أول خطبة في المسجد الأقصى بعد جلاء الصليبيين عن القدس وفلسطين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد
الأمين، وعلى آله وصحبه الغُرُ الميامين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
واجب المسلمين نحو واجب قديم ، يستند هذا الواجب إلى القرآن الكريم
والسُنَّةُ النبوية الشريفة، وإلى رحلة الرسول من المسجد الحرام إلى
المسجد ألأقصى.
كل ذلك ألقى على عاتق المسلمين تبعاتٌ نحو القدس، وبرزت مسئوليتهم نحو القدس منذ بدء الرسالة حينما وقعت رحلة الإسراء والمعراج.
واستشعر المسلمون واجبهم نحو بيت المقدس حينما نَزَلَ قولُ الله تعالى:
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي
باركنا حوله لِنُرِيَهُ من آياتنا إنهُ هوَ السميع البصيرُ)
ونَصُ القرآن الكريم على مُباركة هذه الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى، لهو تأكيد على واجب المسلمين نحو بيت المقدس بالقدس يأتي في
الأهمية بعد المسجد الحرام بمكة المُكَرَمة.
بالإضافة إلى أن الله جعل قبلة المسلمين الأولى إلى القدس، وما ذلك إلا
لِيُعظمها في قلوبهم وليعلموا قُدسية هذا المكان ومكانته عند الله .
كما جاءت السُنَّة النبوية لِتُؤكد هذا الواجب وتثبت في قلوب المسلمين
وعيونهم هذا المعنى لِتَظَلَ مكانة القدس حية في قلوبهم على مدى التاريخ
فإن غَفلوا أو وهنوا في فترة من الفترات فلا يلبثوا أن يعودوا لما يجب
عليهم القيام به وما يدعوهم له دينهم من حماية ونُصرة المُقدسات والتضحية
من أجلها استمرت هذه القدسية للمسجد الأقصى حية في قلوب المسلمين على مدى
التاريخ منذ الفتح الإسلامي للقدس في عهد عمر بن الخطاب إلى صلاح الدين
الأيوبي ومن جاء بعده من حكام المسلمين.
فبعد الفتح الإسلامي على يد عمر بن الخطاب، استمرت حرية وكرام القدس وبيت
المقدس فترة طويلة من الزمن وازدهرت في العهد الأموي، ثم أخذت تتقلص
وتتضاءل أو تَضْعُف هذه المكانة في قلوب المسلمين لأسباب سُلطوية من ترف
وزينة الحياة الدنيا الزائلة والتي بدورها أدت لضعف الحكام في تلك
الفترة.لتلك الأسباب وغيرها تآمر الفرنجة والأوروبيون على بيت المقدس
وأكناف بيت المقدس وخاصة (فلسطين) فأرسلوا حُشودهم فاحتلوا البلاد
واستعبدوا العباد ودنسوا أرض الأمجاد، حتى وصلوا القدس فعاثوا فيها الفساد
.
واستمر الصراع مع الصليبيين مدة قرنين من الزمان على أرض فلسطين، وتمكن
الصليبيين من إقامة ممالك ودولا لهم منتهزين فرصة تفريق المسلمين وتنازع
بعضهم مع بعض
وبقيت القدس على هذه الحالة حينا من الدهر، تأن وتجأر إلى الله ظُلم
الظالمين وتهاون المسلمين،إلى أن هيأ الله لأمة الإسلام من يُنقذهم من قهر
وتنكيل الظُلَّام، سَخَّرَ الله لهم قائدا ربانيا مسلما صادقا .هو القائد
العظيم (صلاح الدين ) والذي وحَّدَ الصفوف وجمع الكلمة، واستعان بالله
وتمثل عظمة الإسلام في سلوكه وأخلاقه ومبادئه .و الذي كان يجمع غُبار
المعارك التي يُشارك فيها وأوصى أن تُدفن معه في قبره. والذي أقسم بالله
أن لا يبتسم حتى تَتَحررَ القدس وبيت المقدس ....حتى حقق الله له النصر
وفتح على يديه بيت المقدس واستنقذها من أيدي الصليبيين عام
583هجرية .وارتفع الأذان مدويا في سماء القدس بعد تعطيل طويل اشتاق لسماعه آلاف المسلمين في القدس وفلسطين .
وهناك تجلت التسابيح بالحمد والشكر لملك الملوك، إله المُستضعفين، قاهرُ الجبارين وناصر المظلومين.
وعند إذ وقف القاضي مُحي الدين بن الزكي خطيبا في يوم الجمعة التي أعقبت تحرير القدس
.... نعم ارتقى المنبر ليلقي أول خطبة في المسجد الأقصى بعد جلاء الرجس الصليبي عن القدس وفلسطين .....والتي قال فيها: -
*أول خطبة في المسجد الأقصى بعد التحرير من الصليبيين *
خَطبَ القاضي قائلاً:-
.... تَقَطعَ دابر القوم الذين ظَلموا والحمد لله رب العالمين .. ثُم أكمل قائلاً:
الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره ومُصَّرف الأمور بأمره،
ومُزيد النعمِ بِشُكرِه، ومُستَدرِج الكافرين بمَكره،الذي قدَّرَ الأيام
دولا بعدله، وجعل العاقبة للمُتقين بفضله، وأفاض على العباد من طَلْهِ
وهَطلِه،الذي أظهر دينه على الدين كُله، القاهرُ فوق عباده فلا يُمانَعْ
والظاهر على خليقته فلا يُنازَع، والآمرُ بما يشاء فلا يُراجعْ ، والحاكم
بما يُريد فلا يدافع أحمده على أظفاره وإظهاره، وإعزازه لأوليائه ونصره
أنصاره،ومُطَهر بيته المُقَدس من أدناس الشرك وأوضاره، حمدَ من استشعر
الحمد باطن سره وظاهر إجهاره .
.... وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الأحد الصمد، الذي لم يلد
ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، شهادة من طَهَّرَ بالتوحيد قلبه، وأرضى به
ربه، وأشهد أن محمد عبده ورسوله رافع الشكر وداحض الشرك، ورافض الإفك،
الذي أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وعرج به منه إلى
السماوات العلى، إلى سِدرَة المُنتهى عندها جنة المأوى، ما زاغ البصر وما
طغى، صلى الله عليه وسلم ، عليه وعلى خليفته الصديق السابق بالإيمان، وعلى
أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول من رفع عن هذا البيت شِعارَ الصُلبان
وعلى أمير المؤمنين عُثمان بن عفان ذي النورين جامعِ القُرآن، وعلى أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب مُزَلزلِ الشرك ومُكَسرِ الأصنام، وعلى آله
وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ..... .
...أيها الناس: ابشروا برضوان الله الذي هو الغاية القصوى والدرجة العليا
لما يَسره الله على أيديكم من استراد هذه الضالة من الأمة الضالة وردها
إلى مقرها من الإسلام بعد ابتذالها في أيد المشركين قريبا من مائة عام
وتطهير هذا البيت الذي أذِن الله أن يرفع وأن يذكرَ فيها أسمه وإماطة
الشرك عن طرقه بعد أن امتد عليها رواقه واستعمر فيها رسمه ورفع قواعده
بالتوحيد فإنه بُنيَ على بالتقوى ، فإنه أسس على التقوى من خلفه ومن بين
يديه ، فهو مَوطنُ أبيكم إبراهيم ومعراج نبيكم محمد عليه السلام وقبلتكم
التي كنتم تُصَّلْ ون إليها في ابتداء الإسلام وهو مقرُ الأنبياء ومقصِدُ
الأولياء ومقرُ الرسل ومهبط الوحي ومَنْزِلُ تَنَزل الأمر والنهي وهو في
أرض المحشر وصعيدُ المَنْشَرْ،وهو في الأرض المقدسة التي ذكرها الله في
كتابه المبين وهو المسجد الذي صلى فيه رسول الله(ص) بالملائكة المُقربين
وهو البلد الذي بعث الله إليه عبده ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحه
عيسى الذي شَرْفَه الله برسالته وكرمه بنبوته ولم يزحزحه عن رتبة عبوديته
فقال تعالى : [ لن يستنكف المسيح أن يكون عبد الله ] وقال: [لقد كفر الذين
قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم]
وهو أول القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين لا تشد الرحال بعد
المسجدين إلا إليه ولا تعتقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه ولولا أنكم
ممن اختاره الله من عباده واصطفاه من سكان بلاده لما خصكم بهذه الفضيلة
التي لا يجاريكم فيها مجار ولا يباريكم في شرفها مبار فطوبى لكم من جيش
ظهرت على أيديكم المعجزات النبوية والوقعات البدرية والعز مات الصديقية
والفتوح ألعمريه، والجيوش العثمانية والفتكات العلوية، جددتم للإسلام أيام
القادسية والوقعات اليرموكية والمنازلات الخيبرية، والهجمات الخالدية،
فجازاكم الله عن نبيه محمد أفضل الجزاء وشكر لكم ما بذلتموه من مهجك في
مقارعة الأعداء وتقبل منكم ما تقربتم به إليه من مهرا ق الدماء وأثابكم
الجنة فهي دار السعداء فاقدروا رحمكم الله هذه النعمة حق قدرها وقوموا
الله تعالى بواجب شكرها فله النعمة عليكم بتخصيصكم بهذه النعمة وترشيحكم
لهذه الخدمة فهذا هو الفتح الذي فتحت له أبواب السماء وتبلجت بأنواره وجوه
الظلماء وابتهج به الملائكة المقربون وقربة عينا الأنبياء والمرسلون فإذا
عليكم من نعمة بأن جعلكم الجيش الذي يفتح عليه البيت المقدس في آخر الزمان
والجند الذي تقوم بسيوفهم بعد فترة من النبوة إعلام الأيمان فيوشك أن تكون
التهاني به بين أهل الخضراء أكثر من التهاني به بين أهل الغبراء أليس هو
البيت الذي ذكره الله في كتابه ونص عليه في خطابه فقال تعالى : [ سبحان
الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا
حوله ]
أليس هو البيت الذي عظمته الملوك وأثبت عليه الرسل وتليت فيه الكتب
الأربعة المنزلة من إلهكم عز وجل أليس هو البيت الذي أمسك الله عز وجل
الشمس على يوشع لأجله أن تغرب وباعد بيت خطواتها ليتيسر فتحه ويقرب أليس
هو البيت الذي أمر الله موسى أن يأمر قومه باستنقاذه فلم يجبه إلا رجلان
وغضب عليهم لأجله فألقاهم في التيه عقوبة للعصيان فاحمدوا الله الذي أمضى
عزائكم لما قعد عنه بنو إسرائيل وقد فضلهم على العالمين ووفقكم لما فيه من
كان قبلكم من الأمم الماضين وجمع لأجله كلمتم وكانت شتى فليهنكم أن الله
قد ذكركم به فيمن عنده وجعلكم بعد أن كنتم جنودا لاهويتكم جنده وشكركم
الملائكة المنزلون على ما أهديتم إلى هذا البيت من طيب التوحيد ونشر
التقديس والتحميد وما أمطتم عن طرقهم فيه من أذى الشرك والتثليث والاعتقاد
الفاجر فالآن يستغفر لكم أملاك السماوات وتصلي عليكم الصلوات المباركات
فاحفظوا رحمكم الله هذه الموهبة فيكم واحرصوا هذه النعمة عندكم بتقوى الله
التي من تمسك بها سلم ومن اعتصم بعروبتها نجا وعصم واحذروا من إتباع الهوى
وموافقة الردى ورجوع القهقرى والنكول عن العدا وخذوا في انتهاز
الفرصة وإزالة ما بقى من الغصة وجاهدوا في الله حق جهادة وبيعوا عباد الله
أنفسكم في رضاه إذ جعلكم من الخير عباده وإياكم أن يستذلكم الشيطان وأن
بتداخلكم الطغيان فيخل لكم أن هذا النصر بسيوفكم الحداد ،وبخيولكم الجياد
، وبجلادكم في مواطن الجلاد، لا والله عزيز حكيم ،واحذروا عباد الله بعد
أن شرفكم بهذا الفتح الجليل والمنهج الجزيل ، وخصكم بهذا الفتح المبين ،
وأعلق أيديكم بحبله المتين أن تقترفوا كبيرا من مناهيه وأن تأتوا عظيما من
معاصيه فتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، والذي آتياه آياتنا
فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ،و الجهاد فهو من أفضل
عباداتكم وأشرف عادتكم أنصروا الله ينصركم ،اذكروا أيام الله يذكركم ،
اشكروا الله يزدكم ويشكركم ، جِدُّوا في حسم الداء وقطع شأفة الأعداء
وتطهير بقية الأرض التي أغضبت الله ورسوله واقطعوا فروع الكفر واجتثوا
أصوله فقد نادت الأيام بالثارات الإسلامية والملة المحمدية الله أكبر فتح
الله ونصر ،غلب الله وقهر ، أذل الله من كفر واعملوا رحمكم الله أن هذه
فرصة فانتهزوها وفريسة فأنجزوها ومهمة فأخرجوا لها هممكم
،وأبرزوها،وسَيِّروا إليها عزماتكم، وجَهِزوها فالأمور بأواخرها والمكاسب
بذخائرها، فقد أظفركم الله بهذا العدو المخذول، وهم مثلكم أو يزيدون فكيف
وقد أضحى في قبالة الواحد منهم عشرون منكم، وقد قال تعالى:..
(إن يَكُنْ منكم عٍشرون صابِرون يغلِبُوا مائتين) أعاننا الله على إتباع
أوامره والازدجار بزواجره وأيدنا معشرَ المسلمين بِنَصرٍ من عنده ، إن
ينصُركُمُ الله فلا غالب لكم وإن يَخذلكم فمن ذا الذي ينصُركم من بعده
وبقيت فلسطين والقدس محرره حتى تآمر الصليبيين الجُدُدْ (بريطاني وأمريكا)
على فلسطين والشعب الفلسطيني ،وساهموا بطرد أهلها وتسهيل طُرق الهجرة
لليهود للقدوم إلى فلسطين بِحجة أنها أرض الميعاد .وما زالت فلسطين ترزح
تحت نير الاحتلال الصهيوني الحاقد .وما زال مسجد الصخرة المُشرفة والمسجد
الأقصى تنادي (وامعتصماه).وما زال الأحرارُ يمتشقون السيف دفاعا عن قدس
المسلمين، وحُكامهم لِلْملذات ولِلغَربِ راكعين
.وما زال مُسلِمِي الأرض في أيامنا اليتيمة الحزينة يرتقبون من يُعيدُ
سيرة صلاح الدين ويقود المسلمين على كلمة الله تحت راية الإسلام، لِيُنقذَ
القدس مما تُعانيه ويوم إذٍ يفرح المؤمنون بنصرِ الله، يوم يعود الحق
لأصحابه ويسود السلام أرض السلام، ويقف الخطيب على المنبر ، ويُعيدُ
للأذهان ما قاله القاضي محي الدين، وما ذلك على الله بِعَزيز،ولكن لله
سُننا في الكون لا تتغير،!!!!؟؟؟؟..... . *لأن الله لا يُغَيِّرُ ما بقومٍ
حتى يُغَيروا ما بأنفسهم .*
يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكس
جاءت إليك ظلامة تسعى من البيت المقدس
كلُ المساجد حُرِرَت وأنا على شرف أُدنَسْ