شباب بلا ...
رائد اشنيورة – بال سينما
يعاني القطاع من الويلات المتتابعة والتي تصيب كافة الفئات العمرية,
وربما الحالة الأصعب والأكثر مأساوية هي حالة الشباب الفلسطيني في قطاع
غزة, ذلك لأن الأمل والمستقبل بين يديهم , والنهوض بهذا الوطن ملقا على
أكتافهم وأمانة في أعناقهم, كما أن الشعوب المتقدمة والمتحررة كانت أساس
ثورتها الشباب حملة مشاعل التغيير والتطور.
الحصار الإسرائيلي وما تبعه من تداعيات مأساوية انعكست على واقع الشباب,
كما أن للانقسام السياسي والخطيئة الكبرى التي حدثت بين غزة والضفة, بالغ
الأثر على نفوس الشباب, فالأزمات تتوالى تباعا عليهم اقتصاديا واجتماعيا
ونفسيا, أصبحوا في دوامة من الضياع والانكسار, حياتهم بلا هدف بلا معنى
بلا أمل , لا متنفسات لهم سوى الهروب من واقعهم القاتل, بالبحث بعيدا عن
عالم مجهول يجدون فيه أنفسهم.
هناك العديد من المؤسسات والجمعيات التي –تدعي- العمل أجل النهوض بحالة
الشباب من خلال مشاريعها التي تتبع أولا وأخيرا لسياسة الممول, وإن كان
التمويل تائها بين –قراصنة المؤسسات- وأصحاب المصالح الخاصة, الأمر الذي
ترك العديد من علامات الاستفهام حولها, وحول جدية أهدافها وادعاءاتها
التي تتغنى بها.
الركود الذي يصيب المشهد الثقافي في قطاع غزة هو الأبرز والأكثر ضررا,
فكيف يمكن النهوض بمجتمع يسعى لإقامة دولة وثقافته شبه معدومة, ضائعة بين
أموال مزيفة, تسير خلف تجار الدم وسارقي أحلام الشباب.
تداعيات تراجيديا الألم التي تتابع كتابة فصول عذابات الشباب ما زالت
تلقي بظلالها عليهم, الأمر الذي جعلهم يفكرون جديا بالتمرد على كل شيء
وإحداث ثورة كاملة على كل شيء وخلقها من لا شيء, البعض يتهم الشباب في
قطاع غزة بأنهم إمعات, وغير صالحين لشيء, ونحن نجزم أن هناك أكثر من مئتي
ألف مبدع من الشباب الفلسطيني في مختلف التخصصات, مختلفون فكريا
وأيديولجيا , ولكنهم متحدي الرؤية, حلمهم بمستقبل مزهر ومشرق لأنفسهم
ووطنهم وفلسطينهم.
ولغياب المنابر الحرة التي يمكن أن يعلو فيها صوت الشباب, بسبب حالة
الضياع الإعلامي التي يعاني منها الإعلام الفلسطيني في كافة مجالاته
المرئية والمسموعة والمكتوبة, والتي أصبحت مجرد أبواق للسياسيين لتنظير
أفكارهم وآرائهم الغير صالحة لشيء, نجد توجها كبيرا من قبل الشباب
الفلسطيني تجاه التعبير عن أنفسهم وأفكارهم من خلال الصورة, سواء كانت
ثابتة أو متحركة, فثورة تكنولوجيا المعلومات في عصر التطور الهائل, جعلت
من الشباب يتجهون نحوها وينصهرون معها, وأصبحوا محترفين وعلى قدر عالي من
المهنية, وظفوا التكنولوجيا خير توظيف, ورسموا الصورة التي يريدون كيفما
شاءوا .
وفي ظل التوجه السابق نحو الصورة التي أصبحت اللغة الأولى والأكثر تأثيرا
على الشعوب, اهتم الشباب الفلسطيني بقطاع غزة تحديدا , بصناعة الأفلام
بأشكالها المختلفة, وخلقوا العديد من المبادرات الهامة في مسيرة السينما
الفلسطينية, -وإن كانت أفلامهم ما زالت مجرد محاولات من هواة يريدون
إثبات وجودهم على الأرض-, هذا الأمر جعل قلة قليلة من المهتمين أصحاب
الإيمان العميق بقدرة الشباب على إحداث التغيير المطلوب, بالتفكير مليا
لإيجاد حاضنة لهذه الإبداعات والمواهب الرائعة, فكان ذلك إعلانا بميلاد
الملتقى السينمائي الفلسطيني "بال سينما" في العام 2009م.
ترتكز فلسفة "بال سينما" على إيمانها العميق بأن السينما أحد أهم مصادر
المعرفة المعتمدة من قبل الجمهور, ومن أهم عوامل تشكيل الوعي المعرفي
وذلك يعود لقوة الصورة التي لها القدرة على التعبير والإقناع كونها سهلة
الإدراك والفهم من قبل المتلقين على اختلاف أنواعهم ومستوياتهم الثقافية,
كما تلعب السينما دورا محوريا في توجيه سلوك الأفراد وهي وسيلة فعالة
لتوجيه أهدافهم واتجاهاتهم داخل المجتمع.
لهذا التقينا جميعا...نحن مجموعة من المخرجين والمثقفين والمهتمين بلغة
الصورة...وما زلنا نلتقي عبر تقارب الأفكار والثقافات واللغة الفنية.
نؤمن بان علي هذه الأرض ما يستحق الحياة ...ونؤمن بان روح العمل
الإبداعي هو العمل الجماعي والتفكير سويا من اجل الارتقاء والنهوض في
مجال السينما والصورة المرئية...نؤمن بأنة يجب البحث دائما عن كل ما هو
جديد ومعاصر
ورغم الحصار نؤمن بالثقافات الأخرى, ونؤمن بأنة لا بديل عن عمقنا العربي
وبضرورة السعي للتواصل مع الآخرين ورغم أن المكان يحاصرنا دائما والأفكار
دائما مزدحمة إلا إننا بدأنا وكان ملتقى "بال سينما",ليكون إطارا جامعا
وعنوانا لكل أفكارنا وإبداعنا ليكون لنا ولجميع المهتمين بالشأن
السينمائي ولغة الصورة رافعة ومستقبلا.
من خلاله حاولنا ونحاول (أن تحاول أفضل من أن لا تحاول) الخروج إلي
العالم ...رغم كل الظروف.
ولعل تجربة "بال سينما" في العمل السينمائي فريدة من نوعها وهي حالة
نادرة في قطاع غزة, كونها متخصصة بالشأن السينمائي الفلسطيني, جعلها تحتل
مكانة مرموقة في المجتمع وخير دليل على ذلك إقامة مهرجانين كبيرين في
العام الماضي 2009م, الأول مهرجان أسبوع الفيلم التسجيلي بغزة, والثاني
مهرجان أيام السينما الخليجية بفلسطين, بدعم من احتفالية القدس عاصمة
الثقافة العربية, وقد واجه المهرجانان العديد من الصعوبات المادية لغياب
الاهتمام من قبل المؤسسات المانحة ومؤسسات المجتمع المدني وحتى الحكومة
بثقافة الصورة, لأن أموالها مجندة فقط لمشاريع تخدم الأجندة السياسية
التي لا تثمن ولا تغني من جوع.
الأمر الذي يهدد استمرار "بال سينما" كحالة مميزة بفلسطين وقطاع غزة
تحديدا, هي غياب الأفق المالي والدعم الكافي لتغطية احتياجات الملتقى, فـ
"بال سينما" لا يملك أي مخزون مالي للقيام بأنشطتها وفعالياته التي تهدف
لاحتضان الشباب وتعزيز ثقافة الصورة لديهم والتعبير عنهم وعن أحلامهم,
آلامهم وآمالهم, كل ذلك بمساهمة شخصية من بعض المؤمنين بأهمية وجود "بال
سينما" الأمر الذي جعل الشباب يقدمون كل ما باستطاعتهم من اجل بقاء "بال
سينما" .
نحاول ما استطعنا إلية سبيلا لحياكة واقع فلسطيني معاصر ...من خلال
مشاهدة ثقافات أخري عبر عروض وتظاهرات ومهرجانات عربية ومحلية كي نعزز
لغة الصورة
رغم الحصار والإغلاق والشلل العام في كافة مناحي الحياة سواء الاجتماعية
أو الثقافية أو الفنية وما نتج عن كل ذلك من قلة الإمكانيات الفنية
والمؤسسات الراعية لها ...كل ذلك كان دائما يدفعنا إلي العمل رغم كل هذه
الصعوبات.
نحن نريد فقط إسماع صوتنا وإظهار إبداعنا وفننا.
إن فلسفة بال سينما هو العمل الدؤوب من اجل تحقيق الأهداف ودعم كل
الطاقات الشابة والمهتمين وكل الفنانين لمواجهة الأفكار الزائفة ولمواجهة
الحصار والاحتلال.
نعم لدينا كفاءة ولدينا إمكانيات متواضعة نستطيع البدء...ونستطيع
التحرك ...وهذا ما لمسته من خلال عمل فني لمجموعة من الشباب أكبرهم 22
سنة ...لقد بدءوا وتحركوا ضمن إمكانيات متواضعة جدا وبكاميرا hi8
ولكنهم أنتجوا فيلم (فوضي ) نال إعجاب العديد من المختصين كفيلم لمجموعة
من الهواة (يجب تعزيز سينما الهواة كنقيض للسينما المحترفة ) إن جاز لي
التعبير...ففيلم الهواة لا يخضع لنفس مراحل الإنتاج التي يمر بها الفيلم
المحترف من حيث التقنيات والموارد المالية والبشرية أيضا فالفكرة الواضحة
والبساطة والتنفيذ السهل الغير معقد هي سمات لسينما الهواة والتي يجب
تعزيزها من قبل جميع المختصين والمهتمين والنقاد والكتاب ومن قبل الحكومة
أيضا ...لأن النتيجة بالتأكيد هي لصالح الحركة السينمائية ولغة الصورة
بشكل عام.
في هذه الأيام يسعى شباب الملتقى لإقامة مهرجان للأفلام بعنوان " مهرجان
غزة لأفلام الهواة – الدورة الأولى-" , وقد طرقوا العديد من الأبواب من
أجل توفير الدعم لهذه الفعالية, وتوجهوا للعديد من المؤسسات المدنية
والشركات الوطنية وحتى المؤسسات التي تدعي أنها حاضنة الثقافة, وقد وجهوا
بالرفض من الجميع, ولم يجدوا من يأخذ بأيديهم من اجل تحقيق حلمهم, بعرض
أفلامهم وإنتاجهم الشخصي الذي أبدعوا فيه, ورسموا من خلاله الصورة الأجمل
لفلسطين وقضيتها العادلة .
نبعثر أوراقنا .. ونشحن طاقاتنا .. نستل أقلامنا .. نسابق الزمن ..
والوقت .. نحارب أنفسنا .. مجتمعنا .. واقعنا .. نتمرد .. وننتفض ..
نثور .. بركاننا لا يخمد .. نيراننا دائما مشتعلة
فهل نجد شاطئ الأمان الذي ترسوا سفننا عليه ؟؟؟!!!
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/