بقلم : د. مأمون البسيوني
الإنسان
المصري وهو مايعنيني تشنّ عليه حرب استنزاف إعلامية لقدراته العقلية، تحت
طائلة الجدل الديني المشتعل علي الفضائيات. وكلّ قناة تتسابق في اختيار
العناوين والموضوعات والوعّاظ، معمّمين وأفندية . وهذا يجري في مجتمع
يعاني من السلبية يحاول أن يجتاز الحواجز التقليدية أمام التعليم والوعي،
ومن ثمّ خلق مرتكز انطلاق جديد للتقدّم الاجتماعي والسياسي. ودرجة التعليم
المتاحة في هذا المجتمع حتّي لحظتنا هذه تهتمّ أساسا بالتغلّب علي الأمّية
وتطوير التعليم القائم علي التلقين،فلا يراعي ذلك وبلا رحمة نستنزف باسم
إعلاء كلمة الله نحو تشجيع الميل نحو التلقّي ممّن يجلس علي الدكّة في
المسجد ويخطب علي المنبر في صلاة الجمعة، أو يحتلّ شاشة الفضائيات، له
وحده حقّ الحديث والتفسير ولنا فقط حقّ التكبير والتهليل ! وصارت
اجتهاداتنا ومشاركاتنا لحنين إنسان هذا العصر محض كلمات، تنتقي من ماض
ملتبس متناقض !
وتيرة واحدة
والموضوعات تتكرّر و علي وتيرة
كيفية قراءتنا الصحيحة للقرآن الكريم وتجويده، إلي السنّة النبوية وما
ألبس فيها من تخليطات. والأمر لايقتصر علي ما يتعلّق بأداء الطقوس، من
وضوء وصلاة ودعاء وتسبيح وصوم وزكاة وحجّ.. إنّما ينصرف وباستسهال مفرط
إلي صياغة مشاكل الحياة والموت. ينضمّ هؤلاء وإن كانوا يخفون ذلك إلي دعوة
جاهلية هذا الزمان وناسه، التي يحارب ضدّها وضدّ شياطينها في الغرب
وأمريكا، بن لادن والظواهري من كهوف تورا بورا ! تظهر هذه الدعوة الباطلة
في مواجهة الاهتمام واسع الانتشار بامكانية التأثير البيولوجي والكيميائي
والإلكتروني فيما كان يعدّ حتّي الآن جوهر الانسان الذي لايمكن تغييره .
والبعض يقول إنّ السلوك الإنساني يمكن أن يحدّد سلفا ويتم ّ اخضاعه
للسيطرة الإرادية. والإنسان يحرز بشكل متزايد المقدرة علي تحديد جنس
أطفاله ولون عيونهم وشعرهم، ولقد أكّد الذين يقومون بالتجارب بأنّنا
سنتوصّل إلي القوانين الأساسية التي تحكم الإنسان والكون. وفي مدي بضعة
عقود ستؤدّي عمليات زرع عصبية إلي تعزيز الذاكرة، وإلي توفير تحميلات
كاملة مثل تعلّم لغة بأكملها أو محتويات كتاب كامل خلال دقائق! وإنّنا
لنري تطلّعا يتشبّث بأن تكون لدينا الوسائل لتشكيل الوظائف السلوكية
والفكرية لكلّ النّاس من خلال تشكيل العقل بيئيا وبالاستعانة بالكمبيوتر
والهندسة البيولوجية ..
وإنّها لمذلّة وإفلاس وفي كثير من الأحيان
كدفاع فاشل عن النفس، كلّ المواجهات التي تركّز علي إثبات أنّ القرآن
الكريم هو من عند الله وليس قول إنسي أو جنّي ! في البداية تحدّي القرآن
قريشا بفصاحتها أن تأتي بآية من مثله،وظهر أنبياء هذا العصر يتحدّون
انتشار البيولوجي والكيميائي والألكتروني، بما ينتقونه من ظواهر الاعجاز
العلمي في القرآن إلي الاعجاز العددي ! ووالله إنّها لدوّامة تطمرنا حتّي
تقوم الساعة، فلا نفلح في هذا ولا ذاك . وليتهم قادرين علي اكتشاف منهج
يساعدنا علي استنباط الحقيقة ! أو ينتشلنا من تخلّفنا، نشارك في إعمار
الدنيا وتشكيل بشر محسّنين !وفي السنوات القليلة الأخيرة انفجرت دوّامة
الجدل الذي يثيره المبشّرون الجدد بإمكانية انتصارنا وانتصار الإسلام.
وأنا أشير هنا فقط إلي مايجري علي الميديا، أمّا حين ينتقل الأمر إلي
الأرض، فمن حقّنا أن نسأل هؤلاء عن الدماء والحروب والانقسامات والفتن حين
يتحوّل الناس علي أيدي دعاة الخطاب الديني إلي موقف نشط وممارسة حقّ
المقاومة أو التصويت. والمبشرون برأيي، هم أكثر الناس شكاً وتشكيكاً بما
يبشرون به،يبدون من أكثر الناس تعرضاً لتغيير مواقفهم. والنّاس التي هي في
الأساس سلبية،حائرة تصرف وقتا إضافيا لم يعد بالقليل وراء دعاوي الدعوة
المتناقضة للإيمان أو تعزيزه أو تثبيته. لاندري لأي صوت للحقيقة والحقّ
يمكن أن نتّجّه؟ لطريق الهداية أم للمعجزة الكبري، أم للموعظة الحسنة أم
عمّ يتساءلون،للنصّ القرآني أم ما يناقضه من آلاف الأحاديث النبوية،
للشيعة أم للسنّة؟
و الخلط بين ثقافة أغلبية المصريين، وبين
الأغلبية باعتبارها تعتنق الدين الإسلامي هوخلط متعمّد ومضلّل يستغفل
ويستغلّ عقائد الناّس. والقنوات والفضائيات والدعاة، وكلّ من يجد ترويج
نفسه وانتشارها وتحقيق أرباح غير عادية وطائلة نتيجة " امتهان " الشرح
والتفسير والدعاء والإفتاء، إنّما يتضامن بكثير من القصد والعمد مع أكبر
مشروع تضليلي في عصرنا الحديث، يصاغ تحت شعار " نصرة الإسلام". يتمّ تظهير
مشكلات ضعفنا وتخلّفنا وعجزنا وفقرنا وجهلنا وكلّ أحوالنا المتردّية،
تأسيسا علي تسويق مفهوم " الإسلام هو الحلّ"،حتي لتبدو مشكلاتنا ومعضلاتنا
بلا حلول إلاّ تلك التي يقترحها ويحاول أن يفرضها أصحاب الشعار وكلّ من
يخرج من تحت هذه العباءة. الذين يهاجمون المدن ويقتلون النّاس ويحتجزون
الرهائن،يستندون إلي (ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون)
والنزعة أممية في تخطيطها للسيطرة علي كلّ بلاد العالم، والحركات
الإرهابية تبث ّ الذعر في بقاع شتّي، وقد أعادت القرصنة إلي القرن الواحد
والعشرين. ولاشكّ أنّ هذه الحركات قد استعدت العالم علي المسلمين وشمل
التأثير الشعوب المسلمة وملايين المقيمين بالدول الغربية، وامتدّ ليشمل
الإسلام وبدأت الرسوم الدنمركية!
أحلام يقظة
وماهو إلاّحلم
يقظة ضائعة،فكرة السيطرة علي العالم، حين تٌسلم أمريكا وأوروبا بفضل
اكتشافات زغلول النّجّار عن الإعجاز العلمي أواكتشافات المهندس المدني
السوري عدنان الرفاعي حول الإعجاز الرقمي - وبالمناسبة فهوليس أوّل من دعا
إلي هذا التنظير- يصل إلي حدّ التنبّؤ بانتهاء اسرائيل في العام 2022.
وعموما فالمسلمون لايشكون من قلّة عدد (حوالي المليار والنصف مليار)،
ولكنّهم غثاء حائر علي موجات نزعة ماضوية لازمت الخطاب الديني وجعلته
أسيراً للماضي، يعيد انتاج مقولات الفقهاء ويفتّش في الماضي عن حلول
لمشكلات الحاضر، متوجساً من التغيرات المجتمعية، قلقاً من التطورات
المستقبلية، غير منفتح علي ثقافة العصر وعطاءاته الإنسانية. يمجّد التاريخ
ويتغنّي بالأمجاد والمآثر والانتصارات والرموز والأبطال عبر الانتقاء
للحظات مضيئة، وغض الطرف عن مئات السنين من المظالم والاستبداد والحروب
والانقسامات والفتن، ظنّا بأنّ نقد التاريخ هو نقد للدين. والحاضر خير
شاهد علي الإقصاء والتشكيك في عقائد الآخرين وتعقّبهم بدعاوي التكفير
والارتداد والتفريق والازدراء للأديان ! ويعيش المسلمون لا ضحايا لأنفسهم،
إنّما يتصوّرون العالم مؤامرة عليهم وغزوا ثقافيا وعولمة تنزعهم من
هويتهم، من حكماء صهيون إلي الصليبية الحاقدة. والغرب شيطان مادّي وإباحي
يريد إفسادنا، وكلّ من يختلف في شأن سياسي أو حول حقوق المرأة أو الدولة
المرجوّة أو اقتصاد البنوك أو ينقد الخطاب الديني، فهو واقع تحت تأثير
شيطان الغرب. أذهب عقولهم اعتقادهم بأنهم يملكون الحقيقة المطلقة،
واستوصوا أنفسهم بالدفاع عن الله والمقدّسات والأخلاقيات .. وعلينا أن
نرهن عقولنا في بنوك تبريراتهم !و قد يشدّ انتباهكم إلي فظاعة ما أوصلتنا
إليه هذه اللغة، فليس بالأمر الهين أن نمرّ مرّ الكرام علي حالة مجتمع
نشرت فيه بعض الفضائيات، وإن بسخرية متوارية أو بتعجّب مكتوم خبر كنس "
ضريح السيدة زينب- أمّ العواجز" كأحدث وسائل التظاهر في مصر احتجاجا علي
الدولة من قبل متظاهرين شباب، أغلبيتهم الساحقة نشطاء سياسيون ومتعلمون
مثقفون. تمخّض المشروع الحضاري بالتفتيش في المصحف يعلو زخمه من الإعجاز
العلمي إلي الإعجاز العددي، فولد عجزا علي حساب الوعي والعقل مستفيدا
لأقصي حدّ من زمن الجهل المتلفز!
عن جريدة القاهرة
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/