غير متزوجات. سعيدات رغم أنف "العنوسة"
-بالصعوبة ذاتها التي تواجه "الصحافة" في الحديث عن أي قضيّةٍ
"حساسة" تتعلق بالمرأة في فلسطين، تمكّنت "تحت المجهر" من الحديث مع بعض
النساء اللواتي لم يُكتب لهنّ الزواج.. إلا أنّهنّ لم يستسلمن لذلك فرسمنَ
لأنفسهنّ خطوطاً من "سعادة"، وكللن حياتهنّ كـ "عزباوات" بنجاحاتٍ متلاحقة
ملأت فراغهنّ بأمورٍ غير الزوج والأولاد..
ورغم السياق الإيجابي
الذي سيتم من خلاله عرض قصصهنّ، إلا أنّهنّ –وبطبيعتهنّ الشرقية- اشترطن
على "فلسطين" عدم ذكر أسمائهنّ الحقيقية، أو أي وصفٍ يدل على شخصياتهن
(لما يسببه الحديث عن الأمر من حساسيةٍ شديدة لهن)..
دعاء الوالدين
كانت
سهام سلمان (56 عاماً) أولى اللواتي وافقن على الحديث، بدأت بقولها :"كل
شيء قسمة ونصيب, وأنا راضية بما كتبه الله علي من عدم زواجي"..
جدول
أعمال الآنسة "سلمان" مكتظٌ منذ ساعات الصباح الأولى، فيبدأ بصولاتها
وجولاتها في البيت الذي تقطن فيه بالإضافة إلى والديها المسنّين، تكنس
وتوضّب وترتّب أثاثه، حتى الثامنة، ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي (تحضير ما
يسد رمق والديها أثناء دوامها الطويل خارج المنزل
وقالت:"ما أن أستعد
للخروج، حتى تبدأ دعوات والديّ لي بتوفيقٍ من الله ورزقٍ كثير تتهافت إلى
مسامعي، وهذا أروع ما يمكن أن يجعل من حالتي النفسية سويةً تماماً"، كيف
لا وهي الابنة الوحيدة التي بقيت لديهما بعد زواج إخوانها الأربعة
وأخواتها الثلاثة.
"أمل" في محل الكوافير!
ورغم حظّها الذي تصفه
بـ "العاثر" في موضوع الزواج، والإنجاب، إلا أنها لم تسمح لهذا الحظّ بأن
يكون عقبةً تتوقف بفعل وجودها حياتها، وكل ما تجيب به إذا ما سُئلت عن سبب
عدم زواجها هو:"لقد رضيت بما كتبه الله عليّ, والحمد لله على كل حال,
فربما لو أني تزوجت لكانت مصائب الدنيا حلت علي, والله وحده أعلم".
وأضافت
:"أخرج لعملي الخاص، فأنا أملك محل كوافير, أعمل فيه وأتسلى مع الفتيات
اللواتي يعملن عندي, وكم أكون سعيدة عندما أزين الفتيات المقبلات على
الزواج, فكأني أزين بناتي وأحضّرهنَ للزواج", مشيرة إلى أنها لا تشعر بأي
ضيق أو حزن نظراً لعدم زواجها.
ظلي لا ظلّه
ورغم كونها –لا
تعمل- إلا أنها لم ترضخ للمثل الشعبي القديم الذي يقول :"ظل راجل ولا ظل
حيطة"، الذي تعدّه مجرد مقولة تحثّ على الزواج من أي رجلٍ يتقدم لأي فتاة
بغض النظر عن دينه وخلقه –وهي عبارةٌ لطالما قيلت لها وقت شبابها-.
ثريا
عادل 35 عاماً, قالت :"الكثير من الفتيات في هذه الأيام يرضين بأي رجل حتى
لو كانوا يعرفون أنه سيئ الخلق, خوفاً من شبح العنوسة، الذي أصبح يهدد
حياة الكثير من الفتيات", متسائلة عن الحياة التي يمكن أن تعيشها المرأة
مع رجل لا يعرف من الأخلاق شيئاً؟..
وأكدت أن مكانة المرأة في
المجتمع لم تعد اليوم مرتبطة باسم الرجل، أبا كان أم زوجا، بقدر ما هي
مرتبطة بشخصيتها والدور الذي تؤديه في المجتمع, وهذا يتوقف على مقدار ما
تبذله هي من جهد في تنمية شخصيتها وتطويرها بالعلم والثقافة والعمل، سواء
كانت تعمل في وظيفة رسمية أو مشاركة تطوعية".
ولفتت إلى أن
المجالات المتاحة أمام المرأة اليوم كثيرة لتطوير وإثبات وجودها، فلم تعد
المرأة اليوم قابعة بين جدران بيتها الأربعة تنتظر الرجل الذي سيأتي
لينقلها من حال إلى حال!.. والذي سيكون بيده مفتاح سعادتها وأساس تقبل
المجتمع وتقديره لها.
وأوضحت أنها تعيش حالة من السعادة ربما
تحسدها عليها النساء المتزوجات والمنجبات للأطفال, فهي لا تتحمل مسؤولية
بيت أو أطفال يمكن أن تزيد من همومها, ويصيبها بالأمراض النفسية قبل
الجسدية, لافتةً إلى أنه يكفيها أن أمها وأباها توفيا وهما راضيان عنها.
وبينت
أن بقاءها من دون زواج أمر لا أحد يتحمل مسؤوليته فهو قضاء الله, وقسمة
ونصيب, وأن إيمانها الشديد بالله ولد في نفسها السكينة والرضا والطمأنينة,
مشيرةً إلى أنها كانت تتوجه لله ببعض الأدعية وكانت تزيد من الإلحاح بها
وتكررها دائماً, وهو ما وجدت ثمرته في إحساسها بأنها لم تحرم من أي شيء.
وحول
ما تشعر به من أحاسيس الأمومة والحنان إلى الأطفال, لفتت إلى أنها تعوض
هذا النقص, بالاعتناء بأولاد إخوتها وأخواتها المتزوجين, فهم يمثلون لها
كل حياتها, وكم تشعر بالسعادة عندما تساعد بتربيتهم.
تصبيرٌ للنفس!
أما
بسمة صالح 38 سنة من سكان مخيم جباليا, فيشهد جميع من يعرفها بأنها مرحة
ولطيفة وتجامل الجميع, وتؤدي كل ما عليها من واجبات اجتماعية, بالإضافة
إلى أن أحبابها كثر, مؤكدين أنها لا تشعر بأي نقص ناجم عن عدم زواجها.
وتتحدث
عن نفسها وتقول:" أنا فتاة مثل الكثير من الفتيات, ربما فاتني قطار الزواج
وهذا ليس بيدي, ولكن لا يزال بيدي تحديد كيف أعيش حياتي, وأنا أرفض أن
أجلس في البيت وأضع يدي على خدي, أتحسر على نفسي وماذا كان سيحصل لو
تزوجت, أو أنجبت؟!".
وتتابع:" لقد عملت حتى الآن في عدة مجالات,
عملت في مشغل للخياطة, والآن أعمل في محل للمعجنات, ومستعدة للعمل في أي
مكان يضمن لي عملاً شريفاً", لافتة إلى أنها تعيش في وسط أسرتها التي لم
تشعرها يوماً بأي ضيق من وجودها في المنزل وعدم زواجها.
وبينت أن
الشيء الوحيد الذي تشتاق له من الزواج هو الأطفال, فهي تحبهم بشكل جنوني,
مشيرة إلى أنها تفكر في كفالة طفل يتيم, يدخل الفرحة إلى قلبها في الدنيا,
ويدخلها في الآخرة الجنة.
ونوهت إلى أن المجتمع ينظر نظرة خاطئة في
كثير من الأحيان إلى الفتاة غير المتزوجة, موضحة أن الظن بأن غير المتزوجة
ليست سعيدة ليس صحيحا دائما، فهناك العشرات من غير المتزوجات أسعد من
المتزوجات.
وقالت:"ليست كل من تزوجت نالت السعادة, أو رزقت بالابن
الصالح المعافى الذي سيكون قرة عين لها ولزوجها, فما أكثر المتزوجين الذين
يعيشون بتعاسة مع أبناء مرضى أو معاقين، وكثرٌ منهم يعانون من عقوق وعصيان
الأولاد والبنات", لافتة إلى أن بعض المتزوجات قد تصبح أرملةً أو قد تطلّق
نتيجة حياتها في جوٍّ تملؤه المشاكل".
أساسها العلاقة بالله
من
جهته, أوضح أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى بغزة د.درداح الشاعر، أن صلة
الإنسان القوية بالله, تليها العلاقات الطيبة مع الآخرين, تعدّ المذللة
لكل مشاعر الوحدة، والنقص الذي قد تشعر به المرأة التي يفوتها قطار الزواج
"لأن حسن الصلة بالله يضفي على حياة الإنسان السكينة والسعادة والرضا
والطمأنينة"..
واستشهد على ذلك بقوله :"عن أبي يحيى صهيب بن سنان
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن؛
إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان
خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" رواه مسلم.
وأشار إلى
أنه ليس على الفتاة التي لم تتزوج أن تجعل الهم رفيقاً لها, وأن تغلّف
قلبها بالحزن, وتسمح لليأس بأن يدب في نفسها, فالزواج ليس فريضة بل هو سنة
الله في خلقه يكتبها لمن يشاء ويرزق بها من يشاء وفي النهاية لا راد لقضاء
الله.
وأكد ضرورة أن تتقبل الفتاة هذا الأمر بنفس راضية على أساس
أنه قدر من الله عز وجل وأن لها أجراً على صبرها عليه, بالإضافة إلى أنها
يجب أن تمتلك قناعة بأن لكل إنسان نصيباً في الدنيا.
ولفت إلى
أن عدم الزواج ربما يكون رحمة بالفتاة, فإن كانت متدينة فهذا من نعم الله
عليها, فكثير من الفتيات اللواتي تزوجن فتنها زوجها وأبعدها عن دينها
فخسرت الدنيا والآخرة, وبالتالي على الفتاة أن تبحث عن الحكمة من عدم
زواجها, فربما فيه تخفيف لذنوبها.
وشدد على ضرورة أن تشغل الفتاة
نفسها بالعمل والإنتاج في أي مجال وألا تجلس في منزلها وتصبح ضحية لوقت
الفراغ الذي من الممكن أن يقلب حياتها جحيماً, أما في حال عملها والخروج
من المنزل فهي تعمل على زيادة ثقتها بنفسها وبقدرتها على أن تكون شيئاً في
هذا المجتمع.
وأكد الشاعر أهمية وجود صديقات صالحات للفتاة غير
المتزوجة, تجلس وتخرج معهن وتشاركهن في أنشطة ترفيهية متعددة, يساعدنها
على تقبل حياتها وممارستها بشكل طبيعي, وذلك حتى لا تسأم من الحياة.
أما
بخصوص إشباع عاطفة الأمومة وهو سبب رغبة الفتيات في الزواج, فهنا يجب
النظر إلى المجتمع بصورة أوسع, فكثير من المتزوجات لم يقدر لهن أن ينجبن
فزاد زواجها من حزنها لمعرفتها أنها لن تستطيع الإنجاب.
ونصح
الشاعر الفتيات بتوجيه عاطفتهن نحو أبناء أقاربهن من الإخوة والأخوات,
ومساعدتهم في تربيتهم على أحسن الأخلاق وعلى طاعة الله, وأن تحتسب الأجر
عند الله حتى يمتلئ قلبها بالسعادة الحقيقية وتستشعر عظم الأجر الذي حصلت
عليه من الله.
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/