[size=21]
فتاة ليلية
بقلم : سمير الفيل
خفت حركة المرور ، وكادت السيارات أن تتلاشى في نهر الشارع . وقف ليتفقد بضاعته التي سيقوم بعرضها غدا في الواجهة الزجاجية.
قبل أن يسحب الجرار الصاج شعر بصوت ارتطام قوي تناثرت على أثره شظايا اللوح الزجاجي .
تلفت حوله في حيرة ، وصوب نظرة عدائية هنا وهناك ، فلم يجد أحدا في
مواجهته . رجح أن يكون سرطان الزجاج الذي يتسلل خفية داخل ذرات اللوح نفسه
هو الفاعل.
قبل أن يفتح فمه ليسب حظه العاثر وجدها أمامه . فتاة رائعة
الجمال في ثوب من الحرير الأزرق ، تسأله أن يبيعها لفة شاش وزجاجة "
ميكروكروم" . هز رأسه آسفا ، وسألها أن تمهله دقيقتين ليغلق المحل كي
يدلها على أقرب صيدلية.
سارت مطأطئة الرأس ، ومعهما سار عطرها الفواح ، الهادئ، الرقيق.
لم يكن قد رآها قبل هذا اليوم فخمن أنها من منطقة أخرى . بعد أن سألت صاحب
الصيدلية عما تريد أشترت لفة قطن صغيرة وزجاجة " ميكروكروم " ورباط من
التيل شاهق البياض ، أتجهت معه ثانية للمحل الذي كان قد أغلقه منذ دقائق ،
فتحه برفق . مدت يدها أعلى الفترينة ، ومنحته الفرصة ليضمد لها جرحا صغيرا
بإصبعها البنصر.
لم يسألها عن سبب الجرح في هذا الوقت المتأخر من
الليل . قبل أن تتهيأ للانصراف ، مالت برأسها وأسرت له بحقيقة الذي يحدث
لها. حين تحزن يصبح من المحتمل جدا أن ينشق أقرب لوح زجاج يصادف أن تمر
ناحيته. لم يصدقها ، وكان يود أن يطبع قبلة امتنان على خديها الأسيلين
لأنه شعر في رحلته القصيرة معها إلى الصيدلية أنها فتاة لا تعوض . صوتها
الذي يشبه الموسيقى ، والتفاتاتها الرشيقة ، وبسمتها التي تأخذ من النسمة
لطفها .
في صباح اليوم التالي اكتشف أن لوح الزجاج متماسك ولا يوجد
به خدش واحد أما زجاجة الميكروكروم فكانت منزوعة السدادة ، وكيس القطن
مفتوح من الزاوية اليسرى كما تركه في الليلة الماضية.