فلسطين تحتاج القليل من الكلام، الكثير من العمل!!
د. غازي حمد
الحالة الفلسطينية دوما ذات حراك ونشاط فوار !! ترى المهرجانات والمسيرات والاحتفالات وورش العمل والندوات والمؤتمرات وعشرات من الأنشطة التي تجعل الحياة تنبض بقوة وتتحرك في اتجاهات شتى.
في كل مناسبة من المناسبات ترى مثل هذه الأنشطة تتربع على الساحات والمقرات سواء مناسبة خاصة بالأسرى أو بالقدس أو بمناهضة توجهات وسياسات إسرائيلية أو ما يتعلق بالشأن الداخلي خصوصا المصالحة.
هذا جميل ومطلوب لأنه يحرك الجمهور ويجعله حيا وفي حالة تفاعل مستمر مع القضية الفلسطينية, لكن السؤال الذي يطرح نفسه : هل هذا يكفى ؟ هل هذا أقصى ما يمكن أن نقوم به ؟هل هو تعبير عن أننا لا نملك أكثر من ذلك ؟ هل فقدنا الخيارات الأخرى ؟ وهل من الصحيح تفريغ كل طاقاتنا العقلية والجسدية في المهرجانات والمسيرات والاحتفالات والاعتقاد بأنها هي التي يمكن أن تستعيد القدس أو تفتح الأبواب أمام الأسرى أو تسد الطريق أمام غلواء السعار الإسرائيلي في ابتلاع الأرض وبناء المستوطنات وتهويد القدس؟ اعتقد أن الجميع سيجيب ويقول " لا يكفي, نحن نريد أكثر من ذلك "؟.
لاشك بان قضية كبيرة مثل القدس واللاجئين وتحرير الأرض تحتاج إلى جهد أعظم واكبر تتجاوز مرحلة المسيرة والمهرجان والمؤتمر والندوة(وان كانت مهمة بقدرها).
لا ينبغي لمثل هذه النشاطات, والتي أصبحت ظاهرة شبه يومية تتبناها القوى والفصائل والمؤسسات, أن تمثل صورة من صور العجز عن امتلاك الخيارات العملية ذات التأثير المباشر في معادلة الصراع , ولا ينبغي لمثل هذه الوسائل أن تملأنا نشوة وتسد فراغنا العاطفي بالأهزوجة والخطب النارية والأناشيد الثورية في مقابل أن سرطان الاحتلال يتمدد عمليا و يزداد يوما بعد يوم.
ما إن تجلس في اجتماع لقوى وفصائل وتطرح قضية الاستيطان أو القدس أو الأسرى إلا وتقفز خيارات "المسيرة " أو "المهرجان" أو "المؤتمر الصحفي" لتحتل الأولوية باعتبارها "الحل السحري " في معالجة هكذا قضايا خطيرة.!! فيما تغيب "الحقيقة" التي تتمثل في العمل المبرمج طويل المدى والتخطيط السليم وتجنيد كل الإمكانيات لمواجهة هكذا تحديات.
إن كثرة المسيرات والمهرجانات والمؤتمرات الصحفية لا تخيف عدونا ولا تردعه عن تنفيذ مخططاته بقدر ما يردعه لو تصالحنا واجتمعنا وخططنا سويا وعملنا بيد واحدة ضمن رؤية إستراتيجية.
ليس أسهل من أن تقيم مهرجانا أو مسيرة أو مؤتمرا.. لكن من الصعب جدا أن نضع خطة وتصورا استراتيجيا وعمليا لتحرير أرضنا وإقامة سد أمام مخططات الاحتلال.
لا ينبغي أن ننحاز إلى الصورة ونترك الأصل, ولا أن نركن إلى الأسهل عزوفا عما يتطلب فكرا وجهدا وسهرا وعرقا.
أريد هنا أن أصل إلى نتيجة ذات مغزى, وهي أننا يجب أن نجند الطاقات العقلية والجسدية لما هو أجدى: نفكر.. نخطط .. ننفذ , ونعمل سويا , ثم تأتي المسيرة أو المهرجان كجزء مكمل للمخطط العام.
إن عظمة وحكمة الإسلام انه قصر الأعياد على عيدين حتى لا تسرف الأمة في الاحتفالات والشكليات وتلتفت إلى العمل الجاد والمثمر.
** طاقة هائلة
نحن الفلسطينيون لدينا إمكانيات هائلة وجبارة , سواء على الصعيد العقلي أو الجسدي, لكن مشكلتنا تكمن في أننا نسخر جزءا كبيرا من هذه الطاقة في الجوانب العاطفية الانفعالية أكثر منها في الجوانب التخطيطية والإستراتيجية ,أو أننا نحول جزءا كبيرا من هذه الطاقة من خلال "نشاطات حزبية" أكثر منها وطنية !! لذا ترى أن "انجازاتنا" الوطنية في غالبيتها تشبع عواطفنا أكثر ما تدخل عقولنا!!
إن التعبئة الوطنية مطلوبة ومهمة جدا ولا يمكن بحال الاستغناء عنها, لكن الكارثة فيما لو كانت التعبئة هي البديل عن التخطيط والتفكير.
أليس بالإمكان أن نطرح على شبابنا أسئلة (أشبه بخطة البحث) : كيف يمكن لنا أن نواجه المخطط الاستيطاني ؟ قدموا لنا رؤية حول الطريقة الأفضل لتحرير أسرانا من السجون ؟ أعطونا تصورا حول أفضل الوسائل لإدارة الصراع مع الاحتلال بطريقة أجدى واقوي ؟. كيف نستطيع تحقيق المصالحة الوطنية ... أعطونا حلولا وخيارات.
تصوروا كم سيكون رائعا ونحن نجد شبابنا يقدمون لنا خلاصة تفكيرهم وقدحهم لزناد عقولهم؟
لندعهم يفكرون ويخططون ويضعون لنا تصورات من إبداعاتهم وأفكارهم.
ما المانع أن نفعل قدراتهم الذهنية على التخطيط الاستراتيجي ونجعل منهم قادة حقيقيين وصانعي قرار بدلا من أن يكونوا خطباء وذوي بيان بليغ وصوت هدار ؟
** نحن وهم
إن مراجعة تاريخ الحركة الصهيونية وكيف استطاعت أن تسلب فلسطين وتبني دولة وتجلب لها الموارد والإمكانيات والدعم المالي والسياسي يظهر بأنهم عملوا ضمن مخطط استراتيجي وليس مجرد تظاهرة هنا أو مسيرة هناك.
هم بنوا دولة ونحن لا زلنا نبحث منذ ثلاث سنين عن مصالحة ضائعة!! .. هم بنوا مستوطناتهم واستكملوا جدارهم وعززوا اقتصادهم ونحن لا زلنا نتحدث عن الوحدة !!هم هودوا القدس وسرقوا بيوتها وتاريخها ونحن نفتش عن وسطاء لحل مشاكلنا.. هم جندوا دولا ومنظمات ومؤسسات لصالح كيانهم الغاصب ونحن لا زالت الصراعات الداخلية تنهشنا و تسرق ما تبقى فينا من قوة وعزم.
هم ليسوا أكثر منا مالا ولا أكثر ذكاء, وليسوا املك منا للبعد الجغرافي والامتداد القومي والديني , فنحن لدينا امتداد يصل ما بين المغرب واندونيسيا وما بين تركيا وحتى جنوب تشاد والسنغال , لكن الفارق أنهم غلبوا العمل الممنهج على الشعارات , وغلبوا المصلحة العامة على خلافاتهم الحزبية, واستفادوا جيدا من لعبة العلاقات الدولية , ولعبوا على وتر الخلافات العربية ثم الخلافات الفلسطينية وجرونا الى مربعات بعيدة كل البعد عن قضايانا الخطيرة, لذا تجد أنهم كل يوم يشغلوننا بقضية مستوطنة أو قرار إبعاد او هدم بيت أو نفق تحت الأقصى ...كل يوم قصة حتى نجد أنفسنا موزعين ومشتتين وغير قادرين على رؤية الصورة من بعيد بكل زواياها . لماذا؟ لأننا لا نملك مفتاحين مهمين للصراع: رؤية إستراتيجية وعمل وطني موحد.
إن الطاقة التي لدينا أشبه بالطاقة النووية القادرة على إحداث تغييرات هائلة لكن من يكتشفها ومن يستطيع استغلالها وتشغليها في الاتجاه الصحيح ؟
إن القوى والفصائل الفلسطينية مدعوة لإعادة التفكير في تفريغ طاقاتها.. مدعوة لإعادة تصنيع " الشباب وبرمجتهم بطريقة يساهمون فيها بقوة في تحقيق المشروع الوطني.
فلنغير المعادلة : قليل من الكلام والمهرجانات والمسيرات وكثير من التفكير والتخطيط والعمل والإنتاج .
وأقول للجميع : بين أيديكم كنوز وثروات لا تقدر بثمن فاعرفوا كيف تستثمروها وإلا أصبح الذهب ترابا وتحولت الكنوز إلى أوهام !!
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/