تمارين لكتابة قصيدة نثر
عدنان الصائغ
*"إن شعر بليك مزعج، شأن كل شعر عظيم". أليوت
*"الغناء ميزان الشعر". المرزباني/ الموشح
*"للشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم والصناعات". الجمحي
*"لكن من قال أن الشعر مجرد لغة محكمة ومحض سيطرة على الأوزان والمفردات". بدر شاكر السياب
*"القصيدة عمل ثوري". أكتافيو باث
.. وافتح المنجد على أية صفحة تشاء، وافتحْ لسان العرب وتاج العروس والقاموس المحيط وأساس البلاغة.. وإلخ.. من معاجم اللغة وقواميسها. واقتطف منها ما شئت من الكلمات بلا تعيين أو تخطيط أو ترتيب، اكتبها على قصاصات صغيرة ثم ضعها في كيس واخلطها خلطاً جيداً.
والآن مد يدك في الكيس واخرج منه القصاصات كلمة وراء كلمة. وسطرّها، نعم، سطرها على الورقة التي أمامك، من اليمين إلى اليسار أو من اليسار إلى اليمين. شاقولياً أم أفقياً، متقاطعة أو متوازية. وإذا لم يعجبك كل هذا، فأقلبْ رأس كيسك إلى الأسفل وانثره نثراً على الطاولة.. ثم قم بتدوين الكلمات التي أمامك، بلا تعين أو تخطيط بل حتى وأنت مغمض العينين كلمة لصق كلمة، ولا عليك ، فكل كلمة تولد شراراً وإبهاراً وغرابةً لحظة احتكاكها أو اصطدامها مع كلمة أخرى تماماً مثل احتكاك حجرين، وهذه الشحنة تختلف من حجر إلى حجر ومن كلمة إلى أخرى ومن يد إلى يد.. لتجد بعدها أنك قد أنجزت كتابة قصيدة نثر بأقل من ساعة.. وحين تتدرب يداك على سرعة إخراج الكلمات وتدوينها يمكن أن تنجز المهمة في نصف ساعة أو عشرين دقيقة أو عشر دقائق وهلم جرا.. ليكون بإمكانك أن تنجز ديواناً كاملاً في يوم واحد.. بل ديواناً واحداً في ساعة واحدة. وقسمْ عمرك أو ما تبقى منه على عدد الدواوين الشعرية التي ستنجزها ليصبح حاصل تحصيلك مكتبة شعرية لا أكبر منها في العالم تضاهي جناح الشعر في جامعة أكسفورد في لندن ومكتبة الكونغرس الأمريكية ومكتبة الإسكندرية في مصر، جمعاء.
..لكن أرجوك يا صديقي وقد أنجزت ما أنجزت من فتح شعري لم يسبقك إليه الإسكندر المقدوني في فتح المدن والأمصار، قالباً به عالي الشعر أسفله. أرجوك أن لا تكشف سر هذه الوصفة السحرية حتى لو طوقتك كاميرات الصحفيين وعصابات المافيا الشعرية. تجالدْ، واتركهم على حالهم يضربون أخماسا في أسداس ويدخنون السجائر ويطوفون على المكتبات والعرافات ليعرفوا سرَّ هذا التدفق الذي فاق شلالات نيكارا. دعهم يظنونك ساحراً هندياً هرب من مغارة بوذا أو حاو من هواة اللعب بالكلمات أو أنك آخر سلالة الدادائيين أو ليظنوك شاعراً مستنسخاً محفوظاً قبل النعجة دولي، من المتنبي على الخنساء أو من شكسبير على اديث ستويل، وهم يقرأون منك هذا الذي لا أرقى منه من جهة السفسطائيين قبل أفلاطون وبعده، ولا أغرب منه من جهة الدادائيين قبل تريستان زارا وجماعاته وما بعدهم، ولا أخفى منه من جهة الباطنيين الصوفيين وشطحاتهم قبل النفري وبشر بن الحافي والبسطامي والحلاج.. وما بعدهم، ولا أشكل منه من جهة الشكلانيين الروس قبل ياكبسون ومن بعده.. واترك النقاد على حالهم يشرقون ويغربون في استقراء نصوصك وسبر أغوارها وكشف مجاهيلها وحل اشكالاتها وإضاءة تأويلاتها ومتابعة تناصاتها وتقصي آلياتها وتحليل خطابها وقياس مسافات توترها وفجواتها.. واترك المريدين يقلدون نصوصك استنساخاً وتناصاً وتلاصاً وقد بهرهم هذا الفيض من الثراء اللغوي الذي لا يجف، والسيل النصي التأويلي الذي لا ينقطع.
واترك الصحف ودور النشر ورؤساء الندوات يتسابقون إليك وقد رأوا أن نصوصك تصلح لكل المناسبات، في المآتم والأعراس والمواليد الختان والمشاكلة والاختلاف والثابت والمتحول والأصول والمنهج والتلقي والتأويل والربيع والشتاء والحرب والسلم والفيضانات ومواعيد المواصلات وأزمة الطاقة والأحزاب والشاورما وتفصيلات الأزياء وطبخات الريجيم.. وإلخ، وإلخ. كما أنها لا تثير رقيباً ولا تستفز قارئاً ولا تغيظ سلطةً ولا تمس ثالوثاً محرماً ولا تنتقد شيئاً ولا تقول شيئاً ولا تفعل شيئاً. وبالتالي فأنها يمكن أن تمر عبر كل مكاتب الرقابة الرسمية والاجتماعية والسياسية والدينية دون أن تتعرض لحذف أو قص أو بتر، ويمكنها أن تُنشر في كل الصحف والمجلات والنشرات يمينيةً أو يساريةً، ثوريةً أو رجعيةً، تراثيةً أو حداثويةً، شرقيةً أو غربيةً.. وتعال نطبق ما قلته لك تطبيقاً حرفياً، فأكتبْ وفق الطريقة أعلاه ما يلي:
"بشباكه التي تشبه الذكرى، يلم الظلال الممنوحة، ويتكدر أمام سواد رومي/ ولكن أين سنام شبيهي؟ لقد أنكر لقاتله، أن هنالك أعلى الفرات، صحراء كبيرة طلقت نفسها/ إنها الصحراء! على مقربة من مخطوطات الآلهة، حلقت، حلقت، بمفردك، جامعاً انقباضات الكلام، لكنها لم تنبهر ـ قدر تعلق الأمر ـ بسبيلك السطحي/ من هذا الحديد، صنع عشباً، ورش البئر به، لتخفي البياض ".. وإلخ .... وإلخ.
أو أعد التشكيل على الشكل التالي:
"بشباكه الذي تخفي الفرات يلم الصحراء المنهوبة قدر تعلق الأمر بالظلال الكبيرة التي تزوجت نفسها لتصنع فجلاً من هذا الزجاج الذي يشبه النسيان بسبيلك العميق اعترف شبيهي لقتلاه بمخطوطات الآلهة أسفل النيل صحراء هبطت ببياض زنجي".
أو أعد التشكيل على الشكل التالي:
"بشباكه التي تشبه النسيان، يلم الظلال المنهوبة، ويتكدر خلف بياض زنجي/ ولكن أين سيقف شبيهي؟ لقد أعترف لقاتله، أن هنالك أسفل الفرات، صحراء كبيرة تزوجت نفسها/ إنها الصحراء! على مبعدة من مخطوطات الآلهة، هبطت، هبطت، بمفردك، ناثراً ارتخاءات الكلام، لكنها انبهرت ـ قدر تعلق الأمر ـ بسبيلك العميق/ من هذا الزجاج، صنع عشباً، ورش البئر به، لتخفي السواد ".. وإلخ .... وإلخ... وهلم جرا.
ولكن قد يسألك سائل حاقد أو قارئ كسول: أين المعنى أو الثيمة في كل هذا الكلام؟.
وقد يسألك آخر: أين القصيدة في الإنسان؟ أو أين الإنسان في القصيدة؟.
ولا تهتم لتخرصاتهم، ولا تشغل وقتك الشعري بأسئلتهم السلفية، وأعدْ عيهم جواب أبي تمام حينما واجهه أحدهم بمثل ما واجهك: لماذا لا تقول ما يُفهم؟ فأعاد إليه السؤال جواباً مقلوباً: ولماذا لا تفهم ما يُقال؟…
وأعدْ قراءة المقالة مقلوبةً من الأسفل إلى الأعلى أو أعد تشكيل المقطع أعلاه وفق ما تشاء من اليمين إذا كنت يمينياً أو من اليسار إذا كنت يسارياً أو عمودياً إذا كنت بينهما، مع مراعاة حروف الجر والعطف وحركات الفتح والضم والكسر، ستدرك أول أسرار اللعبة، وهذه هي واحـدة من ثمار تمارين كتابة قـصيدة النثر للمبتـدئين والتي يمكنك بعدها أن تجمع كل هذه التمارين لتؤلف منها كتاباً تحت عنوان: "كيف تتعلم كتابة قصيدة النثر في عشرة أيام من دون معلم".
_________________
تحياتي:
العقول الكبيرة تبحث عن الأفكار..
والعقول المتفتحة تناقش الأحداث..
والعقول الصغيرة تتطفل على شؤون الناس..
مدونة /http://walisala7.wordpress.com/