د. زياد الحكيم
منذ بدايات القرن العشرين قرر أدباء و فنانون وموسيقيون أمريكيون الهجرة إلى باريس لأسباب اقتصادية أو فنية. وكانت الكاتبة غيرترود ستاين من أول المهاجرين في العقد الأول من القرن العشرين. ووصلت الهجرة إلى ذروتها في ما بين الحربين الأولى والثانية. وأمل المهاجرون في أن يستفيدوا في العاصمة الفرنسية من تكاليف المعيشة غير الباهظة ومن الانفتاح الأوربي ومن قلة القيود المفروضة على أساليب المعيشة ومن الأدب الأوربي وتجاربه.
وقد شارك بعض الأمريكيين من الكتاب والفنانين كجنود في الحرب العالمية الأولى الأمر الذي فتح لهم المجال للتعرف على باريس من أمثال ايرنست همنغواي وإي إي كمينغز وغيرهم وقد عادوا إلى باريس بعد انتهاء الحرب. وفي العقدين التاليين هاجر إلى فرنسا كتاب من أمثال ارشيبالد ماكليش وازرا باوند واف سكوت فيتزجيرالد ووليام كارلوس وليامز وجون دوس باسوس وهارت كرين وسنكليز لويس وهنري ميلر . وقد أقاموا جميعا في باريس. وهاجر إلى باريس كذلك كتاب وموسيقيون وفنانون من بلاد أخرى غير الولايات المتحدة مما جعل العاصمة الفرنسية مركز تجمع لمثقفين عالميين. فقد قصدها فورد مادوكس فورد وويندام لويس ودي اتش لورانس وساميويل بيكيت وجيمس جويس. ومن الفنانين قصدها بابلو بيكاسو وسلفادور دالي. ومن الموسيقيين جورج انتيل و فيرجيل تومبسون. وساهم الجميع في دفع عجلة التجريب الأدبي مما اوجد مدارس أدبية جديدة مثل الحداثة وما فوق الواقعية والدادوية. ونشرت الكتابات من هذه الحقبة في مجلات ودوريات وكتب شاعت وراجت في مختلف أنحاء العالم. كما أن انخفاض أسعار الطباعة والنشر في باريس جعل من الممكن إطلاق دور نشر جديدة وناجحة مثل بلاك صن و كونتاكت.
وفتحت باريس في ذلك الحين المجال لكثير من المثقفات الأمريكيات من البيض والسود أن يقمن فيها. وقد وجدن فيها إمكانية ممارسة فنهن وحياتهن بطريقة لم تكن الأوضاع في الولايات المتحدة تسمح بها. من هؤلاء الأديبات نذكر غيرترود ستاين وكاثرين آن بورتر وكيه بويل. واشتغلت المرأة في تأسيس دور النشر مثل شكيبير اند كومباني التي نشرت أول طبعة من رواية يوليسيس للكاتب الايرلندي ساميول بيكيت. وسافر الأمريكيون السود إلى باريس للاستمتاع بالحرية التي حرموا منها في الولايات المتحدة والتي تحدث عنها الجنود السود الذين شاركوا في الحرب وذلك بعد عودتهم إلى بلادهم. من هؤلاء الكتاب ريتشارد رايت وجيمس بالدوين اللذان هاجرا إلى باريس في وقت متأخر نسبيا.
وعاد كثير من الكتاب الأمريكيين إلى الولايات المتحدة في الثلاثينيات من القرن العشرين. وتوقفت هجرة المبدعين إلى باريس على نحو مؤقت مع اقتراب الحرب العالمية الثانية. ولم تلتزم الأعمال الأدبية التي تركها هؤلاء الكتاب بمدرسة أدبية معينة. تتناول كثير من هذه الأعمال موضوعات أمريكية وفي بيئة أمريكية بأساليب متنوعة. غير أن هذا الأدب تميز بتصوير صارخ للعنف والجنس مما أدى إلى حظر كثير منه في الولايات المتحدة على مدى سنوات كثيرة.
American Literature in Europe
Dr Ziad Hakim
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/