فضل التوحيد وأهميته
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد اللهُ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد,
فهذه جمل مفيدة وكلمات سديدة في فضل التوحيد وأهميته لشد همة العاقل لتعلُّمِ هذا العلم والعمل به، اخترتُ غالبها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية إلا الفصل الأخير. قال ابن تيمية في"المجموع": (من كان في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم ، أو نهمة في العبادة ، يكون البحث في باب الإيمان ، والأسماء والصفات ، ومعرفة الحق فيه ، أكبر مقاصده ، وأعظم مطالبه) وإليك هذه الكلمات المفيدة.
[التوحيد أفضل العلم]
هو أشرفُ العلوم على الإطلاق، كيف لا وهو يتعلق بالله وما له من الأسماء والصفات والحقوق، فليس الأفضلُ والأشرفُ هو الذي ينفع في و قت دون وقت، بل الأنفعُ ما يحتاجه العبد في كل وقت، فللعبدِ في كل وقت عبودية، فالموفقُ من وضع كلَّ عبودية في وقتها.
والعلم بالله أفضل من العلم بخلقه، ولهذا كانت آية الكرسي أفضلَ آية في القرآن الكريم لأنها صفة الله تعالى، وكانت قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن.
[حقيقة التوحيد]
فالله خلق الخلق لتوحيده، والتوحيد حقيقتُه تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فهو رأس الأمر وأصل الدين الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين دينا غيره، وبه أرسل الله الرسل وأنزل الكتب كما قال تعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ}الزخرف45 . وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}الأنبياء25. وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ....}النحل36 .وقد ذكر الله عز وجل عن كل من الرسل أنه افتتح دعوته بأن قال لقومه: اعبدوا الله ما لكم من إله غيره.
[التوحيد أول ما يؤمر به وآخر ما يختم به]
فلا شيء مقدمٌ قبل التوحيد ولا بعده، فالتوحيد هو أول الدين وآخرُه، فأول ما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم شهادة أن لا إله إلا الله، وقال: (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وقال لمعاذ: (إنك تأتي قوما أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)الحديث.
وختم الأمر بالتوحيد، فقال في الصحيح من رواية مسلم عن عثمان: (من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة) ، وفي الحديث الصحيح من رواية مسلم عن أبي هريرة: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) ، وفي السنن من حديث معاذ (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) .
[التوحيد أصلُ الحسنات]
والتوحيد أصل الحسنات، فلا تقبل حسنة قبله، بل هو أحسن الحسنات كما تظاهرت الدلائل على ذلك، كما أن أسوأ السيئات هو الشرك.
[التوحيد أفضل الكلام]
والتوحيد أفضل ما نطق به الناطقون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الذكر لا اله إلا الله).
ولهذا كانت كلمة التوحيد أفضلَ الكلام وأعظمَه، فأعظم آية في القرآن آية الكرسي{اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ....}البقرة255
حصول السعادة والغنى بالتوحيد]
فبالتوحيد يقوى العبد ويستغني، ومَن سَره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله.
وبالتوحيد يحصل للعبد غناه وسعادتَه، وإذا أردف معه الاستغفار تمت سعادته وزال عنه ما يعذبه، ولذا قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ.....}محمد19
فبهما تكتمل سعادة المرء دنيا وأخرى.
وذلك أن الاستغفار يمحو ما بقي من العثرات، ويمحو الذنبَ الذي هو من فروع الشرك، فإن الذنوب كلها من شعب الشرك، فالتوحيد يذهب أصل الشرك والاستغفار يمحو فروعه.
[التوحيد فيه الشفاء التام]
فلذا من أحس بتقصير في قوله أو عمله أو حاله أو رزقه أو تقلب قلبه فعليه بالتوحيد والاستغفار، ففيهما الشفاء إذا كانا بصدق وإخلاص.
[الموحد أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم]
وبالتوحيد يكون أسعد الناس بشفاعة نبيه، ففي الصحيح أن أبا هريرة قال له (أي الناس أسعد بشفاعتك يوم القيامة) قال: (من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه).
فبين أن أحق الناس بشفاعته يوم القيامة من كان أعظم توحيدا وإخلاصا لأن التوحيد جماع الدين، والله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
[التوحيد يضعف الأحوال الشيطانية]
وبقوة التوحيد تضعف الأحوال الشيطانية من الإخبارات والتأثيرات. بل التوحيد حصن الله الأعظم الذي من دخله كان من الآمنين، فلا يتمكن منه الشيطان، وإن حاول إيذاءَه، وقد علم عدو الله أن الله تعالى لا يسلطه على أهل التوحيد والإخلاص، قال:{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}ص82-83 . فاستثنى أهل الإخلاص. {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }النحل99. فإن التوحيد يطرد الشيطان، ولهذا حمل بعضهم في الهواء فقال لا إله إلا الله فسقط، وحيث ظهر الكفر والفسوق والعصيان قويت هذه الأحوال الشيطانية.
[تفاضل الناس عند الله بالتوحيد]
وكل من كان أكملَ في توحيده كان أفضلَ عند الله، إذ الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من التأله والمحبة والتذلل. إذ الكلمات والعبادات وإن اشتركت في الصورة الظاهرة فإنها تتفاوت بحسب أحوال القلوب تفاوتا عظيما، فترى الرجلين يُصليان وبينهما في الفضل كما بين السماء والأرض مع أن كليهما مخلص، وذلك لما قام في قلب كل منهما من أنواع العبودية لله أثناء صلاته، ولذا أدرك السلف أنهم لا يدركون فضل الصحابة لكمال توحيدهم رضي الله عنهم كما قال الحسن: ((ما سبقنا أبو بكر بكثير صلاة ولا صيام، لكن بشيء وقر في قلبه)).
يتبع
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/