sala7 المدير
عدد الرسائل : 13062 العمل/الترفيه : معلم لغة عربية ، كتابة وقراءة نقاط : 32981 الشهرة : 6 تاريخ التسجيل : 07/05/2008
بطاقة الشخصية ألبوم الصور: (0/0)
| موضوع: مفهوم العلم الشرعي.. الأحد 23 مايو - 1:50 | |
| مفهوم العلم الشرعي.. أحمد أبورتيمة abu-rtema@hotmail.com
[b]
[b]يقول فريق من الناس إن العلم علمان:علم شرعي وآخر دنيوي غير شرعي. فأما الأول فهو ما يتعلق بأمور العقيدة والتفسير والحديث والعبادات والمعاملات ونحو ذلك، وفي رأيهم فإن هذا وحده هو العلم المحمود الذي يرفع الله صاحبه درجات، وهو ما نص الدين على فرضيته، وله الأولوية على غيره، أما غير ذلك من علوم فهي زهرة الحياة الدنيا وليست من الدين في شئ.
يعتقد هذا الفريق أن كل مشكلات المسلمين نابعة من غياب هذا العلم الشرعي، فإذا أردنا رفعةً وتقدماً، وتفوقاً على الحضارة الغربية فيكفي أن نخرج جيوشاً من الحافظين لكتاب الله المتقنين لأحكام التجويد، الدارسين لفتاوى ابن تيمية رحمه الله.
ومؤشر العلم عند أحدهم أن تمتلئ المكتبة بالمجلدات التراثية الضخمة ذات الإطارات الذهبية، وعناوين السجع الطويلة.
وبينما يعطون الأولوية لتخريج جيل من الحفاظ فإن القرآن يهتم في مئات الآيات بالدعوة إلى تدبر آياته وفهم معانيها، لأن من يحفظ الدين هو من يتعلمه على بصيرة ويفقه أحكامه.
وأعلم أقواماً قد من الله عليهم بتلاوة حسنة للقرآن، يبذلون سنين شبابهم لدراسة القراءات الأخرى للقرآن وقد كان يكفيهم معرفة قراءة واحدة للقيام بواجب التدبر والالتفات بعد ذلك إلى علوم أخرى، وآخرون يظنون أن كل الدين هو في الحصول على شهادات عليا في أحكام التجويد، رغم أنه قد تحقق عندهم القدر الكافي من التلاوة الصحيحة ولا يزال أمامهم غير التلاوة الكثير من الدين ليتعلموه، ووقع بين يديّ كتاب يتحدث عن الأنساب في العربية هل تقول غزياً أم غزاوياً، مكون من أربعة أجزاء كل جزء من خمسمائة صفحة، فتساءلت في نفسي إن كان من الحكمة أن يبذل الإنسان وقته وجهده في قراءة كل هذه الصفحات في هذه القضية؟!
إن المعرفة الصحيحة بقراءة القرآن واجبة وهي مدخل لازم لتدبر القرآن، كما أن معرفة قواعد اللغة العربية مطلوبة، فالفصاحة تزيد الحق وضوحاً، ونحن لا نبخس قدر أي علم، ولكن أن يعطى كل علم ما يستحقه من الاهتمام دون إفراط أو تفريط، وألا يطغى الاهتمام به على علوم أكثر أهمية، فوقت الإنسان محدود وطاقته كذلك بينما العلم بحر لا شواطئ له وتفرعاته غير نهائية، لذا وجب على الإنسان أن يتحلى بفقه أولويات، فيتخير الأهم قبل المهم للاستفادة من وقته وجهده.
يكفي الفرد المسلم من هذه العلوم القدر الذي يحيي به شعائر دينه، ويتعرف على الواجبات والمحرمات، ولا بأس بأن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في هذه التخصصات.
لكن الخطأ في حصر مفهوم العلم في هذه الجوانب الضيقة، وإعطاء الأولوية لها, وأن ننظر إلى دراستها وحدها بأنها عين التقوى، بينما لا نهتم اهتماماً كافياً بالعلوم الأخرى التي تصلح حياة الناس.
الدين ليس هو التفسير والحديث والعبادات ونحوها وحسب، فالقرآن جاء تبياناً لكل شئ، ومفهوم الدين أنه منهاج شامل للحياة، يتدخل في كل جوانبها، وفي سورة يوسف "ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك"، والدين هنا كما يفهم من التفسير هي قوانين الحكم.
الدين لا يعرف الانفصام النكد الذي ابتدعه الناس في حياتهم بين ما هو ديني وما هو دنيوي فالحياة كلها دين، والأرض كلها جعلت مسجداً وطهوراً للتقرب إلى الله. أما هذه التقسيمات بأن هذا دين وهذه دنيا فما أنزل الله بها من سلطان، والأصل هو النظرة التوحيدية الشاملة التي تربط كل أجزاء الحياة في نسق واحد.
والصحابة كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شئون الحياة فكان موجهاً لهم في التربية والسياسة والإدارة والقضاء تماماً كما كان موجهاً لهم في الشعائر التعبدية، والقرآن ثلثه تاريخ، وهو يجعل كل تفاصيل الحياة ديناً: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين".
في أحد الأيام كنت أتابع برنامجاً تلفزيونياً يتناول واقع الاستبداد في دولة عربية ويدعو إلى إطلاق الحريات، فقال لي إنسان يجلس إلى جواري: هلا أرحت رءوسنا من هذا الصداع، وفتحت على درس ديني، فقلت له: أليس قول كلمة الحق في وجه الاستبداد والدعوة إلى إقامة حكم عادل من الدين، إنها ذروة سنام الدين، وهي مقدّمة على ما تفهمه من نظرة ضيقة إلى الدين.
إن كل دعوة إلى العدل والصلاح هي من الدين، حتى إن لم يستدل صاحبها بتفسير آية أو حديث.
أما العلم سواءً كان في الطبيعة والأحياء والكون، أو كان في علم النفس والاجتماع والتاريخ واللغات وغيرها فهو في حقيقته يعني التدبر في آيات الله المبثوثة في الآفاق وفي الأنفس، فكلها ميادين تظهر آيات الله الدالة عليه، والعلم بهذا المعنى يصبح فريضة، فهو الطريق إلى الإيمان، وحين امتدح الله العلماء في قوله "إنما يخشى الله من عباده العلماء" جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن الآيات الكونية من إنزال الأمطار وإخراج الثمرات والجبال البيض والحمر واختلاف ألوان الناس والدواب والأنعام، وهذه كلها لا تدخل في المفهوم الضيق للعلم الشرعي.
إن كل علم يؤدي إلى إصلاح شئون الناس في معاشهم ومعادهم هو علم شرعي.
ولا يكفي في زمان الانفجار المعرفي والقفزات النوعية حيث رفع العلم غيرنا من الأمم وتسخر لهم به ما في الأرض جميعاً ، وزويت لهم مشارق الأرض ومغاربها، أن نظل على نظرتنا الضيقة للعلم وأن نواجه الحاضر بمجلدات التراث وحدها، بل أن ندخل العصر ونتزود بكل ما توصلت إليه الأمم من علم حتى نكون قادرين على القيام بواجب الشهادة الذي كلفنا الله به.
إننا بحاجة في هذا العصر الذي تتنافس فيه الأمم بالعلم والمعرفة إلى أن ندفع شبابنا إلى التركيز على تخصصات عملية أكثر فعاليةً اجتماعياً وحضارياً.
إننا بحاجة إلى من يتعلم العلوم الطبيعية وتطبيقاتها التقنية من أجل إيجاد أمة منتجة تصدر ولا تستورد.
نريد من يتعلم لغات الأمم الأخرى للاطلاع على ثقافتهم، وفهم طريقة تفكيرهم، ومن يتعلم قوانين النفس والمجتمع والإدارة بهدف الارتقاء بحياة الناس، نريد من يدخل تخصص الإعلام لاتخاذه منبراً دعوياً، أو تخصص فن الإخراج التلفزيوني بهدف إنتاج أعمال درامية تدعو إلى الفضيلة وتحارب الرذيلة المستشرية في فضائياتنا، أو من يدرس المحاماة بقصد الانتصار للمظلومين، أو يدرس التاريخ للتعرف على سنن الله في إهلاك الظالمين
كل هذه التخصصات وغيرها إن وجدت النية الصادقة في دراستها فهي أولى من دراسة مسائل فرعية ذات أثر محدود في حياتنا، وهي عبادة وأكثر شرعيةً من بعض ما نسميه علماً شرعياً لا ينصر مظلوماً ولا يخيف ظالماً.
ويبقى للعلم الذي يتناول الإيمان والآخرة والجنة والنار دور فاعل لا غنى عنه لأحد. فيرجع الإنسان بين الحين والآخر إلى كتاب في الرقائق وتزكية النفس ليظل قلبه مرتبطاً بالآخرة ولا يستغرقه جفاف التخصص عن ارتواء الروح وسكينتها.
والله أعلى وأعلم..[/b][/b] _________________ تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/ | |
|