قراءة في تداعيات خطوة البنك العربي في قطاع غزة ...محسن ابو رمضان
يعتبر البنك العربي واحداً من البنوك الهامة ليس فقط محلياً بل أيضا إقليميا وربما دولياً أيضا وقد اشتهر هذا البنك عام 67 على اثر العدوان والاحتلال ، حيث قام بالحفاظ على ودائع المواطنين إضافة إلى تأمينه لرواتب عدد من موظفيه الرئيسيين لفترة زمنية طويلة ، رغم إغلاق البنك لفرعه في قطاع غزة جراء الاحتلال ، وعدم سماح الأخير بافتتاح البنوك ولفترة طويلة من الزمن .
لقد قام البنك العربي والعديد من البنوك الأخرى بافتتاح فروع لها في قطاع غزة على اثر تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية عام 94 وقد اعتبر ذلك في نظر المراقبين خطوة هامة على طريق تشجيع الاستثمار ومؤشراً لإمكانية تحقيق التنمية والازدهار الاقتصادي .
حققت البنوك المحلية عوائد ربحية عالية وتجاوزت نسبة العوائد والإيداعات ال 4 مليار $ سنوياً على ابسط التقديرات وربما زادت لمبالغ اكبر بالعديد من السنوات .
بدأت البنوك تشعر بالأزمة الاقتصادية بعد الحصار المفروض على قطاع غزة وبصورة مشددة في منتصف حزيران / 2007 ، وقد صدرت عن البنوك العديد من الإشارات تعكس حالة الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها جراء حالة الحصار من خلال ضعف البيئة الاستثمارية بسبب عدم إدخال المواد الخام اللازمة لعملية إعادة اعمار قطاع غزة الأمر الذي أدى إلى إغلاق أبواب حوالي 4000 مصنع بالقطاع إلى جانب إضعاف القطاع الزراعي وتقلص قطاع السياحة والخدمات وتجميد مشاريع البنية التحتية حيث أدت حالة الضعف بالبيئة الاستثمارية إلى إحجام البنوك عن تنفيذ العديد من الأنشطة والمشاريع والتسهيلات مثل القروض والسندات والأسهم وغيرها من العمليات النقدية والإنتاجية بسبب عدم الثقة بالبيئة التنموية جراء سياسة الاحتلال والحصار .
رغم أن سلطة النقد كانت قد حثت البنوك العاملة على اقتطاع نسبة تقدر ب 30% من محفظتها على شاكلة تسهيلات ائتمانية واقراضية للمساهمة بالعملية الإنتاجية والعمل على استيعاب عدد من العاطلين عن العمل عبر تلك المشاريع ، إلا أن البنوك المحلية لم تلتزم بذلك في قطاع غزة تحت مبررات ضعف البيئة التنموية والاستثمارية .
إن السياسة المحافظة التي اتبعها البنك العربي وغيرة من البنوك فيما يتعلق بدوره بالعملية الإنتاجية والتنموية تحت مبررات الحالة السياسية أدت إلى تحويل البنوك إلى مكاتب للصرافة ليس إلا ، من أجل تحويل رواتب الموظفين ولعمليات التحويلات النقدية البسيطة والتي لا يستفيد منها البنك بصورة كبيرة .
من الواضح أن أي مؤسسة مالية أو بنكية تفكر بآليات تؤدي إلى تغطية نفقاتها الإدارية والمالية إضافة إلى تحقيق ربحية ما ، إلا أن تراجع البيئة التنموية وحالة التجاذبات السياسية الناتجة عن الانقسام والتي عرضت البنوك في بعض الأحيان إلى التفاعل مع تلك التجاذبات والتأثر بها ، دفع هذه البنوك للاستمرار بالسياسة المحافظة ، علماً بأن إسرائيل تضع قيود على إدخال السيولة النقدية وخاصة الدولار الأمريكي وقبل ذلك على الشيكل الإسرائيلي .
لقد أصبح المواطن لا يشعر بجدوى ادخار أمواله بالبنوك حيث انتهاء التسهيلات الائتمانية ، وتآكل قيمة ودائعه عندما توضع بالدولار ويتم الحصول عليها بصعوبة كبيرة وبالتقسيط وبعملة الشيكل الإسرائيلي ، الأمر الذي يؤدى إلى خسائر ودائعهم وتحويلها على شاكلة شراء عقارات وأراضي في قطاع غزة وهذا أحد أسباب الارتفاع الباهظ لأسعار الأراضي بالقطاع بصورة غير مسبوقة حيث أصبح المواطن يشعر بالجدوى الاقتصادية الأفضل من وراء شراء العقار بدلاً من استمرارية إيداعها بالبنوك بما يصاحب ذلك من تعرضها لمخاطر التآكل التدريجي .
وعليه ربما يكون هناك أسباب اقتصادية عديدة وراء قرار البنك العربي المفاجئ والذي قرر بموجبه الاستغناء عن 70 من موظفيه العاملين في فروعه بالقطاع ، حيث من حق أي بنك أن يجنى ارباحاً ، وربما تكون هناك أسباب سياسية أيضاً خاصة في إطار رغبة البنك في تجاوز الأزمة التي تعرض لها مؤخراً عبر المحكمة التي عقدت في نيويورك والتي كانت تساؤله بها عن ضرورة عدم قيامة بتحويلات نقدية لمنظمات مدرجة على قائمة " الإرهاب " بالأمريكي ، علماً بأن البنك قد كسب القضية وضحد تلك الادعاءات .
ولكن بغض النظر عن الأسباب فإن خطوة البنك ستشكل انعكاساً سلبياً على اقتصاد القطاع فهي تعطي مؤشراً عن التراجع الدراماتيكي للبيئة التنموية والاستثمارية ،حيث ان حركة البنوك في أي منطقة من المناطق تعكس الحالة الاقتصادية والسياسية فإذا فتحت البنوك عدة فروع لها فإن ذلك يشير إلى أن المنطقة المعنية تشهد حالة من الازدهار والنهوض ,وإذا تقلصت خدماتها فإن ذلك يشير إلى أن المنطقة تعيش حالة من الأزمة الاقتصادية والمالية ، والخطورة تكمن إذا ما اتبعت بنوك مماثلة خطوة البنك العربي في قطاع غزة .
إن التراجع بعمل المؤسسات المالية والبنكية والقطاع الخاص يعنى قطع الطريق على أية محاولات لتحويل اقتصاد قطاع غزة إلى اقتصاد إنتاجي وتنموي ، ويعنى إبقاؤه في دائرة الاغاثة والمساعدات الإنسانية المنفذة عبر الوكالات والمنظمات الدولية .
استناداً لما تقدم فإنني أرى أهمية تراجع البنك العربي عن خطوته والتي أدت أيضا إلى زيادة نسبة البطالة عبر الاستغناء عن 70 من موظفيه يساهمون في إعالة أسرهم وربما فإن قسم كبير منهم قد ربط بصورة كبيرة مستقبله الاقتصادي والحياتي باستمرارية وظيفته في بنك كان قد أعطى نموذجاً عام 67 بالحفاظ على حقوق مودعيه وكذلك بعض موظفيه ولفترة طويلة من الزمن .
وإذا كانت البنوك بالعالم تسير وفق آليات اقتصادية و ربيحة صرفة فإن حالاتنا الفلسطينية تتميز باستثنائية بسبب أبعادها الوطنية والحقوقية ، وعليه فقد بات مطلوباً القيام بهذا الدور الوطني من مؤسسات القطاع الخاص ومن البنوك أيضا ، من أجل المساهمة في دعم صمود شعبنا في مواجهة سياسة الاحتلال والحصار الرامية إلى إفقار جماهيرنا وتعميق إدماجها في دائرة العوز والإغاثة ، خاصة إذا أدركنا الثروات المالية الهائلة للبنك العربي بما يمكنه من تحمل نتائج أية تبعات سلبية مالياً قد يتعرض لها في القطاع .
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/