتمع الإسرائيلي النابع من شيوع "ثقافة الأمن"، أوجد ما يطلق عليه الباحثون "الهوية الفاصلة" بين الجيش والدولة. تفسير هذه العبارة يعني في نظر مؤلفي الكتاب ما يلي: بدون جيش لا معنى لقيام الدولة، وبدون جيش قوي، يتعاظم ويتقوى، لن تستطيع الدولة البقاء طويلاً!.
وتعني أيضاً أن تكون "إسرائيل" متأهبة على مدار الساعة، ومستعدة لأي طارئ أمني، بحيث يمكن لها أن تخرج للحرب متى قررت ذلك، وهو ما يلائم طبيعة "المجتمع الحربي" في "إسرائيل"، الذي يمنح أفضلية عليا للقوة العسكرية.
وفي أعقاب هذه القناعات السائدة، تولدت في "إسرائيل" –كما يقرر الكتاب- مفاهيم جديدة تشير بمجملها إلى حقيقة أن المجتمع ينبغي له أن يمنح الجيش كل ما أوتي من قوة وإمكانات، لأن في ذلك حيلولة لـ"دمار المجتمع الإسرائيلي"، وقد جاء ذلك على ألسنة ساسة وعسكر كثر في الدولة، وكلها منحت الجيش الإسرائيلي الأولوية المطلقة.
العنصر الأكثر أهمية في هذه الجزئية التي يثيرها الكتاب، ولا يبدو أنها تلفت نظر القارئ وصانع القرار العربي، أن الجيش الإسرائيلي طوال ستة عقود ماضية من تاريخه، لم يشهد "تدخلاً" للمؤسسات السياسية والحزبية في عمله، بما في ذلك الحكومة والكنيست! وبالتالي فقد نعمت المؤسسة الأمنية والجيش بما يسميه الكتاب "استقلالية مطلقة"، بما في ذلك التدخل في حجمه وموازنته وخططه القتالية.
وتاريخ الحروب الإسرائيلية العربية، كما يؤكد المؤلفون، تشير بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن المخططات الحربية، والتفصيلات القتالية، كانت تُقرّ أساساً في الهيئة العامة للأركان، ومن ثم تصل إلى مقاعد الحكومة، بعد أن يتم استكمال الأفكار العملياتية، والسيناريوهات الميدانية[size=12].
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/